مجلس المستشارين يعقد جلسة عامة لمناقشة عرض السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات    شركة الطيران تطلق خطين جويين جديدين نحو المغرب الاقتصاد والمال    بنك المغرب…75 في المائة من أرباب المقاولات يعتبرون الولوج إلى التمويل "عاديا"    ريال مدريد يحجز بطاقته لنصف نهاية كأس ملك إسبانيا على حساب ليغانيس (ملخص)    توقيف ثلاثة أشخاص بالناظور للاشتباه في تورطهم بالتهريب الدولي للمخدرات    ل"محاصرة بوحمرون".. الحكومة تتخذ إجراءات جديدة هذه تفاصيلها    وزير الداخلية الإسباني يكشف مستجدات فتح الجمارك في سبتة ومليلية    إنتاجات جديدة تهتم بالموروث الثقافي المغربي.. القناة الأولى تقدم برمجة استثنائية في رمضان (صور)    نورا فتحي بخطى ثابتة نحو العالمية    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الحكومة تكشف نسبة المشاركة في الإضراب العام    رونالدو يطفئ شمعته الأربعين..ماذا عن فكرة الاعتزال؟    اخشيشين يؤكد دور الدبلوماسية البرلمانية في توطيد التعاون بين الدول الإفريقية المنتمية للفضاء الأطلسي    افتتاح معرض اليوتيس 2025 بأكادير    إشاعة إلغاء عيد الأضحى تخفض أسعار الأغنام    بدر هاي يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل اعتقاله    "جواز الشباب" يخدم شراء السكن    السلطات تمنع جماهير اتحاد طنجة من التنقل إلى القنيطرة لدواعٍ أمنية    البرازيلي مارسيلو يعتزل كرة القدم بعد مسار حافل    اتفاقية جديدة تمنح تخفيضات للشباب لشراء السكن من "العمران" في مدن الشمال    قيوح يشدد على مصالح وزارته بضرورة تعزيز الشفافية وتسريع معالجة الشكايات    عجلة الدوري الاحترافي تعود للدوران بمواجهات قوية لا تقبل القسمة على اثنين    برامج رمضان على "الأولى": عرض استثنائي وإنتاجات درامية وكوميدية بحلة جديدة    منتدى "النكسوس" يقترح حلولا مبتكرة لتحديات التغير المناخي    استعداداً لحملة ضد "بوحمرون".. وزراة الصحة بتنسيق مع وزارة التربية الوطنية تطلب من أولياء التلميذ الموافقة على الاطلاع على الدفاتر الصحية لأبنائهم    بعد عام من القضايا المتبادلة.. شيرين عبد الوهاب تنتصر على روتانا    6 أفلام مغربية تستفيد من دعم قطري    وزير الدفاع الأمريكي: إسرائيل أوثق حليف للولايات المتحدة    مرصد أوروبي يكشف أن "يناير" الماضي الأعلى حرارة على الإطلاق    ألباريس: إسبانيا ترفض استقبال فلسطينيين في حال تهجيرهم من غزة    عضو في الكونغريس الأمريكي يضغط على قيس سعيّد ويقترح قانونًا لمعاقبة نظامه    تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    مواجهات عنيفة بين الجيش الجزائري وعصابة البوليساريو بتندوف (فيديو)    تفاصيل المصادقة على اتفاقية لتهيئة حديقة عين السبع    مصدر خاص ل"الأول": "طاقم تونسي لمساعدة الشابي في تدريب الرجاء"    العيون تحتضن المؤتمر العربي الأول حول السياسات العمومية والحكامة الترابية يومي 7 و8 فبراير الجاري    المغرب يعزز قدراته الدفاعية بتسلم طائرات "بيرقدار أكينجي" التركية المتطورة    كيوسك الخميس | إسبانيا تمنح تصاريح إقامة لأزيد من 11.500 عاملة مغربية    المغرب يحقق رقماً قياسياً في توافد السياح خلال يناير 2025    معرض للفن الإفريقي المعاصر يحول مراكش إلى وجهة فنية    إنتاج التمور في الدول العربية.. ما مدى تقدم المغرب في الإنتاج والجودة؟    