ويطل علينا الكاتب و الصحفي حسن نرايس صاحب كتاب "الضحك و الآخر- صورة العربي في الفكاهة الفرنسية" الصادر سنة 1996، بإصدار جديد تحت عنوان "بين الصحافة و السينما" يصنفه الكاتب في غلاف مؤلفه بشريط ذكريات. لكن هذا المصنف الصادر بحلول بداية موسم ثقافي جديد يزامن حمى الإنتخابات – و تلك حكاية أخرى-، لا يمكنه بأية حال أن يكون شريط ذكريات فقط. إن حسن نرايس الذي تعرفنا على كتاباته ذات زمن كنا فيه بالكاد نمارس تأتأتنا الأولى في الميدان الثقافي و الفني، و الذي يعد كتابه "الضحك و الآخر" أحد أهم المؤلفات عن صورة المهاجر العربي، و أحد أهم الكتب في زمنا المغربي المعاصر هذا التي تتوسل بالسخرية. سخرية حسن نرايس عرفت إلى حد عميق كتابات الجاحظ و أبي دلامة و خبرت إبن خلدون و أبو حيان التوحيدي. و لعل هذا هو ما جعل عميد المسرح المغربي الفنان الراحل الطيب الصديقي يمسرح جزءا هاما من هذا الكتاب في الفصل الأخير من بساطه الترفيهي "و لو كانت فولة"، سنة 1997. و كان إذا بدأ البساط بعوالم الجاحظ و أبي دلامة في زمن عربي ضارب في الثرات ينتهي بطابع أوروبي بادئا كلام السارد ب "حدثنا شيخنا حسن نرايس". و لعل هذا التوازي لا يمكنه بأية حال أن يكون مجانيا عند الصديقي بالذات. و تماما كالمرحوم الطيب الصديقي، ينتمي حسن نرايس إلى مدرسة من لا يأخدون نفسهم كثيرا على محمل الجد، و قد يكون هذا سرهم في أن يوقعوا إبداعات هامة تترك بصمتها في الزمان و المكان، حتى و إن أراد لها محترفوا التعتيم أن تمر مغمورة… و ها هو حسن نرايس الذي كان سنة 2012 أصدر كتابا فيه تجميع لمجموعة من مقالاته الساخرة تحت عنوان "محطات باريسية"، يبدع في كتابه الجديد شكلا جديدا في الكتابة، على الأقل في فضائنا المغربي، فنحن بقرائتنا لكتاب "بين الصحافة و السينما" الذي يبدو عنوانه جد عابر و فضفاض نكتشف أننا لسنا أمام تجميع لمقالات صحفية، نحن أمام نص مسترسل من حيث المتن و من حيث الكرونولوجيا، ليس مقالة أدبية و لا قصصا قصيرة، ليس رواية لكنه سرد عميق. ف " با حسن " يحكي لنا قصته الطريفة مع المهرجان الوطني للفيلم، حيث سيحل و هو الكاتب صاحب المقالات الباريسية المدوية على جريدة الإتحاد الإشتراكي -ذات زمن ياحسرة- ضيفا بلا دعوة و كيف ستلعب صداقته مع محمد شكري في جعله من أهم ضيوف دورة 1995 هذه و يطول شريط الذكريات إلى أن يصير نرايس منشطا للندوات بالمهرجان ثم عضوا للجنتي الدعم و التحكيم سنة 2010 مما سيجعل له كثيرا من الأعداء و من الأصدقاء المزيفين و الإنتهازيين. في كتابه الذي -تماما ككاتبه- لا يأخد نفسه كثيرا محمل الجد و يقدم نفسه و كأنه مجرد هدي في حانة، يؤرخ حسن نرايس لواقعنا السينمائي في مرحلة هامة منذ 1995 إلى 2015 . و هنا تتحول النميمة الفنية التي كثيرا ما إستهلكناها في الكواليس و عتمة الفنادق الفاخرة و المقاهي الحقيرة إلى توثيق و إبداع أدبي، يندرج بحق ضمن خانة السهل الممتنع. و للمحترقين بلظى الكتابة أن يعلموا أن السهل الممتنع هو عصي على القبض حين يتكلف الكاتب في البحث عنه أو يستسهله. حسن نرايس يكتب بالسليقة و يسخر من الوقائع بنوع من التغذية الراجعة فهو القارئ الجيد للأدب العربي القديم و الأدب الفرنسي و الأمريكي و المغربي… و من باب الأمانة الفكرية يكتب حسن نرايس عن نور الدين الصايل و فترة إدارته للمركز السينمائي المغربي و استراتيجيته في هذه الإدارة بكثير من الموضوعية، لكن بغير قليل من الوفاء. إنها أخلاق المثقفين الحقيقيين و ليس الأمر غريبا على مغربي أمازيغي قح تربى بين أحضان الحي المحمدي و ترعرعر بين دروب باريس. فاجتمع فيه ما افترق في غيره. شكرا حسن نرايس على بوحك الجميل و الممتع. و لمحبي الكتاب و أصدقائه و لمتتبعي إبداعات نرايس موعد مع توقيع هذا الإصدار الجديد بمقر جمعية فنون و ثقافات بالدار البيضاء الكائن بالمركب الرياضي محمد الخامس، ممر 10، و ذلك يوم السبت 23 شتنبر على الساعة السابعة مساءا. و للإشارة فالكتاب تم إصداره بدعم من الجمعية التي يترأسها الدكتور زهير قمري و التي تنفرد بمبادرات متميزة من هذا النوع.