حين بدا الوضع المتردي للوكالة المستقلة للنقل الحضري بمدينة الدارالبيضاء، ظهرت شركات النقل الخاص وكأنها منقذ للمدينة، وطيلة أربع سنوات ظل السؤال يطرح نفسه، حول ما هي القيمة المضافة التي حملتها هذه الشركات للبيضاويين في ظل نشاطها المتدني. فشركة نقل المدينة أومدينة بيس يتهمها الكثيرون بعدم الالتزام بعهودها، إذ لم توفرحافلات ذات جودة، واكتفت باستيراد أسطولها المستعمل من باريس، وهو ما تسبب في عشرات حوادث السيرالمميتة، ورفضت نقل الطلبة إلى الجامعات والمعاهد، ولم تغط كل الخطوط الرابطة بين أنحاء المدينة، وحافلاتها تتجاوز أكثر من نقطة توقف في أوقات الذروة، خاصة بالمناطق التي تنفرد بخطوط النقل فيها، مثل سيدي مومن، والحي المحمدي، وسيدي البرنوصي في اتجاه وسط المدينة، وفرضت زيادتين في تسعيرة التذاكر خلال شهرين من التحاقها بالمدينة، وأجهزت على حقوق عمالها ومستخدميها وجعلتهم يخوضون إضرابات مستمرة... وشركات النقل الحضري الخاصة أيضا خرقت بعضا من البنود المتفق عليها، فهي تعتمد على أسطول مهتريء، وبعض حافلاتها لا تعمل إلا في الخطوط التي تدرعليها المداخيل، كما أصبح وصول المواطنين إلى مقرات عملهم مرهونا بمزاجية أصحاب هذه الحافلات، وأوضاع عمالها ليست بأحسن حال من حال عمال شركة نقل المدينة... ماذا بعد انتهاء عقدة التفويت تنتهي هذه السنة عقدة تفويت تدبير شؤون الوكالة المستقلة لشركات النقل الخاص (الشناوي والهناء وسوطروم وزناتة والرفاهية...)، وعلمت التجديد أن عمدة مدينة الدارالبيضاء محمد ساجد، قد سحب ترخيص مجموعة منها، فيما لم يتلقوا جوابا رسميا لحد الآن حول إمكانية تمديد العقدة مع مجلس المدينة، رغم مطالبة أرباب هاته الشركات منذ أسابيع بعقد لقاءات مع المسؤولين لمعرفة مآل أسطولهم. إلى ذلك تتضارب الآراء بين من يرى أن إجراءات ساجد تحمل ضمنيا رغبته في فرض شركة نقل المدينة كي تستولي على قطاع النقل بالدار البيضاء بدون منافس، ويتخوف مهنيون من تداعيات انسحاب شركات النقل الحضري الخاصة خلال 2009 بعد انتهاء آجال عقودها على حركة النقل بالمدينة، وفي السياق ذاته يشككون في إمكانية ملء شركة نقل المدينة لهذا الفراغ، ونتائجها بحسب المتتبعين رغم أن الاستثمارات التي باشرتها منذ فوزها بعقد التفويت، لم ترق إلى مستوى تطلعات المواطنين. وبين من يؤكد بأن عمدة المدينة لن يعيد نفس الخطأ الذي ارتكب في قطاعات أخرى بمنح التدبيرالمفوض لشركة واحدة، قد تتحول معه الدار البيضاء إلى رهينة يصعب معها التخلص من مضاعفاته. أي تدبير لشركة نقل المدينة ؟ تؤمن شركة نقل المدينة التي عهد إليها بتدبير شؤون النقل الحضري بالمدينة، بحسب مسؤوليها 70 في المائة من النقل عبر الحافلات بالعاصمة الاقتصادية، علما أنها لم تنجز سوى 700 مليون درهم من الغلاف الاستثماري، الذي قدر في الصفقة بمبلغ مليارو400 مليون درهم. وإلى ذلك يؤكد مستخدمون بشركة نقل المدينة إلى أن ما يعانيه المواطنون جراء تردي خدمات الشركة، يعود بالأساس إلى النقص الحاد في حظيرة حافلاتها خاصة مع موسم الدخول المدرسي، فالشركة تملك ما يعادل 700 حافلة 300 منها جديدة، وتنقل ما لا يقل عن 600 ألف شخص يوميا. وأكد المستخدمون أن مايناهز 5 في المائة من هذه الحافلات متوقفة بسبب الأعطاب وغياب الصيانة، وقدر مصدر مسؤول عدد الحافلات التي تتوقف بسبب الأعطاب ما بين 15 إلى 20 حافلة في