4 . قد يعثر منطق الخطاطة النظرية الذي تحدثنا عنه سابقا، في عودة الحزب، بمناسبة مؤتمره الوطني الثامن، إلى طرح مطلب الاستعجال الدستوري، على غير قليل من الاتساق والتناغم والاخضرار . فيكون مطلب «الملكية الدستورية « مؤشرا على انعطافة مستجدة صوب اليسار تعقب سابقتها اليمينية بعد 1998 ، وتكون المعارضة هي حصان هذه الانعطافة ..ويكون اليسار كله هو الفارس ..وهلم شعبية وجماهيرية..فيكون على الحزب وفق هذه الخطاطة أن يعيد الحياة لتنظيرات محمد عابد الجابري حول مشروع اليسار الدستوري وأن يطلق المشروع الحداثي( اليميني الليبرالي الذي يمثله عبد الله العروي ) الذي كان قد تزوجه بعد التوافق عام 1998 ، فيعلن ندمه على هذا الزواج..وتبرأه من تجربة التوافق ككل ..( دعونا هنا فقط نتأمل لماذا يبدو المشروع الثقافي الثوري للعروي في السياسة يمينا ومحافظة ..والمشروع التوفيقي للجابري يسارا وراديكالية ..) والحال أن هذا المطلب( الملكية البرلمانية ) الذي يبدو أنه خرج من خيمة المؤتمر الثامن مائلا، أو متأرجحا بين عبارتي « في أفق « و « نحو « قد يطيح لا محالة..ليس لأن الإتحاد الاشتراكي ، اليوم ، دون قوة وبأس هذا المطلب ، كما يحلو لكثير من المحللين الجبناء أن يحرضوا( دعونا، أيضا، نقول أن قيمة وأهمية الحزب تنبعان من تاريخه..ورسوخه المجتمعي..وأفكاره القوية..لكن التمثيلية البشرية هي عطبه، كما كل الأحزاب..،بل وعطب السياسة البليغ في مغرب اليوم ..عدا أن الحزب أمسى منافسا بقوى تقليدانية مؤثرة و من خارج الدولة ..) ولكن لأن الظروف المغربية : الدستورية والسياسية والمجتمعية لا تستوجب أي استلاب أو عبادة شعاراتية مستحدثة « للجملة الثورية « ، كما بتوصيف محمد الحبيب طالب . « فالدستور كما هو عليه الحال، قادر على تنظيم انقلاب ... والممارسات تفرز أفقا يمكن من خلاله قراءة النصوص وليس تغييرها.. » كما يقول محمد الطوزي . هذا الكلام لا يهب للنص الدستوري الحالي تهليلا أو تمجيدا مطلقا، وإنما يشير أو يضمر الإشارة إلى دور وأثر الممارسة السياسية في قراءة وتأويل النصوص عوض تغييرها..أو في قراءتها في أفق تغييرها ..وفي الحالين معا ، فإن الشرط المغربي الحالي يستوجب الخطو البطيء والمتدرج، لكن الثابت صوب هذا الأفق..فمشهدنا الحزبي ، بتشظيه وتشتته وتضاربه وتكلسه ومحدودية تمثيليته المجتمعية ، لا يقنع ( بضم الياء ) أو لا يقدر على خوض غمار التغيير.بديهي ، هنا ، التذكير بلازمة حاجة التمنيع الديمقراطي إلى أحزاب ديمقراطية وقوية ومتوافقة حول النظام الدستوري .. يحسب للإتحاد الاشتراكي ، اليوم ، فضل إعادة واستئناف الحديث عن الملكية البرلمانية . إنما يجب الاعتراف، أيضا، بأن لهذا الحديث سياق طارئ..ابتدأ مع التراجع الملحوظ للحزب في الانتخابات التشريعية لشتنبر 2007 وتكرس مع جنوح المكتب السياسي إلى « القيادة الجماعية « وتعمق مع المال المتأزم والمتوتر للمؤتمر الوطني الثامن الذي استوجب شوطين .. أستطيع أن أجزم ، مرة أخرى ، بأن هذا الخطاب الحزبي الدستوري المستأنف ما كان سيظهر ، أو على الأقل بهذا البنط العريض، لو حافظ الحزب على صدارته الانتخابية..أعلم أن « لو « هذه لا مكان لها في التاريخ..