نحن في الحركة الاشتراكية الديمقراطية، نؤمن بأن القيم التي راكمناها عبر مسيرتنا النضالية الطويلة ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ أساسية تشكل السبيل الوحيد لمواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بعالمنا اليوم الرفيقات والرفاق، نجتمع اليوم على أرض إفريقيا، القارة التي تجسد في حاضرها ومستقبلها لحظة تحول تاريخية على الصعيد العالمي، فإفريقيا ليست مجرد جغرافيا، بل هي مرآة تعكس التحديات الكبرى التي يواجهها العالم، وفي الوقت ذاته تحمل في طياتها إمكانات هائلة وفرصا واعدة يمكن أن تغير معالم المستقبل، فقارتنا تقدم نموذجا فريدا للتعايش بين التحدي والأمل، وهي على مفترق طرق يختزل مفارقات العصر. في عالمنا اليوم، نشهد من جهة تقدما علميا وتقنيا غير مسبوق يفتح آفاقا واسعة للبشرية، جنبا إلى جنب مع توافق عالمي حول قيم إنسانية سامية مكنت من تجنب كوارث كبرى، ووفرت للشعوب أدوات تعزز التقارب والتعاون والانفتاح، على الجانب الآخر نواجه تصاعدا مقلقا للنزاعات والتوترات الإقليمية والعالمية، وانتشارا للانغلاق الهوياتي الذي يغذي الانقسامات بدل الوحدة، وتفشي اقتصاديات جشعة تحول الإنسان إلى أداة للربح بدل أن يكون هدفا للتنمية، فهذه التحديات تعرض القيم الإنسانية التي كانت حصيلة كفاح طويل لخطر الانهيار، وتهدد بتدمير أسس العدالة والمساواة التي نسعى إلى تعزيزها. إفريقيا، في ظل هذا السياق العالمي المزدوج، تقف في موقع استراتيجي يمكنها من أن تكون جزءا من الحل، لا مجرد مستقبل لتداعيات الأزمات، فيما تمتلكه من موارد طبيعية هائلة، وثروة بشرية شابة وطموحة، وفرص اقتصادية غير مستغلة، يمكن أن تصبح قاطرة للتنمية المستدامة، ونموذجا جديدا لبناء عالم أكثر توازنا وإنصافا، فمسؤوليتنا اليوم تتجاوز الاحتفاء بالفرص، إلى العمل الجاد من أجل تحويلها إلى واقع ملموس يحقق الرفاه لشعوبنا، ويضمن الأجيال القادمة مستقبلا أكثر إشراقا. الأخوات والإخوة، نحن في الحركة الاشتراكية الديمقراطية، نؤمن بأن القيم التي راكمناها عبر مسيرتنا النضالية الطويلة ليست مجرد شعارات، بل هي مبادئ أساسية تشكل السبيل الوحيد لمواجهة التحديات المتعددة التي تعصف بعالمنا اليوم، فقيم العدالة والمساواة والتضامن الإنساني ليست فقط غايات نطمح إلى تحقيقها، بل أدوات فعّالة لبناء مجتمع أكثر توازنا وعالم أكثر إنصافا. نحن نسعى إلى بناء عالم يكرس السيادة الوطنية للدول ويصون سلامة أراضيها، بعيدا عن التدخلات الخارجية أو الهيمنة الاقتصادية والسياسية، عالم ينعم فيه الجميع بعدالة حقيقية في اقتسام الثروات، ويتحول فيه الاقتصاد إلى وسيلة لتحقيق التنمية الجماعية لا أداة لزيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، عالم يحترم البيئة كمصدر حياة مشترك بين الأجيال، ويعترف بالكوكب كرأس مال جماعي للبشرية، ما يستدعي سياسات مستدامة تحمي مواردنا الطبيعية وتحافظ على توازنها، عالم يوفر للأجيال القادمة فرصا حقيقية لحياة كريمة وآمنة تضمن حقوق الإنسان الأساسية وتحمي الكرامة البشرية من كل أشكال التهديد والابتزاز. أيتها الرفيقات، أيها الرفاق، إن المغرب باعتباره جزءا لا يتجزأ من إفريقيا ومن خلال تجربته الديمقراطية نجح في تطوير مؤسسات الدولة وتعزيز المسار الديمقراطي رغم التحديات الكبرى التي مر بها، وفي مقدمتها وحدته الترابية التي استطاع بشرعية موقفه وعدالة قضيته وحكمة قيادته أن يكسب هذا المشكل المفتعل ويجعل منه حافزا لبناء دولة قوية وعادلة، حيث أظهر قدرة كبيرة على التكيف مع متطلبات العصر الحديث، وقام بإصلاحات سياسية هامة أرسى من خلالها أسسا لنموذج ديمقراطي