أصدر مجلس الأمن، يوم الخميس 31 أكتوبر، قراره الصادر المتعلق بملف الصحراء عدد 2756، وهو القرار الذي جاء في إطار الزخم الذي يشهده الملف خاصة على مستوى تطور النزاع سياسياً وتزايد حجم الدول الداعمة لمغربية الصحراء ولمبادرة الحكم الذاتي مما يدفع بالتأكيد في اتجاه طي الملف على أرضية المقترح الذي قدمه المغرب سنة 2007. وبالعودة إلى مجريات الجلسة التي انعقدت، والقرار نفسه فإنه يعكس ثنائية مرتبطة بطرفي الصراع الأساسيين هما المغرب الذي كرس تفوقاً سياسياً ملحوظاً، بالمقابل عزلة سياسية للجزائر ازدادت حدتها مع مسار صدور هذا القرار ومضامينه نفسها، التي شكلت إعلان إفلاس كل الطروحات التي ظلت ترافع من أجلها الجزائر وأذرعها؛ وتجلت هذه الثنائية المغربية-الجزائرية في ما يلي: 1 – العزلة الجزائرية: ما قبل جلسة التصويت حاولت الجزائر التأثير في مضامين المسودة التي كانت قد أعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحيث ضغطت من أجل تضمين القرار نقطتين تتعلقان: الأولى بتوسيع مهام «المينورسو» لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، فقد حاولت الجزائر الضغط من أجل إعادة طرح هذا المقترح وتضمينه مجدداً بالقرار، متناسية أن الولاياتالمتحدةالأمريكية والهيئات الأممية تعرف جيداً سجل الجزائر الأسود في مجال حقوق الإنسان، المتمثل في خنق المعارضة، المحاكمات الصورية، مطاردة النشطاء، منع التظاهرات المطالبة بالحرية والديموقراطية واعتقال المرشحين السابقين للرئاسة وحل المنظمات الحقوقية..وغيرها من الانتهاكات الحقوقية الجسيمة التي تُعد جزءاً من سياسة الدولة، بالتالي لم يكن لمقترحها أن يحظى بأي تعاط جدي، كما أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يكن لها أن تقبل بهذا المقترح ومسؤولوها سبق لهم أن زاروا المغرب، كما زاروا الأقاليم الجنوبية وعاينوا تطور الوضع الحقوقي بالمنطقة، لهذا لم يكن لهذا المقترح أن يؤخذ به ولا أن يكون موضوع أي نقاش ليس فقط لعدم جديته أو لكون الواقع بالصحراء قد تجاوزه لكن بالأساس لكون الجهة التي تقدمت به مصنفة ضمن الدول الأكثر رعباً. المقترح الثاني الجزائري الذي كان يريد أن يدفع بالمسودة وبعدها بالقرار إلى العودة إلى الوراء من خلال الإشارة إلى مرحلة ما قبل 2007، وتضمين القرارات السابقة عن هذه المرحلة التي كانت تشير إلى «استفتاء تقرير المصير» كحل من بين الحلول، متناسية كون فكرة «الاستفتاء» قد تم إقبارها منذ السنة التي تقدم فيها المغرب بمقترح الحكم الذاتي. لقد كان هدف الدولة الجزائرية من محاولة إعادة طرح هذا المقترح هو العودة بالملف سياسياً للوراء، وإيجاد مبرر لعرقلة المسار الذي على أساسه ديميستورا مُطالب بالتحرك وفقه، بحيث كانت ستدعي أن مجلس الأمن قد عاد لمرحلة ما قبل الحكم الذاتي وبالتالي عودة «الاستفتاء» إلى الواجهة. الجزائر التي كانت تعتقد بأنها قد أقنعت صاحبة القلم بمقترحاتها غير المتناسقة مع تطور الملف أمميا، تلقت صدمة بعد طرح النسخة إلى التصويت دون أن تتضمن ما تقدمت به في الكواليس للولايات المتحدةالأمريكية، تجلت ملامح الصدمة في كلمة مندوبها الذي أشار، بحنق كبير، إلى هذه النقطة، متناسياً بشكل يعكس «غباء» الدبلوماسية الجزائرية الموقف الأمريكي من مغربية الصحراء منذ سنة 2020 إلى الآن، وبكون التزام الولاياتالمتحدةالأمريكية بدعم المقترح المغربي هو التزام سيادي وسياسي غير مرتبط بهذه الإدارة أو تلك. الحدث الذي عاشه المجلس الذي عكس عزلة إضافية للجزائر داخل مجلس الأمن، هو نتائج التصويت بحيث صوتت 12 دولة لصالح القرار، مما دفعها إلى الارتباك، برز من خلال اتخاذها موقفاً غريباً عن المجلس واللوائح المنظمة لعملية التصويت على القرارات الصادرة عنه التي تتوزع بين "نعم" "لا" و "الامتناع". المبعوث الجزائري وجد نفسه في موقف محرج بعد تقديم المسودة كما هي دون تضمين مقترحاتها المتجاوزة، وبعد تصويت روسيا التي اختارت التصويت "بالامتناع" كما درجت على ذلك في نهج أصبح تقليدا روسيا يتعلق بملف الصحراء، يتجلى في تسجيل تحفظها على المنهجية التي يتم بها إعداد القرار، لا بمضمونه أو بموقف سلبي من العملية السياسية التي تعلن عن دعم مسارها على أساس قرارات المجلس، فقد كانت الجزائر تعول على دعم روسيا التي اختارت الحفاظ على موقفها الذي يتفهمه المغرب، لتجد الجزائر نفسها في وضع العزلة السياسية والدبلوماسية، وفي موقع النظام