فيديو: توافد المئات من المعتمرين والحجاج على معهد باستور بالدار البيضاء للتلقيح ضد التهاب السحايا    "قناة بنما" تكذب الخارجية الأمريكية    وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بالتخطيط ل"هجرة طوعية" من غزة بعد مقترح ترامب للسيطرة على القطاع    شرطة ألمانيا تتجنب "هجوم طعن"    أستاذ مغربي في مجال الذكاء الاصطناعي يتويج بجامعة نيويورك    كأس انجلترا: نيوكاسل يؤكد تفوقه على أرسنال ويتأهل للمباراة النهائية    7 أطعمة غنية بالعناصر الغذائية للحصول على قلب صحي    اجتماع موسع بعمالة إقليم الجديدة لتتبع تموين الأسواق والأسعار (بلاغ)    عقبات تواجه "مشروع ترامب" بشأن غزة.. التمسك بالأرض ومعارضة العرب    تأجيل أم إلغاء حفل حجيب بطنجة؟ والشركة المنظمة تواجه اتهامات بالنصب    أجراس الحداثة البعدية في مواجهة منابر الحداثة    الرباط.. العرض ما قبل الأول لفيلم "الوصايا" لسناء عكرود    جامعة شيكاغو تحتضن شيخ الزاوية الكركرية    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«وجوه وأمكنة» حسن نرايس.. بين الأنا و الآخر
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 27 - 12 - 2024

لا يمكن أن تكتب عن كتاب حسن نرايس «الحي المحمدي – وجوه وأمكنة» دون أن تتوقف احتراما وإجلالا لذاكرة الحي المحمدي، وما أدراك ما الحي المحمدي. فمعرفتي المتواضعة بشخص حسن الكاتب والصحفي والناقد والمسرحي والإنسان لا تنفصل عن فضاء الحي جملة وتفصيلا، فهو ملتصق بالمكان كما المكان ملتصق به. كلاهما يمثل بنية واحدة لعالم متعدد الثقافات ، متعدد الأوجه ..متعدد الذكريات…فحسن لغة الحي في أمكنة وأزمنة أخرى يروي عن نفسه بلغة الحي وعن الحي بلغة الحب الذي يستوطنه منذ أن انبثقت زهرته في أجواء الحي الملونة بألوان الشعر والغناء والمسرح، والتشكيل وفن الإصغاء والحديث ..
لا يمكن وأنت تحمل كتابا بين يديك يؤرخ للذاكرة ..إلا أن تستعد في مغامرة الولوج عبر بوابة الزمن إلى ماضي الحي بكل أناسه من رجال ونساء كتبوا عنوانا بارزا في تاريخ المغرب، وخلدوا أسماءهم على درب الفعل النضالي والثقافي والفني والأدبي والسياسي والرياضي ..
كتاب حسن نرايس أرّخ ووثّق ووشم على مجد اللحظة، ومجّد المكان ومجّد أسماء بارزة في عالم الحي المحمدي.
هذا الحي ليس فقط أحد الأحياء العريقة في مدينة الدار البيضاء فحسب، بل يُعتبر من أقدم الأحياء السكنية في العاصمة الاقتصادية، وله مكانة تاريخية وثقافية مميزة.
لقد كان الحي مركزًا مهمًا للحركة الوطنية المغربية خلال فترة الحماية (1912-1956). كان موطنًا للطبقة العاملة التي عانت من الفقر والتهميش، ما جعله أرضًا خصبة لنشوء وعي وطني مقاوم من خلال المظاهرات أو العمليات السرية ضد المستعمر ، مما جعله يحمل رمزية خاصة في الذاكرة المغربية.
الإصدار الجديد للكاتب والناقد السينمائي المغربي حسن نرايس وضع له عنوانا يحمل الكثير من التأويلات العميقة الموقعة بجرح الماضي وصرخة الوقائع والأحداث والشخصيات، وحنين العودة لدفء المكان، وأحاديث مستلهمة مفعمة بالمشاعر الصادقة .
«الحي المحمدي: وجوهٌ وأمكنة» كتاب يربط الماضي بالحاضر ويخلق جسرا لمستقبل الأجيال اللاحقة لمعرفة رمزية عنوان الكتاب والكاتب على حد سواء ، ورمزية المكان وأسطرة أسماء بصمت بقوة في فترات مهمة من تاريخ بلد بأكمله .
يتناول نرايس ابن السي مبارك نرايس القادم من منطقة ثلاث الأخصاص في رحلة السيد الوالد إلى البيضاء، وتحديدا بكريان سنطرال حيث استقر بدرب مولاي الشريف وكان عنصرا فعالا في المقاومة والنضال أثناء الاستعمار الغاشم .
من خلال رحلة السيد الوالد الخصاصي والعديد من المحكيات والبورتريهات، نجوب دوريات «الحي المحمدي» الشهير في مدينة الدار البيضاء، هذا الحي الذي اشتهر بكونه مستنبتا إبداعيا ورياضيا وسياسيا في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي .
