بعد مجيء المجلس الجماعي السابق برئاسة عمدته الحالي ومسلسل التفويتات لبعض المرافق الجماعية الأساسية انطلق معه للتو كما انطلقت معه عملية منح بعض الصفقات لجهات ما. ولعل أهم مفارقة ميزت تلك المرحلة وذلك المسلسل هو حل الوكالة المستقلة للنقل الحضري وتعويضها بشركة نقل المدينة (M'dinabus)بمساهمين جدد محظوظين من ضمنهم الوكالة المستقلة للنقل الحضري بباريس، فنحن نضحي بوكالتنا التي هي من مكاسب الاستقلال والسيادة للمغرب المستقل، وهذا موضوع آخر. نعود إلى سياق الموضوع لنقول أنه بعد انطلاق شركة النقل العمومي الحضري الجديدة لم تضف مساهمة وكالة باريس أية قيمة استثمارية وتسييرية مضافة اللهم إلا على مستوى الشكل (شعار الشركة ورسمها اللون الموحد...) أما على مستوى الواقع فقد كانت الدارالبيضاء بمثابة مقبرة لخردة الحافلات المهترئة، واستنشقت رئة البيضاويين أدخنة تلك الحافلات المهترئة وثاني أكسيد الكاربون الذي تطلقه مداخنها إضافة الى الأعطاب الكثيرة التي كانت تصيب تلك الحافلات أثناء أوقات عملها، وأثرت بشكل سلبي كبير على تنقلات المواطنين من السكان ومعاناتهم من عدم احترام الحافلات لنظام الوقت إلى ملء الحافلات عن آخرها بالازدحام المفرط إلى توقفها المفاجئ بسبب الأعطاب الناتجة عن وضعية تلك الحافلات المهترئة. المهم أنه بعد حوالي 6 سنوات من انطلاق شركة النقل الحضري (مدينة بيس) مازالت الاختلالات التسييرية الأساسية على حالها (ليس هناك مراقبة محاسباتية وتسييرية لصيقة، ليس هناك استثمار في تطوير أسطول الحافلات ومواكبة النمو الديمغرافي والتوسع المجالي للمدينة، عدم تأدية الصناديق الاجتماعية للمستخدمين رغم اقتطاع مبالغها من المستخدمين من طرف الشركة، الحصول على أموال عامة من طرف الجماعة لإصلاح الحافلات المهترئة (كما هو مثبت في الحساب الإداري للجماعة)، استمرار العجز المالي بشكل غير مفهوم ووصوله الى عشرات الملايير وهو ما يطرح ألف علامة استفهام عن هذا العبث المالي بامتياز). فهل الوظيفة الاجتماعية الحساسة للنقل الجماعي الحضري تبرز كل هذا العبث وتجيز السكوت عنه مع العلم أن الموارد المالية والسيولة في تصاعد يومي مستمر منذ انطلاق الشركة الى الآن؛ فالركاب يتم شحنهم كما تشحن البضائع ويتم ملء الحافلات عن آخرها الى درجة أن الراكبين لايجدون أوكسجينا للتنفس، وأنه ليس هناك احترام للحمولة ولعدد الواقفين والجالسين بل هناك اعتداء صارخ على القانون وعلى الراكبين، وهذا المنظر هو ما تعرفه جل حافلات شركة (ميدينابيس) منذ انطلاقها الى الآن. وهناك أيضا الزيادات في أثمنة التذاكر منذ انطلاق الشركة بدعوى الزيادة في ثمن المحروقات، فعلى الرغم من أن الحكومة خفضت من سعر المحروقات فالشركة استمرت في تطبيق الزيادات، وهي لوحدها أموال ضخمة تقدر بعشرات الملايير. ونضيف الى ذلك أموال الإشهار والإعلانات على واجهات حافلات شركة مدينة بيس.. هذا في الوقت الذي ليس هناك أية تحملات مالية تهم البنية التحتية. فالشركة لاتدفع أي مقابل في استغلال المقرات والمستودعات وبعض التجهيزات، وأن التجارة ليست بكاسدة بل هي جد مربحة، ولايحتاج الأمر لإثبات ذلك الى أية مرافعات. وحسب مجموعة من المهنيين والمستخدمين فإن الأموال الضخمة المحصلة يوميا من تكديس الركاب على مستوى ولاية الدارالبيضاء كافية لوحدها لاصلاح الاختلالات المالية وإحداث فائض مالي كبير يمكن أن تستفيد منه خزينة الدولة والخزينة الجماعية، دون ذكر الباقي وعلى رأسه أموال الزيادات المحدثة في التذاكر بدون موجب حق. إن انسحاب أحد المساهمين المعنويين (فينانس كوم) ودخول صندوق الإيداع والتدبير الى جانب هوليدنيغ حدو/ البهجة والوكالة المستقلة للنقل الحضري بباريز مع تعديل طفيف في الحصص، هو ما جعلنا نتطرق الى الموضوع؛ خاصة وأن مساهمة صندوق الإيداع والتدبير أصبحت فعلية وتم ضخ 200 مليون درهم كمساهمة. وإذا كانت مساهمة صندوق الإيداع والتدبير سيخصص جزء منها لشراء حافلات كما تم الاعلان عن ذلك فهل هي حافلات جديدة أم مستعملة وماهي طبيعة مساهمة مختلف المساهمين في شركة ميدينا بيس؛ والأهم من ذلك هل هناك استراتيجية للاقلاع للخروج من النفق المظلم للنقل العمومي الجماعي، هيكلة واستثمارا وتطويرا للموارد البشرية؟ هل مصير النقل الحضري بالدارالبيضاء سيظل متروكا للعشوائية في التدبير والتسيير خاصة مع غياب مراقبة الجماعة الحضرية التي هي السلطة صاحبة التفويض عن تدبير وتسيير الشركة فالمصلحة الجماعية المكلفة بذلك عاجزة وليست لها المؤهلات ولا الآليات لإنجاز المراقبة، فضلا عن المصداقية. أما آن الأوان للتدبير والتسيير غير الطبيعيين أن يتوقفا بشركة ميدينا بيس خاصة وأن نظام الجهوية الموسعة الذي نادى به جلالة الملك أصبح قريبا ولايعقل أن تظل الخزينة العامة والخزينة الجماعية بعيدين عن الاستفادة المالية من ثمار قطاع النقل الجماعي المربح جدا، وترك أموال الركاب المركومين في ازدخام حافلات النقل العمومي الواقفين والمعذبين بدون أوكسجين ولاتستفيد منهم العملية التنموية لجهة الدارالبيضاء على الخصوص والمملكة عموما.