المهزوم الذي كان يتصور بأن تواجده كعضو غير دائم بالمجلس سيستطيع من خلاله التأثير في مسار العملية السياسية والعودة بها إلى الوراء، ما قبل سنة 2006، فتكون جلسة 31 أكتوبر 2024 ليست فقط تعبيراً عن عزلة سياسية بل عن هزيمة واضحة لمختلف الطروحات التي ظلت الدبلوماسية الجزائرية تختبئ وراءها، وتأكدت مختلف الدول أن النظام الجزائري هو المعني المباشر بهذا الملف وأنها المسؤولة عن عرقلة الحل. لقد تلقت الجزائر صفعة من طرف الولاياتالمتحدةالأمريكية التي لم تلتفت إلى مقترحاتها المُتجاوزة، وصفعة ثانية من روسيا عندما أخذت مسافة من التحركات الجزائرية التي اختارت التصويت بالامتناع وتركت المندوب الجزائري في موقف مرتبك، يُعبر عن عزلة الدولة الجزائرية أممياً ليس فقط عن خصومها أو من يقفون في النقيض معها دولياً، بل أيضاً عمن كانت تعتبرهم حلفاءها!! 2- التفوق المغربي: القرار الذي أصدره مجلس الأمن إذا كان قد عكس عزلة الطرح والنظام الجزائريين، فهو بالمقابل أكد على التفوق المغربي دبلوماسياً، سياسياً تجلى ذلك في مضمون القرار وكلمات جل مبعوثي الدول. من حيث مضمون القرار: فقد تضمن هذا القرار عدة مقتضيات تعكس تفوقاً مغربيا يتجلى في تكريس مبادرة الحكم الذاتي كخيار وحيد لطي الملف، على أساسه طالب المجلس ستافان ديميستورا بإعادة إطلاق العملية السياسية من جديد، من حيث انتهت جلسات جنيف في شوطيها، بموائدها الأربع، وطرفيها الأساسيين: المغرب والجزائر، بحيث تم تحميل هذه الأخير مسؤوليتها تجاه المسار السياسي، وإعادة مطالبتها بضرورة التعاطي إيجابياً مع المبعوث الأممي ومع مُحددات الحل السياسي، فالقرار بهذا المعنى كرَّس تفوقاً للمبادرة المغربية وجعلها المرجع الأساس في هذا الملف، مستندة إلى كل التراكم الذي تم تحقيقه بما فيه افتتاح القنصليات، الاعتراف المتزايد بمغربية الصحراء آخرها الموقف الفرنسي، كذا بمبادرة الحكم الذاتي كأساس وحيد للحل بحيث وصل عدد الدول المعترفة بهذه المبادرة داخل الاتحاد الأوروبي إلى 20 دولة أوروبية. كل هذه التطورات المصاحبة للملف تساهم في تكريس هذا التفوق المغربي وتجعل من الطرح الذي تم تقديمه كبديل عن "الاستفتاء" الأساس الوحيد لطي النزاع. – القرار أعاد التشديد على ربط السلم والأمن بهذا الملف خاصة مع استمرار التهديدات الإرهابية القادمة من مخيمات تندوف، وهي التهديدات التي تزداد خطورتها مع قيام مليشيات البوليساريو بتهديد عناصر بعثة "المينورسو" شرق الجدار العازل وعرقلة تحركها ضماناً للأمن بالمنطقة، في ظل إشارة القرار إلى تزايد حجم مليشيات البوليساريو مع استمرار إعلان التنظيم الانفصالي عن خروجه من اتفاق وقف إطلاق النار، وهو وضع يضع الدولة الجزائرية أمام مسؤولياتها تجاه المنطقة والأممالمتحدة مادام أن هذه التهديدات تأتي من الداخل الجزائري ومن أراضيها. كلمات مبعوثي الدول بعد التصويت على القرار اتجهت كلها إلى دعم الرؤية المغربية التي على أساسها سيتم طي النزاع، وهي الرؤية التي تعتمد على مقاربة واضحة تستجيب لرغبة هذه الدول في إنهاء الملف على أساس قانوني وسياسي يستجيب لميثاق الأممالمتحدة، وقد كان لافتاً في هذه الكلمات، ما أعاد التأكيد عليه المبعوث الفرنسي بالمجلس الذي ذكَّر من جديد بموقف بلاده والتزامها بالدفاع عن مغربية الصحراء بمجلس الأمن، وأمام المبعوث الجزائري، لتكون فرنسا قد اختارت مستقبلها إلى جانب المغرب وشراكتها معه. القرار بهذه المضامين يعكس كذلك تفوقاً أمنياً مغربياً، بحيث أكد القرار على التعاطي الإيجابي للجيش المغربي مع بعثة المينوسو ومساهمته في تفكيك الألغام حفاظاً على السلم وحياة المدنيين، وهو بذلك يكون منخرطا بشكل إيجابي، وفق اتفاق وقف إطلاق النار وبمصاحبة بعثة المينورسو ومكونها العسكري، في الحفاظ على السلم ولعب دور أساسي وكبير لوقف إطلاق النار وضمان عمل البعثة في اتساق مع مهامها الأمنية والعسكرية. التفوق السياسي المغربي على الجزائر بات أمرا واقعا معيشا، مرتبطا بالملف من مختلف حيثياته، خاصة الرؤية التي أصبحت الأممالمتحدة مقتنعة بها اليوم، رفقة الغالبية المطلقة للدول الأعضاء بالأممالمتحدة، مما ساهم في إقرار مبادرة الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لطي الملف، ليكون المغرب من خلال قرار 2756 قد حقق قفزة جديدة على مستوى طيه، ومن المؤكد أن إنهاءه بات قريبا وكذا فرض الحل على أساس المبادرة المغربية ومعاييرها السياسية.