كما جرى العرف داخل مجلس الأمن قامت الولاياتالمتحدةالأمريكية بإعداد مسودة القرار الذي سيناقش وسيتم التصويت عليه، وهي الوثيقة التي تعكس من جهة رؤية الولاياتالمتحدةالأمريكية للنزاع، ثم التوجهات الأممية لهذا الملف التي سيتم تضمينها في القرار النهائي، الذي سيُصوت عليه وسيشكل خريطة عمل مجلس الأمن للسنة المقبلة، انطلاقاً من توصية الأمين العام للأمم المتحدة بتجديد بعثة المينورسو لسنة واحدة، وهي نفس التوصية التي دعت إليها المسودة الأمريكية في هذا النص. مسودة القرار الأمريكي الذي حمل 17 توصية تتوزع بين السياسي والأمني والإنساني-الحقوقي اتجهت كلها نحو إعادة التذكير من جهة بالمسار السياسي للملف وبدعم ستافان دي ميستورا في مهمته، ثم بالتأكيد على احترام ولاية بعثة المينورسو في جانبها التقني/الأمني مع الدعوة للقيام بإجراءات بناء الثقة بين الأطراف، إلى باقي التوصيات التي يمكن إبداء بعض الملاحظات حولها: 1- المسودة الأمريكية في الجانب السياسي، في معرض تقديم العناصر المؤسسة للتوصيات، أعادت التذكير بالمقترح المغربي المتمثل في مبادرة الحكم الذاتي، وأشادت بالدور المغربي الذي وصفته بالجدي، ذي المصداقية والواقعي في طي الملف، بحيث أعلنت الوثيقة/المسودة عن ترحيبها بالجهود المغربية الجادة وذات المصداقية لدفع العملية قدما نحو الحل، رابطاً إياها بالمبادرة المغربية التي تقدم بها سنة 2007، مما يجعل الإشارة الأمريكية في نص المسودة لتأكيد الولاياتالمتحدةالأمريكية على اعترافها بالمقترح المغربي باعتباره الحل الوحيد لطي الملف، خاصة وأن الوثيقة في فقرات منها تحيل على السنة التي اقترح فيها المغرب مبادرة الحكم الذاتي، ومرة أخرى على السنة التي تبنت فيها الأممالمتحدة المعايير السياسية للمقترح المغربي، كما تكون معه المسودة مؤطرة للحل بمقترح الحكم الذاتي كحل سياسي وحيد لطيه وإنهائه. 2- المسودة الأمريكية أعادت التشديد على مطلب إحصاء ساكنة المخيمات بحيث أعلن عن تكرار مطلبه بتسجيل اللاجئين « في مخيمات اللاجئين في تندوف»، وهو المطلب الذي اعتبرته المسودة مقدمة لدفع العملية السياسية نحو الحل مما يشكل الموقف الرافض لتسجيل الساكنة وإحصائها عنصراً مهدداً للعملية السياسية وبعثها لإنهاء الوضع الإنساني الخطير، الذي توحد عليه الساكنة بالمخيمات، ويخلق حالة من اليأس ويبعث على القلق، كما أشار إلى ذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة. لذلك فمسودة القرار ربطت بين هذين المعطيين، معطى رفض إحصاء «اللاجئين» و استمرار تدهور الوضع السياسي بالمنطقة لعلم واضع المسودة بأن عدم تدقيق هوية الموجودين بالمخيمات واستمرار توطين أشخاص من خارج «منطقة النزاع»، ومن خارج المخيمات سيساهم لا محالة في استغلال وضعية هذه الساكنة لزعزعة استقرار المنطقة وإنعاش التنظيمات الإرهابية والجهادية، التي انتعشت على وقع حالة اليأس التي تسللت إلى ساكنة المخيمات، وتواجد عناصر من خارج المخيمات ممن استغلوا النزاع للاغتناء والترقي وسط المخيمات والتسلق داخل بنية تنظيم البوليساريو. 