حين يقول والي الدارالبيضاء خلال اللقاء التواصلي حول السير والتنقلات يوم 12 نونبر 2008، إن كلفة النقل بالنسبة للبيضاويين تفوق 15 مليار درهم سنويا، حسب تقديرات السنوات الأربع الأخيرة، وأن سكان الدارالبيضاء يتنقلون بمعدل ثلاث مرات في اليوم، فذلك يعني أن مجموع التنقلات بالمدينة يساوي 10 ملايين تنقل يوميا، لا تغطي منها وسائل النقل العمومية سوى 14 %. حين تقول شركة نقل المدينة، كما أوردت ذلك النشرة الإحصائية السنوية للجهة، بأن عدد الزبناء المستفيدين من خدمات أسطولها البالغ وفق ذات المصدر، حوالي 629 حافلة، وصل ك «تنقلات» إلى 121584460 حركة تنقل، تصل حصة أصحاب الامتياز في جانب مواز لها، إلى حوالي الثلث خلال سنة 2006، أدركنا مدى أهمية وخطورة قطاع النقل الجماعي الحضري بواسطة الحافلات في المشهد الاجتماعي، وحمولة مضاعفاته على باقي المجالات الاقتصادية والتجارية والتربوية بالدارالبيضاء، وهي وضعية على حساسية موقعها، لم تشأ إلا أن تؤسس كخدمات، لأزمة بنيوية وهيكلية استوطنت كعاهة مستدامة كل أطراف منظومة النقل الحضري بأسلوبيه العام والخاص. أزمة بمرجعيتها التاريخية، استدعت أخيراً، تدخل السلطات العليا، لوضع حد لفصل من المأساة ظل وعلى مدى سنوات، مجرد مشاريع وهمية وعناوين مستهلكة، يعرضها القائمون على إدارة تدبير شأن المدينة في المزاد العلني السياسوي المناسباتي، وذلك من خلال التوقيع على اتفاقية تمويل إنجاز الشطر الأول من «الترامواي». توريث الأزمة، كيف..؟ تجمع كل المعطيات على أن مؤشرات أزمة النقل الجماعي الحضري بواسطة الحافلات، نشأت وترعرعت ونضجت ومازالت مع وفي أحضان سلطة الوصاية (وزارة الداخلية)، وأداتها المنفذة، إدارة الشأن العام المحلي منذ تأسيس الوكالة سنة 1964 إلى حدود سنة 2004، حيث تم إخضاع المرفق الى نظام التدبير المفوض، لفائدة حافلات نقل المدينة. الوكالة وفي ظل تداخل الفاعلين الأساسيين (الجماعة الحضرية، الوزارة الوصية)، لم يخضع تدبيرها، كما تخلص إلى ذلك كل القراءات والمقاربات التحليلية، إلى برنامج استراتيجي قائم على قواعد التدرج، والبناء وإعادة البناء (الهيكلة)، تؤهل القطاع الى الارتقاء بالخدمات إلى مستوى تطلع وانتظارات السكان، جراء توسع المجال الترابي للمدينة، وتشتت المجاميع الاقتصادية الصناعية، والانتشار الواسع للمركبات التجارية والخدماتية والتربوية..، إلى جانب ارتفاع وتيرة التزايد السكاني. إذ أن الدارالبيضاء الكبرى، وحسب الإسقاطات السكانية الأخيرة (2006) لم يعد يفصل ساكنتها عن الأربعة ملايين نسمة، إلا مسافة قصيرة. وفي هذا السياق، يمكن أن نحدد مواطن أزمة إحدى كبريات الوكالات بالمغرب وإفريقيا في أربعة مظاهر، أولها، افتقاد تدبير شأن القطاع من قبل المتدخلين إلى برنامج استثماري طموح يكون بإمكانه تجاوز كافة مظاهر الخلل والاختلال المالي في ما يتعلق بالتجهيز ودعم البنية التحتية، وتأهيل الموارد البشرية. ثانيا، اعتماد سلطة الوصاية على المقاربة الأمنية في تدبير شؤون المرفق، وتقليص اختصاصات ومحدودية دور الفاعل المحلي، (المجموعة الحضرية/ مجلس المدينة)، إلى جانب افتقاد هذه الأخيرة لرؤية عالمة، وكذا مفاهيمية لمجال النقل الحضري العمومي بأبعاده الاجتماعية والاقتصادية، وكذا التنمية المحلية. ثالثا، عدم احترام أصحاب الامتياز الذين ولجوا مجال الاستغلال سنة 1985 لدفتر التحملات، حيث تحول بموجب هذا التجاوز أو «الشطط في استغلال الخدمة» القطاع الخاص، من قطاع متمم خدماتياً للوكالة، إلى قطاع منافس لها، وخاصة في الخطوط المصطلح عليها ب «الخطوط ذات المردودية» أو العوائد المالية، وذلك بمباركة السلطتين الادارية والمحلية. رابعاً، عدم التزام حكومة إدريس جطو بتنفيذ برنامجها الإنمائي للوكالة، كما تضمنه التصريح الحكومي، والذي كان بإمكانه حسب ما تضمنه الخطاب من إشارات إصلاحية عميقة، انتشال الوكالة من الوحل الذي «سقطت فيه» ضداً على إرادتها، إلا أن برنامج الوزير الأول السابق، لم يخرج في فلسفته عن دائرة النوايا لاغير.