في الكتاب حياة أناس رسموا بصبرهم واجتهادهم وقدرتهم على التحدي لوحات فنية بأبعاد إنسانية ..بين كل شخصية وشخصية شخوص أخرى يتحدث عنها حسن بصيغة الجمع ، فيحكي عن فعل التواجد في فضاءات التصقت بذاكرته وبذاكرة كل من يعرف عن قرب ويعيش في أحضان الحي المحمدي ..شخوص ملهمة ، مؤثرة ، مفعمة بروح المغامرة، شخوص صنعت تاريخها وحولت كل من حولها إلى لغة يومية تتداولها وسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية ، شخوص فاض ما بداخلها وأخرجت رحيق عصارتها بين حلبة وخشبة وكتاب ولحن وزعامة ..شخوص ترسخت كنوع من الإثارة و انتفضت كشخصيّات ملحمية، قوية مسلحة بإيمان التغيير والتجديد والتميز، إنها تشبه شخصية كاتبها. فحسن نرايس نفسه واحد من الذين انتفضوا وحلقوا بعيدا من درب مولاي الشريف إلى صفوف السوربون ومن كيرا إلى خير الدين، ومن ناس الغيوان وجيل جيلالة ولمشاهب إلى عوالم بريل وأزنافور وبياف من سينما السعادة الى الاديون ..من أزقة الحي الضيقة إلى رحابة مونبارناس ومومارت..هو نفسه مثال حي للتغيير والمعرفة و كسب المزيد من ثقافات الآخرين ..هو المتشبع بروح بلد اسمه المغرب يحمله بداخله أينما رحل وارتحل ، هو يحكي كما يحكي والده الخصاصي ..يحكي عن كل الذين يعرفهم ..عاشرهم ..التقى بهم ..وما أكثرهم ..
هنا في كتاب الوجوه سافر بنا بمعية عينة من أسماء فاعلة ، كل في مجال تخصصه يوحدهم فضاء شاسع وأمكنة مختلفة تتواجد في دائرة يضيئها التميز ..
يكفي أن تذكر عزيزي رحال والحاج العيدي وبوشعيب فقار والعربي الزاولي والروداني والسوسدي والزوغي ومفتاح وزينون وعاشق والسعدية أزكون..وعبد الحق نجيب ..و ..و لائحة طويلة من هامات وقامات شامخة كشموخ جبال الأطلس ..تطل على سماء المجد وتعانق سماء الحرية ..هناك في تيران الطاس أو تيران الحفرة كما كان يسمى من ذي قبل، ذاكرة جيل بأكمله.
يقول حسن : «أصبحنا والحالة هاته نرى العالم بحجم تيران الطاس الحفرة ، كنا نستهلك لحظات التداريب بكل ما أوتينا من قوة بدنية مع أصدقاء من قبيل الباطماويين حميد ورشيد وعبد الحق عاشق الملاكمة وحميد البوهالي وآخرين ..)
اختار حسن في كتابه أن يخرج من بحر ذكرياته صورا بحجم اللؤلؤ تزين عهده بموطنه وتبرق كبريق المرجان في مؤلف يهتز إيقاعا روحيا بين كل صفحة تقرأها ، تارة تجذبك الأحاسيس وتارة الذكريات وأخرى تقف احتراما وتقديرا لنبل الإنسان. ففي الوجوه أمكنة، وفي الأمكنة وجوه مؤثرة ..وبينهما جسر شيد بالوفاء والحب و التضحية ..فالمكان عند حسن هو أيضا الزمن وفي نفس الآن الذات الفاعلة المركبة تركيبا نفسيا واجتماعياً وسياسيا و ثقافيا وإبداعيا ..المكان بنية لا تستطيع أن تفصل أطرافها عن بعضها ..إنها خلطة ربانية شكلتها التجارب والأزمات ورصعت صدرها المعاناة، ولونتها الصرخات..إنها أسمى عبارات ومعاني الكونية.. ففي الحي المحمدي كونية الفضاء والأسماء.
ولعل حسن عندما فتح ذاكرته للبوح بمخزون الثراء الإنساني الذي عاش ينتقل بداخله مدة طويلة ..أراد أن يقدم لنا خدمة نحن الذين لم نعش الحي المحمدي لنكتشف أننا نعيش أيضا بذكريات أحيائنا مع شخصيات لم ننتبه لها في غفلة منا ..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.