متفرد في محيطه الإقليمي والقاري، بتوافق تام بين كل مكوناته ومؤسساته و على رأسها المؤسسة الملكية، مما جعل منه ركيزة للاستقرار في المنطقة والقارة بأكملها، كما أطلق المغرب مشاريع تنموية كبرى تهدف إلى تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، تركز على الإنسان كمحور أساسي، مع مراعاة التوازن بين مختلف الأقاليم من الشمال إلى الجنوب، مكنت من تقليص الفوارق الاجتماعية والاقتصادية، حيث لم تعد هذه المشاريع مجرد خطط اقتصادية بل هي جزء من رؤية وطنية تعزز العدالة الاجتماعية وتساهم في تحسين جودة الحياة للمواطنين. كما يعد المغرب مثالا حيا للتعايش بين مختلف الثقافات والأديان، ففيه يلتقي التنوع مع الوحدة، ويعيش المواطنون من مختلف الخلفيات الثقافية والدينية في تناغم واحترام متبادل، وهو ما يجعل منه نموذجا فريدا للانفتاح الثقافي والتسامح، يؤهله للمساهمة في التغيير داخل قارته كدولة إفريقية صاعدة تتوق إلى سيادة الاستقرار والتنمية داخلها، والانفتاح على العالم. الأخوات والإخوة، تعد الهجرة من أبرز التحديات التي تواجهنا اليوم، لكنها تحمل في طياتها فرصا مهمة بوصفها جسرا للتواصل بين الشعوب وأداة لتعزيز التفاهم المتبادل، فالهجرة إذا أُديرت بشكل صحيح تمكن من تبادل المعرفة والثقافات، وتفتح آفاقا جديدة للتعاون المثمر بين الدول، ومع ذلك، يتوجب ضمان أن تكون آمنة ومنظمة، تحترم حقوق المهاجرين وتصون كرامتهم الإنسانية، ولتحقيق ذلك ينبغي تعزيز التعاون الدولي لوضع سياسات فعالة توفر مسارات قانونية آمنة، وتحمي المهاجرين من الاستغلال والمخاطر التي قد تواجههم خلال رحلاتهم أو في بلدان الإقامة. في الوقت ذاته لا يمكننا التغاضي عن التحديات الأمنية التي ترافق بعض أنماط الهجرة غير النظامية، ومنها الإرهاب وأشكال التجارة بالبشر التي تهدد أمن واستقرار المجتمعات، فهذه الظواهر تمثل خطرا على الإنسانية بأسرها، حيث يجب محاربتها من خلال تكثيف الجهود الدولية للتصدي لشبكات الجريمة المنظمة، وتعزيز التعاون بين الدول في مجالات الأمن والعدالة، حيث يجب أن تكون هناك سياسات واضحة وفعالة تهدف إلى القضاء على هذه الممارسات اللاإنسانية وتوفر بيئات آمنة ومستقرة لجميع الأفراد بغض النظر عن أصولهم أو هوياتهم. إن محاربة الإرهاب والتجارة بالبشر تتطلب أكثر من مجرد استجابة أمنية أو قانونية، بل تستدعي إرادة سياسية قوية من قبل الحكومات والمجتمع الدولي لتكثيف الجهود وتعزيز التعاون المشترك، من خلال تبني استراتيجيات شاملة تمكن الدول من أن تتوحد في مواجهة هذه التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي، كما أن التصدي لهذه التحديات لا يمكن أن يتم من خلال الإجراءات الأمنية فقط، بل لابد من العمل على معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظواهر مثل الفقر، والتهميش الاجتماعي وعدم الاستقرار السياسي، إذ أن الفرص الإنسانية بما في ذلك التعليم وفرص العمل والحماية الصحية هي العناصر الأساسية لبناء مجتمعات أكثر استقرارا وازدهارا . الرفيقات والرفاق، إننا اليوم أمام تحديات دولية كبرى تتطلب مواقف حاسمة ورؤية عادلة، ومن أبرز هذه القضايا وأعمقها جذورا في التاريخ الحديث قضية الشعب الفلسطيني، التي تعد واحدة من أطول الصراعات السياسية والإنسانية في العصر الحديث، حيث يعاني الشعب الفلسطيني، صاحب الحضارة العريقة والإرث الثقافي الغني، من حرمانه المستمر من حقه المشروع في إقامة دولته المستقلة ذات السيادة، وعاصمتها القدس الشرقية، في إطار حل الدولتين، وفي هذا السياق نطلب من المنتظم الدولي أن يدعم الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الاحتلال