اليوم، مضيفا أن مجمل ما تتوفر عليه الشركة من الحافلات الصالحة للاستعمال لا يتجاوز500 حافلة، من أصل 1200 حافلة كانت قد التزمت بتوفيرها في عقد تدبيرها لهذا القطاع. وقد عمدت شركة نقل المدينة التي تشغل 4320 أجيرا، إلى توقيف أزيد من 50 عاملا و6 أعضاء من مكتب نقابي منذ أزيد من شهر، وأرجع عمال متضررون قرار توقيفهم عن العمل بالأساس إلى التضييق على حرية ممارسة حقهم النقابي، بعدما احتجوا على ما وصفوه ب التعسفات التي تمارسها إدارة شركة نقل المدينة في حقهم، مشيرين إلى أن الشركة تقتطع من أجورهم بدون مبرر. وأكد عمال أن البنيات التحتية لمراكزالحافلات لا تستجيب لشروط العمل، وأشاروا في السياق ذاته إلى أن مستودعي سيدي البرنوصي والقدس التابعين للشركة يفتقران إلى أبسط التجهيزات الضرورية، ومنها دورة المياه. المخطط الجهوي للنقل بعد الإضرابات المتتالية للعاملين في قطاع النقل الحضري وتدهور الخدمات، وتعدد الفاعلين وتنوع أشكال التنقلات التي تتطور في مجال يتعدى تراب الجماعة الواحدة، بسبب عجز في النقل العمومي الحضري؛ بدا للمسؤولين بجهة الدار البيضاء ضرورة تسيير وتنظيم وتخطيط هذا القطاع بالنفوذ الترابي للمدينة، بتنفيذ توصيات مشروع المخطط الجهوي للتنقلات الحضرية، وهو عبارة عن دراسة لم تتم بعد، تكلف بها مكتب الدراسات(بيكوم) وكانت مدتها 24 شهرا، واستثمر فيها مبلغ 26 مليون درهم. ومن خلالها خرجت توصيات من ضمنها إحداث سلطة مستقلة منظمة للنقل سيعين مدير عام لها في أقرب الآجال، وكان رئيس مجلس جهة الدار البيضاء قد أكد أن نتائجها متوفرة، وأن دورالسلطة يتمثل في محاولتها تطبيق وتنفيذ التوصيات المتعلقة بنتائج الدراسات التي خرجت بها المؤسسة المكلفة بالدراسة. وسيعهد إلى هذه المؤسسة مراقبة الفاعلين في قطاع النقل العمومي الحضري وتتبع تنفيذ الخدمة، ومعاينة مدى احترام التنظيم المعمول به ومقتضيات عقود الاستغلال والتسيير. وأفاد رئيس الجهة شفيق بن كيران أن السلطة هي جهاز للدراسات والتتبع أكثر ما هي للتنفيذ والانجاز، وهو الفرق بين السلطة والشركة التي ستتكلف بالانجاز، وقد حدد رأسمالها في 120 مليون درهم، تقسم بشكل متساوي بين الدولة والجماعات المحلية ومؤسسات أخرى مؤسسة الحسن الثاني وصندوق الايداع والتدبير وأبناك. واعتبر مهنيون في القطاع أن هذه المبادرة تؤشر على عدم الارتياح لتدبيرمجلس المدينة لهذا القطاع. وفي السياق ذاته أوضح متدخلون في دورة مجلس الجهة أن الوضع الحالي يفرض تشخيص أزمة النقل الحضري في الدارالبيضاء بشكل موضوعي، وإلى ذلك تساءل بوشعيب حبيذ مستشار جهوي عن الفائدة من إحداث هذه السلطة، وقال أن اختصاصها سيكون هو الدراسات أكثر من أنها سلطة تنفيذية، بمعنى أنها ليست للتنفيذ بل ستكتفي بالتخطيط فقط، مشددا بأنها لن تكون إلا أداة ستعرقل إصلاح النقل، وقال حبيذ : حين نتحدث عن النقل بالدار البيضاء أوضواحيها فنحن نتكلم عن مأساة حقيقية لأنه يشكل أزمة كبيرة، وأضاف متسائلا هل يمكن من خلال التركيبة المكونة للسلطة التغلب على هذه الأزمة، إن إحداثها يعتبر مضيعة للوقت وهدرا للمال العام سواء بالنسبة للجهة أو المدينة...اليوم نحدث سلطة وإذا لم تحقق شيئا نستبدلها بسلطة أخرى. ومن جهته شبه عبد الرزاق أيت بناصرمستشار جهوي مخطط التنقلات الحضرية بوضع العربة قبل الفرس، وقال: وذلك لا يمكن أن يساهم في تقديم وتطوير هذه المؤسسة.