محاولة أولى ستقول بإمكانية قراءة المصادر القادمة من فكر الحركة الوطنية ثم قراءة للمصدر الثاني المتمثل في الفكر الاشتراكي و بالأخص الماركسي.محاولة من هذا القبيل غير موضوعية لأكثر من سبب. لكن الأهم هنا هو القول بأنه سيكون من الخطأ الجسيم عدم التوقف مليا عند كل الجهد الذي بذله المفكرون المغاربة المعاصرون في إنتاجهم الذي يشهد له الجميع بالصرامة العلمية و الإبداع.و الذي تناول فعلا الأبعاد الثلاثة للإشكالية: التراث /الابيستملوجيا/الفكر الاشتراكي. و بالمناسبة فجل الفكر المغربي المعاصر يساري بالمعنى السوسيلوجي للكلمة و عقلاني بالنسبة للمحتوى المعرفي. علينا الانتقال من مجال الابيستملوجيا إلى مجال الفكر و الثقافة عموما. من هنا تطرح ضرورة إدخال تدقيق أو إضافة على مقولة اليسار في المشروع الذي يقترحه علينا الصديق حميد باجو، فالمفكر فيه ضمنيا ليس اليسار على العموم، بل هو اليسار الحزبي. إذا ما جاز لنا إدخال كل هذه التعديلات يصبح ممكنا إعادة صياغة المسألة على الشكل التالي :« اليسار الحزبي و الحاجة إلى التجديد الثقافي». - 4 هذا التحويل يسمح لنا بطرح سلسلة من التساؤلات: - لماذا لم يتأثر اليسار الحزبي المغربي بكبار مفكريه ؟ أو لنقل كيف كان تأثير المثقفين كأعضاء حزبيين على باقي الأعضاء و على الهيئات القيادية و على الحزب ككل؟ - لماذا غادر هؤلاء المثقفون تباعا المواقع التنظيمية لليسار؟ مهما كانت التمايزات المعرفية بين المفكرين و مهما كانت درجة الخلاف بينهم، فالواضح أنهم سلكوا نفس المسار الذي حملهم إلى خارج التنظيم الحزبي. مثلا كيف و في أية ظروف غادر محمد عابد الجابري المسؤولية الحزبية، و كيف أثر هذا الحدث في إنتاجه الفكري؟ بصيغة أخرى هل يمكن قراءة الإنتاج الفكري لمحمد عابد الجابري من زاوية إمكانية استمرار الإشكالية الحزبية داخل هذا الفكر . نفس السؤال يمكن طرحه على المفكر عبد الله العروي أو محمد برادة و اللائحة تطول طبعا. - لماذا لم يُكتب النجاح لكل المحاولات الكبرى لتتناول القضايا السياسية و التنظيمية لليسار بهمّ فكري ؟ مثلا لماذا سحب التقرير المقدم من طرف المهدي بنبركة في المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية. ما هي التمايزات الفكرية و الثقافية التي جعلت تقرير الأستاذ عبد الله ابراهيم تقريرا رسميا لمؤتمر الحزب و تم استبعاد تقرير المهدي بنبركة؟ - لماذا لم يف التقرير الإديلوجي المقدم للمؤتمر الاستثاني للاتحاد الاشتراكي بكل وعوده، بل لما لم يقدَّم ولو النزر اليسير منها؟ هل كان عملا نخبويا صرفا في قطيعة تامة مع ما يعشش في عقول المناضلين؟ هل كان زمن كتابة و تصريف التقرير زمنا معكوسا، بمعنى هل كان زمن المؤتمر الاستثنائي هو الزمن الملائم لصياغة هذه الوثيقة. و هل كان الحزب في تلك المرحلة بحاجة إلى تقرير، أم لقرار بحاجة دمج الثقافة في الحياة الحزبية. من المؤكد أن هذه التساؤلات بحاجة إلى «إجابات علمية» في انتظار ذلك قد تكون لدينا كأفراد عناصر إجابة بحكم التجربة داخل تنظيمات اليسار منها : 5 - أن اليسار الحزبي و مند تأسيسه سنة 1959 غيّب البعد الفكري كعنصر مركزي في الصراع من أجل بناء مغرب الاستقلال، و لم يكن لديه الوعي الكافي بأهمية التغيير الفكري و الثقافي في معركة التغيير و بناء المجتمع الجديد .لقد تطور الفكر اليساري تدريجيا في رحم المجتمع و كان سندا قويا لليسار الحزبي الذي اكتفى بهذا المعطي و تمترس خلفه ضد كل محاولة لنقل الصراع الفكري إلى قلب اشكالية الصراع السياسي العام و جعل المسألة الثقافية في صلب الحياة الداخلية للحزب. لقد انصب كل الجهد على الصراع من أجل السلطة فخاض اليسار الحزبي الكثير، إن لم نقل كل صراعه السياسي بفكر محافظ و تقليدي يتستر جيدا خلف الشعار السياسي القوي.هل كانت له مبررات حقيقية و مقبولة في ذلك أم لا؟ سؤال بحاجة إلى إجابة و لما لا يحتاج إلى إجابات .