كادت بعض المواجهات التي تحصل بمناسبة التضامن الشعبي المغربي مع الأشقاء الفلسطينيين في غزة أن تغطي على الحدث وطنيا، سواء عن قصد أو دون قصد. ومن ذلك، الخبر بوفاة طالب أثناء تظاهرات تضامنية بمراكش والصور التي وردت على المنابر الإعلامية من فاس على وجه الخصوص، حيث ذكرت العديد من المواطنين بمشاهد الغضب الطلابي التلاميذي في سنوات «النزول إلى الشارع». طبعا هناك فارق كبير للغاية، سواء في طبيعة الصور والمواجهة أو في درجة العنف، ولا يمكن أن نقول بأن الحاضر نسخة طبق الأصل للماضي، لكن بعض النوع من السلوك اللامسؤول يغيب عنه عمق الرسالة التي يحملها التضامن. الذين يرون في كل تجمع تلاميذي أو شعبي سببا كافيا لامتشاق العصا، هم في الواقع قلة اليوم، لكنهم قد يحيلون على مخاوف قديمة. والحال أنه لا يمكن أن تصنع عواطف جديدة وإدارة جديدة بمخاوف قديمة. لنتفق منذ البداية: ليس المغاربة في حاجة الى التذكير بأن النبل الأكبر للمسيرات الشعبية المتضامنة يكمن في سلميتها، وفي الأجواء الناضجة التي تمر فيها. لأنه لاشيء يعلمنا أحسن من الألم كيف نكون أنيقين في التضامن، أنيقين في التعبير، عميقين في الحزن. وكل تعبير ليس بالضرورة قبضات في الهواء وتشنج، وليس بالضرورة تعويض العدو بعدو محلي، قابل للتجسيد . لن يقبل أي كان منا أن يموت مغربي لأنه تظاهر، كما لن يقبل أي مغربي بأن تكون مناسبة التضامن فرصة لتأجيج العواطف وتحريفها حتى تصير ضد البلاد. عندما نتظاهر اليوم، فإن هناك دما عربيا وإنسانيا يسفح، وليس لكي نواجه قوات الأمن، وعندما يخرج الشباب والنساء والشيوخ إلى الشارع، فإن ذلك ليس لتهديد الأمن الداخلي أو ترعيب الفضاء العام، بل لأن هناك حاجة ماسة للتنديد بالرعب وبالهمجية وبالوحشية الإسرائيلية. علينا أن نتذكر دوما بأن الشارع العام، عندما يكون مؤطرا بالأفكار النبيلة، يكون مدرسة لتعلم الوطنية والانحياز إلى الحق، والتمرن على الانشغال بقضايا الإنسان. وتلك مقدمة المواطنة الحقة. إن الألم، في الكثير من حالات الغضب الإنسانية يكون عتبة للسمو الأخلاقي، والنضج المدني. هنا في الشارع العام تعلمنا أول أبجديات السياسة قبل أن تقود الكثير منا إلى المقرات،....ثم الزنازن، ثم العودة إلى الفضاء الوطني العام. والعواطف الناضجة تسمو بالرسالات السياسية. لنتفق مرة أخرى أن موقف الدولة المغربية قائم الآن على التضامن مع الشعب الفلسطيني في غزة، وهو ما يجعل التعبير جزءا من حماية الفضاء العام، وحماية هذا التماسك المغربي حول القضية الفلسطينية. لقد كان جزء من النخبة دائما أمميا، في الكثير من المراحل، بكل الأمميات الشهيرة، أممية حمراء أو خضراء أو حتى بنية، لكن النخب التي «عربتها» القضية الفلسطينية هي التي أعطت أنبل الشهداء وأنبل الوطنيين للبلاد. ولا يمكن أن نضيع اليوم في التوصيف الهجين لما يحدث كما لو أننا جزء من العبث العربي البارد، الذي يقسم الفلسطينيين إلى خونة وشهداء. سيكون الشعب المغربي يوم الأحد أمام لحظة لصناعة صورة رائعة، كبيرة بحجم الخارطة الوطنية، يجب أن نكون في مستوى العواطف التي نحملها لكل الشهداء في فلسطين. تلك رسالتنا الدائمة.