الإسرائيلي. إن الشعب الفلسطيني لا يطالب بأكثر من حقوقه الطبيعية التي كفلتها الشرعية الدولية ومواثيق الأممالمتحدة، وعلى رأسها الحق في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة، ولكن هذه الحقوق لا تزال رهينة التجاذبات السياسية والمصالح الدولية التي تعطل تنفيذ القرارات الأممية، وتطيل أمد المعاناة الإنسانية التي يعيشها الفلسطينيون يوميا تحت الاحتلال، من مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات إلى الحصار والتضييق على حياتهم اليومية. ومن هنا نطالب كل الأمم بالاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية، والترافع من أجل حصولها على العضوية الكاملة بالأممالمتحدة. إن تحقيق السلام العادل والشامل لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال إرادة سياسية حقيقية من المجتمع الدولي، تدعم حق الشعب الفلسطيني في الحرية والكرامة، وتضغط لوقف الممارسات التي تنتهك القانون الدولي. كما يتطلب الأمر من القوى المؤمنة بالعدالة في العالم، توحيد جهودها لدعم الشعب الفلسطيني، ليس فقط بالكلمات ولكن بخطوات عملية تعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة الأجندة الدولية، فلقد آن الأوان لكي يتحمل العالم مسؤوليته الأخلاقية والسياسية لإنصاف الشعب الفلسطيني بما يضمن له حياة كريمة في وطن حر ومستقل، ويحقق الأمن والسلام الدائمين في المنطقة بأسرها. وفي هذا السياق، لا بد لنا من تثمين الجهود الشجاعة التي يبذلها رئيس الأممية الاشتراكية السيد بيدرو سانشيز وكل من يسانده من قادة العالم للخروج من حالة الجمود الدموي التي تعيشها المنطقة، فهذه الجهود تمثل خطوة هامة نحو استعادة الأمل في تحقيق السلام العادل والشامل الذي ينشده الجميع، ونؤكد أن نجاح هذه المساعي يعتمد على الالتزام بمبادئ العدالة واحترام الحقوق المشروعة لجميع الأطراف، دون ازدواجية في المعايير أو تغليب لمصالح ضيقة على حساب السلام والأمن. الأخوات والإخوة، إن المستقبل الذي نصبو إليه جميعا يعتمد بشكل كبير على قدرتنا نحن الحركات التقدمية على طرح الأسئلة الجوهرية التي تعيد صياغة الأولويات وترسم مسار الإنسانية نحو العدالة والازدهار، فكيف يمكننا الحفاظ على سيادة الدول وسلامة أراضيها في عالم يواجه تصاعد النزاعات والتدخلات الخارجية؟ وكيف نضمن توزيعا عادلا للثروات بين الشعوب والأفراد بما يحقق الكرامة والعدالة الاجتماعية؟ وكيف نبني مستقبلا مشتركا يقوم على المسؤولية الجماعية، حيث يصبح الحفاظ على الكوكب وحقوق الأجيال القادمة أولوية لا تقبل المساومة؟ الإجابة على هذه الأسئلة الملحة تتطلب منا تعزيز القيم الاشتراكية الديمقراطية التي نناضل من أجلها، وهي قيم تمكّن الشعوب من تحقيق الانسجام الوطني، وترسخ مبدأ المساواة، وتكافح التمييز بجميع أشكاله، لبناء دول قوية وعادلة تحقق تطلعات مواطنيها، فهذه القيم ليست مجرد شعارات بل هي أدوات حقيقية للتغيير تعيد رسم العلاقة بين الإنسان والدولة وبين الدولة والعالم. وفي هذا السياق، لا بد أن نعيد لمنظمتنا دورها الريادي وصوتها العالي في الدفاع عن القضايا المحورية التي تواجه العالم اليوم، من أجل بناء نظام عالمي أكثر عدلا وسلاما، فنحن بحاجة إلى قوة أخلاقية وسياسية تعيد للعدالة بريقها وتجعل من التضامن الإنساني حقيقة ملموسة، وليس مجرد خطاب عابر، كما ندعو الجميع إلى الالتزام بهذه القيم والعمل من أجل مستقبل أفضل للبشرية جمعاء، حيث تتحقق العدالة الاجتماعية و السلام وينتصر الأمل. شكرا لكم جميعا على تفانيكم وإيمانكم بهذه القضايا النبيلة، ومرحبا بكم مرة أخرى في المغرب أرض المحبة والسلام.