========== ومجلس الأمن يتبنَّى لاءات المغرب الثلاث! ========== من حيل التاريخ الذكية، أنه يعيد فتح سجلاته في أماكن وأزمنة محددة من الذاكرة! ومن ذلك، أن كل الذين تابعوا تدخل مندوب الجزائر في جلسة مجلس الأمن، يوم الخميس 31 أكتوبر، أثناء التصويت، وسجلوا عدوانيته المشفوعة بالدراما، وتهديداته الملفوفة في البكائيات الإنشائية! وفي لغته المتعالية وحديثه عن «رفض الأمر الواقع»، لا بد أن الذين اطلعوا منهم أو تابعوا تدخلات سلفه، مندوب الجزائر (كما نقلتها الصحافة الوطنية والدولية لاسيما الفرنسية والإسبانية) في نهاية أكتوبر 1975، والمغرب قد حسم قرار انطلاق المسيرة الخضراء، سيلاحظون العداء الفظيع واللغة المتشابهة والاندفاعة العدوانية… والتعامل مع المغرب ليس كشقيق وجار وسند تحرير، بل كعدو تصل الصفاقة بأهل النظام القائم عند الجيران، إلى أن تصفه «بالمحتل»، هو الذي فسح لهم المجال لتعلم الحرية والاستقلال فوق ترابه وبين أبنائه. والحقيقة الثابتة المستخلصة من كل هذا، هو أن الاعتقاد بأن النظام يتغير أو أنه لا يملك إيديولوجية أو أن الذين يحكمونه مسنون خَرِفون بلا ذاكرة، يسقط صاحبه في وهم قاتل، ذلك أن الحقيقة هي أن النظام عند الجيران يحافظ على جوهره وعقيدته إزاء المغرب… منذ نصف قرن على الأقل! والحقيقة الثانية هي أن الفارق التاريخي، للأسف، لم يحصل عند «الأشقاء»، بقدر ما يوجد عند المحتل الأصلي والسابق للصحراء ولشمال المغرب، أي الجارة إسبانيا. في المرحلة السابقة، عندما كان مجلس الأمن يناقش قرار المسيرة التي أعلن عنها الملك الراحل، بطلب من المحتل إسبانيا، كان مندوبها يهدد باستعمال السلاح إذا ما استمرت»المهزلة» في نظره! وفي الوقت ذاته، كان مندوب الجزائر أكثر عدوانية، يساند الاحتلال الإسباني، ويعتبر المسيرة تهديدا لبلاده، ويعلن استعداده لمواجهتها بقوة. منذ تلك اللحظة، لم يعد الأمر يتعلق ببلد معني أو بلد مهتم « بل بطرف يجعل نفسه في موقع الخصم الأساسي ويهدد بتحويل النزاع إلى مواجهة مسلحة»! لقد تحولت إسبانيا والتزمت بحكم التاريخ وفهمت معنى الإصرار والصمود المغربي. لكن النظام الجار، الذي يغير واجهاته باستمرار، ما زال مشروعه حربيا عدوانيا، يتواصل بالوسائل التي تفرضها المرحلة، وفي هاته المرحلة وجد نفسه في مجلس الأمن، واشتغل بكل ما أوتي من قوة من أجل الإساءة للمغرب وحقوقه! === في هذا الباب، حطمت الجزائر رقما قياسيا في عدد التعديلات التي وضعتها لتغيير نص وروح القرار الأممي الجديد 2756، وبالرغم من أنها عرضت تعديلين فقط للتصويت، يخصصان لحقوق الإنسان، سواء بتوسيع مهام المينورسو أو بزيارات المفوضية السامية، فإن الحقيقة التي كشفها عمر هلال هي أنها قدمت 23 تعديلا على …44 فقرة في القرار المذكور! وكان من بين التعديلات التي تمس الجوهر أكثر من قضية مهام المينورسو، ما يتعلق بتورطها في النزاع، وكل ما يرد بخصوصها في نص القرار الجديد. فقد سعت إلى حذف اسم الجزائر حيثما كان منصوصا عليه في القرار.. وهي بذلك سعت إلى أن يتراجع القرار الجديد عما سبق أن قرره مجلس الأمن، لاسيَّما في القرارات الأخيرة، (منذ 2017) حول تحديد المعنيين الأربعة، وهم المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا، وذَكَر الجزائر 5 مرات، كعدد ذِكْره المغرب. وفي السياق نفسه، سعت إلى أن تحذف كل ما له علاقة بالموائد المستديرة، وهي بذلك كانت ترمي إلى العودة إلى المنظومة السابقة التي أقبرها المغرب متمثلة في: منظومة الاستفتاء لتقرير المصير، قيام الدولة المنفصلة السادسة وحصر الصراع بين طرفين فقط هما المغرب والبوليساريو … وتوسيع مهام المينورسو لتضم حماية وقف إطلاق النار، إلى جانب تقرير المصير بالاستفتاء وإضافة القضية الحقوقية! وهي في واقع الأمر، سعت إلى الالتفاف على كل لاءات المغرب التي وضعها، ومعايير التوجه نحو الحل، التي حددها الملك غير ما مرة!
في المقابل تبنى مجلس الأمن، هذه اللاءات المغربية، بل يمكن القول إن القرار جعلها لاءاته هو، عبر التنصيص على مضامينها في قراره. ونحن نشير هنا إلى : لا عملية سياسية خارج إطار الموائد المستديرة التي حددتها الأممالمتحدة، بمشاركة كاملة من الجزائر. لا حل خارج إطار المبادرة المغربية للحكم الذاتي. لا عملية سياسية جدية في وقت ينتهك وقف إطلاق النار يوميا من قبل مليشيات البوليساريو. وفي هذا السياق جاء القرار لكي يشدد على الموائد المستديرة، كما تم العمل بها في جنيف منذ أربع سنوات، منذ أيام المبعوث الألماني كوهلر.. كما أكد قرار مجلس الأمن على الأفق الممكن الوحيد للحل، وهو الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سواء بتأكيد سموه أو بتكريسه وللسنة ال17 على التوالي: باعتباره الحل الجاد وذي المصداقية. الأساس الوحيد والأوحد للتفاوض بشأن حل سياسي للنزاع الإقليمي. الأخذ بعين الاعتبار الدينامية والزخم الدوليين لفائدة المبادرة المغربية للحكم الذاتي، والبناء عليها. وتبنى مجلس الأمن ثالث لاءات المغرب، التي تربط بين المسلسل السياسي وخرق وقف إطلاق النار من طرف المليشيات المسلحة، والذي سبق أن أبلغه إلى السيد ستيفان ديميستورا! وجاد ذلك لأول مرة، حسب تقدير السفير الدائم في الأممالمتحدة، الذي صرح عقب جلسة مجلس الأمن إنه" لأول مرة يدرج مجلس الأمن رابطا مباشرا بين إعادة إطلاق العملية السياسية واحترام وقف إطلاق النار". وفي الواقع، لقد نزع مجلس الأمن ورقة التوت الأخيرة عن الجزائر في نظرنا، حيث كانت تسعى إلى إيهام العالم بأن السلام في خطر في المنطقة، وبالتالي تدفع نحو تعطيل، إن لم نقل، تعليق المسلسل السياسي الذي يورطها. ما حدث هو أن الجزائر فشلت في إعادة الملف إلى ما قبل الحكم الذاتي، وفي تفكيك المنظومة التي أرساها المغرب طوال ربع قرن من العهد الجديد، بفضل "الانتقال من التدبير إلى التغيير"، في وقت تبنَّى فيه مجلس الأمن لاءات المغرب الثلاث!