سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أرقام الموقوفين وقضايا المتابعين تؤكد اتساع دائرتها خاصة في المدن الكبرى : شوارع الدارالبيضاء تتحول إلى سوق ل «تجارة التسول» يستغلّ فيه الرضع والأطفال و «العاهات»
تعيش العديد من المدن الكبرى تحديدا، ومنها الدارالبيضاء، حالة فوضى عارمة ارتفعت حدّتها بشكل لافت للانتباه منذ حلول شهر رمضان الأبرك، والتي تتمثل في غزو واحتلال أشخاص من فئات عمرية مختلفة، ذكورا وإناثا، مغاربة وأجانب، للملتقيات الطرقية والإشارات الضوئية والأرصفة أمام مختلف المرافق الكبرى، لاسيما التجارية منها، من أجل التسول تحت مسميات متعددة وبأشكال وصيغ مختلفة؟ متسولون، منهم من يعاني من إعاقة معينة فعلا، ومنهم من «يصطنعها» من أجل استدرار العطف، بعضهم يستجدي المال بشكل مباشر، والبعض الآخر يحمل علب المناديل الورقية، أو قنينات من الماء الممزوج بمواد مجهولة، ما أن تتوقف سيارة في إشارة ضوئية حتى يقوم بشكل سريع برش بعض من محتواها على واجهة الزجاجة الواقية الأمامية ثم ينتقل لاستعمال «كرّاطة» صغيرة غير مبال برفض أصحاب السيارات والسائقين لهذه الخطوة، الأمر الذي قد يؤدي في العديد من الحالات لمشاحنات ومشاداة، خاصة من طرف أشخاص تظهر عليهم علامات «التخدير»، فضلا عن الذين يطوفون بأكسسوارات بسيطة يمكن استعمالها داخل المركبات، التي يتم حث أصحابها على اقتنائها وحين الرفض يتحول «البائع» إلى متسول لا يخفي رغبته في الحصول على بعض النقود ك «صدقة»! توسل بصيغ متعددة، فكل الوسائل مستباحة لاستدرار العطف على متن حافلات النقل، وفي المحطات المختلفة، والأسواق الشعبية، والمتاجر الكبرى، والمخابز، وفي جلّ شوارع الدارالبيضاء، كما في درب السلطان نموذجا، بزنقة إفني، وشارع أبي شعيب الدكالي، وشارع موديبوكيتا، و 2 مارس، والفداء، وغيرها من شوارع باقي عمالات المقاطعات في آنفا وعين الشق والمعاريف …، التي باتت معظم إشاراتها الضوئية محتلّة بشكل يطرح أكثر من علامة استفهام حول أسباب «تعطيل» مهام وتدخلات من يُفترض فيهم مواجهة هذه الظاهرة القبيحة، بالنظر إلى أن العديد من الأشخاص الذين يعانون الهشاشة ومن هم في حاجة حقّا، لا يقدمون على هذه الممارسة التي كانت مصدر اغتناء للعديدين. متسولون يعتمدون في «نشاطهم» هذا على العكاكيز، والكراسي المتحركة، والرضع، والأطفال، ويشهرون علب أدوية لا يعي الكثير منهم دواعي استعمالها، بشكل حوّل هذه الملتقيات والتقاطعات إلى فضاء لتجمع متسولين مغاربة وغيرهم ممن يحملون جوازات سفر ويافطات تشير إلى أنهم من «عابري السبيل»، الذين فروا من ويلات الحرب وغيرها، إلى جانب فئة أخرى تتعلق بالمهاجرين المنحدرين من دول جنوب الصحراء، وهو الأمر الذي يؤدي إلى احتدام «المنافسة» والسباق بكل «قوة» في كثير من الحالات من أجل الظفر بدراهم المواطنين. وضعية ازدادت رقعتها تمددا وحدّتها اتساعا، بشكل يؤكد على أن عدد المتسولين تجاوز بأضعاف كبيرة الرقم الذي جاء به البحث الوطني الذي تم القيام به في 2007 حول ظاهرة التسول، والذي توقف آنذاك عند رقم 200 ألف متسول ومتسولة، بحيث لم تُسعف السياسات التي تم تسطيرها والجهود التي تم بذلها، من خلال وحدات المساعدة الاجتماعية، وعبر المراكز التي تم إحداثها بهدف «استقبال المتسولين» و»إيواء المشردين»، وبرامج الدعم المختلفة، من الحدّ من أعداد المتسولين، شأنها في ذلك شأن الترسانة القانونية الموجودة. وتؤكد الأرقام المتعلقة بالمتسولين الموقوفين وبقضايا متابعة العديد منهم هذا المدّ التصاعدي ل «محترفي» هذه «المهنة»، والتي كشف عنها آخر تقرير للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الذي أوضح بأن عدد القضايا المتعلقة بجنحة التسول انتقلت من 4776 قضية في 2017 إلى 9294 في 2018 ثم انخفضت خلال فترة الجائحة الوبائية لكوفيد 19، بحيث تراجعت في 2020 إلى 6128 قضية ثم انتقلت مرة أخرى في 2021 إلى 8598، بينما بلغ في هذه السنة عدد المتابعين في هذه القضايا عشرة آلاف و 899 شخصا. ارتفاع أكدته أرقام المديرية العامة للأمن الوطني كذلك، التي أشارت إلى أن عدد الموقوفين من قبل مصالحها في إطار محاربة التسول، بلغ في 2020 ما مجموعه 12590 موقوفا، وانتقل العدد إلى 28597 شخصا في 2021، ثم بلغ 44260 موقوفا وموقوفة سنة 2022. ورغم أن عدد الموقوفين كان مرتفعا بناء على الأرقام المدلى بها، فإن اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي ومتابعة الموقوفين، تبين على أنها لا تكون إلا عندما يتعلق الأمر بممارسة التسول المقترنة باستعمال العنف أو حمل السلاح الأبيض أو تعاطي المخدرات أو في حالات خطيرة أخرى مختلفة. وعلاقة بنفس الموضوع، كانت رئاسة النيابة العامة قد كشفت من خلال معطيات تهم سنة 2022، أن قرابة الأمومة تحتل المرتبة الأولى ضمن المتابعين في جرائم استغلال الأطفال في التسول بنسبة 50 في المئة، في حين بلغت نسبة الحالات التي تم فيها اعتماد التسول على أطفال في غياب أية قرابة 18 في المئة، ثم جاءت قرابة الأبوة في المرتبة الثالثة بنسبة 9 في المئة. وتكشف هذه الأرقام والمعطيات عن حجم الظاهرة، وعن استمرار وحضور الأعطاب التنموية المتعددة التي لا تزال ترخي بتبعاتها على فئات معينة من المواطنين، الذين تهدر كرامتهم، وهو ما جعل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي يوصي بتشديد العقوبات على استغلال الأطفال والمسنين والنساء وذوي الإعاقة في التسول ويؤكد على أهمية تحسين فعالية برامج التكفل الاجتماعي بالفئات الهشة.