إنما كان الحزب مجبرا ، بعد أن جرى ما جرى ، وهو القائد الرائد لتجربة التناوب التوافقي ، أن يأخذ - وهو يضمن (بضم الياء وتشديد الميم) المطلب المستعجل للملكية البرلمانية في أرضيته السياسية - بنقد مزدوج : نقد تجربة الانتقال الديمقراطي (الأزمة الموضوعية ) ونقد صيرورة الحزب خلال هذه التجربة (الأزمة الذاتية ) . إن الحزب وهو يشدد على أن هذا المطلب لا « يعني التأزيم «، أو» صراع الماضي «، أو» منطق القطيعة «، أو» منطق تقليص السلط أو توسيعها «، وإنما يعني « فصل وتوازن السلط « ، مطالب هو ذاته ، حيال هذا المطلب وشروطه وموجباته وتبعاته،، بالتناغم السياسي ، والانسجام الرؤيوي ، والوضوح البلاغي ( من البلاغة ) هذا أولا . ولكم هو شاق وعسير، موضوعيا، هذا المطلب الذاتي. إنما ليس مستحيلا على هذا الحزب .. أما ثانيا، فهو مطالب بتوسيع دائرة التحالف و التكتل البين حزبي. ولئن افترضنا أن أطياف اليسار المعارض مستجيبة معه وزيادة..لمطلب الملكية البرلمانية ، فإن العقبة الكأداء هي في الطرفين الأخريين للكتلة الديمقراطية : حزب الاستقلال بدرجة أكبر ، والتقدم والاشتراكية بدرجة ربما أقل .. هذا ،دون الحديث عن باقي الأطراف السياسية.. وليس مقبولا ولا صحيحا هنا، اعتبار / اتهام كل رأي/ موقف غير مستعجل، الآن هنا، حتى وإن كان متبنيا أو متفهما لمطلب الملكية البرلمانية، أو مخفوض السقف الإصلاحي، « متحايلا «...» خائفا من الظل! «...فلما لا يمكن بالمقابل، القول أن الخوف على الظل..ما يزال هاجسا خلفيا صادقا في الغيرة على الكيان المغربي مستقرا موحدا ساعيا إلى الإصلاح ؟ نطرح هذا التساؤل ، وفي البال ذهنية مغربية سائدة لا تريد أن تكون حديثة (كما بإفادة عبد الله العروي ) ، ووعي شعبي مدني سياسي حزبي فقير ومحدود ..ولوبيات عقارية زبونية نافذة الفساد والإفساد .. إنما بإزاء الملك..نجد الالتفاف الشعبي والنخبوي والحزبي بالعرامة والإجماع ..فمن ضمن الأحزاب المؤثرة والجادة في طلب الإصلاح السياسي والدستوري يتحاشى ضرورة التوافق مع الملك ؟؟ أو « ترسيخ قيم الديمقراطية والحرية والمسؤولية في انسجام تام مع ما يدعو إليه جلالة الملك منذ بداية عهده... « كما جاء في بلاغ ا لمكتب السياسي (جريدة الإتحاد الاشتراكي عدد 9057 ليوم 26/12/2008 . )قبل ذلك وبعده ،من غير الملك كان وما يزال قادرا على فرض إصلاحات هيكلية قوية بخصوص أوضاع الأسرة والمرأة ، مثلا ؟ لقد رأينا كيف يخفض دعاة التقليد صوتهم أو يخرصون لما يتكلم الملك ..والملك يتكلم قليلا ، ويعمل كثيرا، ويتوق إلى الإصلاح المؤسساتي والدستوري، لنشر ، هنا ، إلى توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة ، والتقرير الخمسينية ، ومقولة «الملكية المواطنة»، إنما في شروط حزبية وسياسية وثقافية أخرى يكون المغرب فيها منيعا ، نائيا عن الإرتكاس والانتكاس والفرقة ..هذه الشروط هي ما يجب ترسيخه وتقويته باستعجال..أما قبل الإصلاح الدستوري المأمول أو بعده..فليس، في نظرنا، هو الإشكال.. إنه بالنظر لما أصبح يثيره موضوع الودائع من جدل، يزداد بازدياد الحالات المحدودة التي يتم فيها التصرف أو الاحتفاظ بغير حق بهذه الودائع، بلغت لحد الطعن في الجسم المهني برمته،5 فإن المحامين أنفسهم، و خلافا لمعارضتهم السابقة، تبنوا التفكير الجدي في إيجاد حلول ناجعة تحافظ للمهنة على كرامتها و مصداقيتها و تمنح للموكلين ضمانات أكبر لحماية مصالحهم، بل وتحمي المحامي ذاته من كل المغريات التي قد