3- مسودة القرار الأمريكي أشارت بوضوح إلى ضرورة « تشجيع المشاركة الكاملة والمتساوية والهادفة للمرأة والمشاركة النشطة والهادفة للشباب» في العملية السياسية والمباحثات الأممية، في إعلان عن أهمية إشراك باقي الفئات في مختلف المبادرات الأممية لإسماع صوتها، خاصة من داخل مخيمات تيندوف، بحيث إذا كانت النساء والشباب داخل الأقاليم الصحراوية الجنوبية يلعبون أدوارا سياسية ومدنية، ولهم مهام انتدابية وانتخابية، فإن النساء داخل المخيمات يتعرَّضن للاستغلال بمختلف أنواعه، كما يتعرض اليافعون للتجنيد القسري، الشباب يعيش حالة من التخبط واليأس، ويتم استقطابهم في صفوف التنظيمات الإرهابية والإجرامية التي انتعشت داخل المخيمات وتشتغل تحت غطاء قيادة البوليساريو ومحمية من الجيش الجزائري...لذلك كانت المسودة، وهي تشير إلى ضرورة إدماجهم في العملية السياسية، تأكيدا على رغبة أمريكية ثم في ما بعد أممية على ضرورة تغيير وضعيتهم، وأن الحل يكمن ليس فقط في إدماجهم بالمسار السياسي بل الوصول إلى حل سياسي في القريب العاجل ينهي معاناتهم داخل مخيمات تيندوف، خاصة وأن المسودة أكدت أن « إحراز تقدم في المفاوضات أمر ضروري من أجل تحسين نوعية حياة السكان» في تأكيد للربط الذي أشرنا إليه سابقا، بين معطى تدهور العملية السياسية وارتفاع منسوب اليأس في صفوف الشباب والنساء بالمخيمات. 4- مسودة القرار الأمريكي أعادت تبني ما جاء في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة من كون استمرار أي توتر بين دول المنطقة ينعكس سلباً على الملف السياسي بحيث كان التقرير قد أشار إلى العلاقة الجزائرية المغربية وتدهورها بسبب المواقف الجزائرية من المغرب، المسودة أعادت الإشارة إلى هذا المعطى من خلال تأكيدها أن « التعاون بين هذه البلدان سيسهم في حفظ الأمن والاستقرار بالمنطقة، وسيؤدي إلى خلق فرص الشغل والنمو بالمنطقة». هذه الفقرة تعكس رغبة أمريكية في طي الملف وفي التوصل لحل سياسي لأن هذا ما سيساهم في استقرار المنطقة وفي وضعها على سكة النمو والتقدم، خاصة وأن أمامها تحديات كبيرة أمنية مرتبطة بمحاربة الإرهاب، واقتصادية متعلقة بانعكاسات «الكوفيد» على المنطقة، وبالتوترات الإقليمية ذات الطابع الدولي. هذه بعض العناصر الأولوية التي تضمنتها مسودة القرار التي أعدتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي مسودة حافظت على الموقف الأمريكي من مبادرة الحكم الذاتي باعتبارها الحل الوحيد لطي الملف، وعلى مساره السياسي من خلال تأطير العملية السياسية بالمبادرة المغربية التي تم تقديمها سنة 2007، وبالرؤية الأممية التي تبنت معايير الحل السياسي بدءا من القرارات الصادرة من سنتي 2017 و 2018، مما يعني أن هناك توافقا دوليا وأمميا إذا ما أضفنا إلى ذلك قرار اللجنة الرابعة الصادر قبل أسابيع وتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وهي كلها تتجه نحو طي الملف على قاعدة المبادرة المغربية، يبقى السؤال متى سيتم الانتقال من مستوى إصدار توصيات لا تجد طريقها نحو النفاذ بسبب ما تقوم به الجزائر، إلى مستوى تُلزم فيه هذه الدولة بالتعاطي الإيجابي مع العملية السياسية، كما دعا الأمين العام للأمم المتحدة ومسودة القرار.