الحديث عن النقل الحضري العمومي بالدارالبيضاء هو الحديث عن فشل فاضح في القطاع من حيث التدبير السيء وانعدام الشفافية المالية والدور السلبي الخطير لمجلس المدينة المستند على صمت سلطة الوصاية، فقبل تفويت الوكالة المستقلة للنقل الحضري لفائدة شركة ميدينابيس ونحن نسمع الحديث عن الأزمة، ومنذ تفويت الوكالة إلى مدينة بيس في سنة 2004 وإلى الآن ونحن نسمع ونبصر ونعيش الأزمة وسط حيرة وذهول كبيرين أمام السيولة النقدية والمداخيل المالية الكبيرة التي تعرفها حافلات مدينة بيس بجميع خطوطها من خلال تكديس المواطنين كالسردين وبدون احترام لأدميتهم ولا للقانون من حيث عدم احترام الحمولة الى الدرجة القصوى. ونحن نتحدث عن ذلك لاننسى أن الزيادات غير المشروعة في ثمن التذاكر انطلقت من السنة الأولى بخلاف العقد وتم التحايل على الزيادات الى أن وصلت الى أربعة دراهم في المتوسط بذريعة الزيادة في المحروقات، في الوقت الذي لم تتراجع فيه عن الزيادات بعد انخفاض سعر المحروقات وهذا في حد ذاته شيء خطير. وحسب بعض المصادر المسؤولة فإن مداخيل تكديس الحافلات بالبشر فروقات الزيادات اليومية كافية لأداء متأخرات جميع مستحقات الصناديق الاجتماعية للعمال التي كانت عالقة والاستثمار في مئات الحافلات الجديدة لتنمية أسطول النقل الحضري وذلك على امتداد ثلاث سنين فقط من أصل 6 سنوات، هذا بدون أي ضخ للأموال من ميزانية الجماعة الحضرية للدارالبيضاء أو من أي جهة أخرى. فإلى أين كانت تذهب الأموال ومن له المصلحة في عدم مراقبة ذلك. وحسب رأي أحد المطلعين فإن وضعية اسطول الحافلات بالوكالة المستقلة للنقل الحضري سنة 1990 كانت أحسن من وضعية شركة ميدينابيس التي أخلت بالتزاماتها ولم توفر حافلات جديدة ذات جودة بل يغلب على أسطولها حافلات الخردة المستوردة من عند الوكالة المستقلة للنقل الحضري بباريز فهناك ما بين 10 الى 20 حافلة تتوقف في اليوم بسبب الأعطاب هذا فضلا عن تلويث المدينة بالغازات السامة. كما أن شركة ميدينابيس لم تغط كافة الخطوط ولم تحترم شروط النقل الحضري الآدمي ويتجلى ذلك في عدم احترام للحمولة الى عدم اصلاح الكراسي والنوافذ وقلة النظافة وعدم احترام الوقت وغير ذلك. فهل سيظل الحال على ماهو عليه لمدة 15 سنة (من 2004 الى 2019) وهي المدة الموقع عليها في عقد التسيير المفوض، مع ضياع لمصالح السكان، وضياع للاموال العامة، وضياع لتنمية النقل الحضري العمومي بالمدينة. وعلى كل حال، سيظل مشكل النقل الحضري العمومي قائما، فإذا كان المعدل العالمي هوحافلة واحدة لكل (1000) ألف نسمة فإن الحال بمدينة الدار البيضاء مختلف حيث تصل فيه النسبة إلى ما بين 15 ألف و 16 ألف نسمة لكل حافلة، وهذا في خد ذاته وصمة عار على جبين القائمين على الشأن المحلي. مع العلم بأن بعض المبادرات السابقة منذ الثمانينيات ولو أنها كانت ارتجالية إلا أنها ساهمت نسبيا بشكل أو بآخر في التخفيف من حدة النقل الحضري العمومي (فتح المجال أمام القطاع الخاص منذ سنة 1985، الترخيص لسيارات الاجرة لملء الفراغ الناتج عن غياب الحافلات). وللحقيقة فإن ما يفوق 89 في المائة من مجموع وسائل النقل المستعملة ترجع الى الطاكسيات في مقابل أقل من 10 في المائة لحافلات الخواص وشركة مدينة بيس. ورغم أنه تم صرف أموال كبيرة في إنجاز دراسة حول المخطط الجهوي للتنقلات الحضرية من طرف جهة الدارالبيضاء (حوالي 26 مليون درهم) وظهور شركة (كازاترانسيور) فإن وضعية النقل الحضري العمومي بالدارالبيضاء تنحدر من سيء الى أسوأ. فالأموال تدخل وتخرج بدون علم أعضاء مجلس المدينة الذي هو السلطة صاحبة التفويض، أما مصلحة مراقبة التدبير المفوض والنقل العمومي بالجماعة الحضرية للدارالبيضاء فهي تراقب شيئا آخر غير ذلك. فالواقع والحالة هذه، ليس هناك أية اضافة لا كمية ولا نوعية في تفويت الخدمة العومية للنقل الحضري لفائدة مدينة بيس وللرأسمال الخاص، بل بالعكس أن الوكالة المستقلة للنقل الحضري سابقا لو كانت تتوفر على مراقبة مالية لصناديقها المثقوبة وبها تدبير مضبوط لكان الأمر أحسن بكثير من الواقع الحالي لمصلحة النقل الحضري العمومي بالدارالبيضاء. أما شركة »نقل الدارالبيضاء« التي تم إحداثها فلا يمكن لها أن تحل بأي حال من الاحوال مكان الجماعة الحضرية والسلطة المنتخبة مثل سائر الدول المتقدمة فيما يخص السهر على تدبير الخدمة العمومية للنقل الحضري العمومي. ونحن الآن نعيش وضعية جامدة: انحسار اسطول حافلات مدينة بيس، عدم فتح المجال بشكل أو بآخر أمام حافلات الخواص، عدم فسح المجال أمام الحافلات الصغيرة... فإلى متى ستظل الوضعية على ماهي عليه؟