يكون لها عواقب غير محمودة عليه و على المهنة. و انطلاقا من التجارب التي سارت عليها أغلب التشريعات المقارنة فقد أسفر الأمر عن اقتراح خلق جهاز يحمل اسم »حساب ودائع و أداءات المحامين« في إطار النظام القانوني للمؤسسات المهنية و بإشراف مباشر منها، يتكفل بمهمة حفظ ودائع الموكلين بشكل آمن ويوفر كل الضمانات. و منذ خروج المقترح المذكور لحيز الوجود، ثم تبنيه فيما بعد من طرف المشرع، فإنه أثار قريحة العديد من المحامين بين محبذ و ناقد. فإذا كانت الغالبية العظمى من المحامين تعتبر المقترح وسيلة إيجابية لدرء نقاط الضعف التي تؤثر على الممارسة المهنية من حيث التشكيك في مصداقية و تجرد المحامي، فإن هناك أصواتا أخرى انتقدت بشدة هذا التوجه و اعتبرت أن اقتراحه هو الذي يمس بتلك المصداقية و هذا التجرد. و إذا ما وقع غض الطرف عما تثيره شريحة صغيرة من المحامين بالنظر لمساس المقترح بمصالحها غير المشروعة، فإن المعارضين الآخرين يركزون رأيهم على عناصر مبدئية. و هكذا فإن هؤلاء المنتقدون يصرحون بكون المشرع كلف المحامي بالترافع نيابة عن الأطراف و مؤازرتهم و الدفاع عنهم و تمثيلهم أمام محاكم المملكة و المؤسسات القضائية و التأديبية لإدارات الدولة و الجماعات و المؤسسات العمومية و الهيآت المهنية.. و تقديم كل عرض أو قبوله، و إعلان كل إقرار أو رضى و رفع اليد عن كل حجز و القيام بصفة عامة بكل الأعمال لفائدة موكله و لو كانت اعترافا بحق أو تنازلا عنه.6 و يستمر أصحاب نفس الرأي في التأكيد على أن الثقة اللامتناهية التي وضعها المشرع بمقتضى القانون المنظم للمهنة في المحامي، من بداية المسطرة القضائية إلى نهايتها، ستتوقف مباشرة بمجرد أن يصل الملف لمرحلة التنفيذ وقبض منتوج العمل، الذي يدوم في بعض الأحيان لعدة سنوات، فترتفع الثقة و تستبدل بجحود مطلق وطعن مفترض في ذمة المحامي الذي توضع أمامه علامات المنع لبلوغه المحطة النهائية لمسيرة الثقة. و في رأينا المتواضع، و رغم ما تنطوي عليه وجهة النظر أعلاه من تحمس و تحيز للمشاعر المهنية لا يمكن إلا أن يقدر في أصحابها غيرتهم على مهنتهم، فإن الأمر ينبغي أن لا يأخذ من جانبه العاطفي المحض، بل بالبحث بكل هدوء و تعقل عن الصالح المهني واستبعاد كل ما من شأنه أن يشكل عائقا لممارسة المحامي لعمله دون أن يكون متأثرا بشبهات تخدش في سمعته، مع عدم التفريط في المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها المهنة. إن المهمة الأساسية للمحامي تتجلى بشكل جوهري في الدفاع عن مصالح موكله و عدم إهمال أي سبب مشروع يوصل لهذه الغاية، و السعي بكل الوسائل القانونية لتوصل الموكل بالحقوق التي أقرت له بها المحاكم. أما عملية قبض القيم و الأموال فإن الأمر يتعلق بمجرد إجراء مادي، قد يكون يمثل بالملموس النتيجة النهائية للعمل و الجهد المبذولين طيلة حقبة من الزمن، إلا أنه ينبغي ألا يؤخذ عدم القيام بعملية الأداء بين يدي المحامي على أنه طعن في أخلاقيات هذا الأخير أو بمثابة توجيه اتهام مسبق له بارتكاب محتمل لمخالفة مهنية. إن النتيجة الطبيعية التي يسعى إليها كل ذي حق عندما يلجأ للمحامي لمساعدته على التوصل به هي الحصول على الحق المذكور، و عندما يتعلق الأمر بأموال و قيم فأن يحصل عليها صاحب الحق من جهاز يخلقه المشرع للتكفل بهذه المهمة، ليس من شأنه أن يدخل أي خلل في علاقة المحامي بموكله، بل بالعكس فإن الإجراء المذكور يحصن هذه العلاقة لأنه يبعد عنها كل الشبهات و أسباب التشكيك، علما أن المقتضيات المقترحة لتنظيم »حساب ودائع و أداءات المحامين« تحتوي على نصوص تضمن للمحامي الحقوق التي قد تكون له على المبالغ المستحقة له في الأموال المودعة بهذا الحساب، بشكل يوفر ضمانات أكبر من تلك التي كان معمولا بها قبل صدور القانون 28.08. و بذلك ستكون هذه المؤسسة المهنية حارسة للأموال المودعة لديها، و تتجلى التزامات هذه الحراسة في المراقبة القبلية و البعدية للودائع و طرق صرفها بواسطة الصندوق. و ما أتمنى شخصيا من الزملاء هو أن يعتبروا الجهاز الجديد شريكا يرفع عنهم كل الإحراجات المرتبطة بمعاملاتهم المالية مع الموكلين، و محاور مفيد لهم لتجاوز الصعوبات التي تعترضهم في هذا الإطار وليس منظومة للمراقبة. و حتى عندما يتعلق الأمر بعنصر المراقبة فإنه لا ينبغي أخذه من جانبه القدحي، كما هو معمول به عادة داخل المؤسسات الرسمية للدولة حيث لا تتحرك فرق المراقبة إلا عند وقوع مساس بالمال العام، مما جعل المجتمع يعتبر المراقبة مرادفا لحصول سرقات أو تحويلات مبهمة للأموال. إن المراقبة التي ينبغي الأخذ بها في الإطار المهني ترتكز على تطبيق مبدأ الشفافية المطلقة على التعاملات المالية للمحامي سواء إزاء الموكل أو إزاء المؤسسات المهنية، و هو ما ينتج عنه حتما الاطمئنان على مصالح الموكلين من جهة، و من جهة أخرى تؤدي تلك المراقبة إلى إبعاد المحامي عن كل سلوك غير محمود و من تم حفاظه على قوته و شجاعته و قدرته على مجابهة أي كان في نطاق المشروعية و القانون، و أخيرا سد أفواه الأبواق التي ما فتئت تنهش في الجسد المهني. 1- فتحت المسطرة الجنائية الجديدة ثغرة صغيرة بتمكين المحامي من الحضور لدى الضابطة القضائية، و إن كان ذلك لا يتناسب مع طموحات المحامين، إلا أنه يشكل بداية مشوار من المأمول أن يتطور مستقبلا للقيام بدور الدفاع والمؤازرة و ليس لعب دور مجرد شاهد على التعامل مع الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية في حالة تمديدها. 2- مرسوم ملكي رقم 816.65 بتاريخ 19 دجنبر 1968 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين و مزاولة مهنة المحاماة. 3- ظهير شريف رقم 1.79.306 صادر بتاريخ 9 نونبر 1979 يتضمن الأمر بتنفيذ القانون رقم 19.79 الذي تنظم بموجبه نقابات المحامين و مزاولة مهنة المحاماة. 4- تنص الفقرة الثانية من الفصل 6 على ما يلي : »غير أنه إذا كان المستفيد قاصرا يتيما يتعين على المحامي عند قبض ما يجب قبضه نيابة عن هذا القاصر أن يقدم ملفه إلى النقيب قصد تقدير الأتعاب و المصاريف التي يمكن أن يستخلصها مما قبضه، و يجب على المحامي أن يدفع الباقي إلى القاضي المكلف بشؤون القاصرين في أجل شهر من يوم القبض، و في حالة عدم قبول هذا التقدير من طرف المحامي أو موكله تتبع مسطرة الطعن في تقدير الأتعاب.« 5- أصبح تدخل المؤسسات المهنية لمختلف الهيئات يتم بشكل مكثف كلما تطلب الأمر هذا التدخل، كما تدل عليه مختلف القرارات التأديبية التي يتعلق جلها بميدان الودائع. 6- المادة 28 من الظهير الشريف رقم 162-93-1 صادر في 22 من ربيع الأول 1414 (10 سبتمبر 1993) معتبر بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة.