شارك محمد القنور . عدسة : محمد سماع . متسولات منقبات وأخريات محجبات إخترن أماكن شبه قارة أمام أبواب المساجد في مراكش وفي بعض الأزقة المنزوية على تراب مقاطعة جليز، وأمام المخبزات والدكاكين، بعضهن يوجدن ببعض هذه الأماكن منذ الصباح الباكر عند خروج الناس إلى أعمالهم، والبعض ما يكاد ينتصف النهار حتى ينتشرن متدثرات بلون السواد أو الرمادي الغامق أو البني.. تحمل بعضهن على ظهورهن أطفالهن، فيما يفضل البعض منهن ضم الوليد إلى صدورهن. أما البعض منهن فيحلو لهن الجلوس أرضا على أبواب العمارات وقرب لمساجد في جليز وترك أطفالهن يلعبون بجانبهن . يفترشن الأرض وتضع الغالبية منهن أوراق معاناتهن أو معاناة أزواجهن أو أحد أطفالهن بمرض مزمن، لا يعرفن لغة إلا الاستجداء بشتى العبارات والوسائل للحصول على الدراهم.. هذا، وقد تعمد بعضهن إلى تغيير الأطفال بين مناسبة وأخرى، وهذا ما يثير العديد من التساؤلات من طرف فعاليات المجتمع المدني المهتمة بقضايا حقوق الطفل، رغم أنهن يؤكدن أنهم أطفالهن ومضطرات لاصطحابهم ل "ممارسة السعاية". "الله يخلي ليك ما عزيز عليك …" و"الله يصاوب ليك…. " و"الله يعطيك الخير.. صدقة لله".. و"الله يدير ليك شي تاويل الخير.." بهذه العبارة أخذت شابة في العشرينيات من عمرها تستجدي المارة، ورواد المقاهي بمركب عمارات الأحباس بباب دكالة ، كل واحد توجه له عبارة مختلفة عن العبارة التي وجهتها للشخص الذي سبق أن مر أمامها. ترتدي جلبابا باليا وحذاء يشير إلى حاجتها لدرهم واحد. وتحتضن وليدا يظهر منه وجهه فقط، حيث لا تعرف طريقا للقمة العيش غير التسول، فوالدتها كما تصرح ل "مراكش بريس" أدخلتها إلى عالم التسول من أوسع أبوابه عندما كان عمرها سنتين! وقبل أن يتعود المارة على رؤيتها وهي تستجدي الناس بمركب عمارات الأحباس بباب دكالة في مراكش، ظلت وحدها لفترة طويلة، لكن هاهي اليوم تتسول المارة وتتجول بين المقاهي والمطاعم وهي تحتضن طفلا، الشيء الذي عادة ما يؤدي إلى تعاطف البعض من المارة مع وضعها، حيث يقدمون لها بعض الدراهم، بالرغم من أن البعض اعتبر الأمر مجرد حيلة للتعاطف معها وتقديم المساعدة إليها. خصوصا أن الأشخاص الذين تعودوا أن يرتادوا المقاهي المنتشرة على مدار المنطقة، أو أن يمروا من المكان نفسه كل يوم تقريبا، تساءلوا متى تزوجت هذه الشابة ومتى وضعت مولودها ولم تظهر عليها آثار حمل في يوم من الأيام!؟ التسول من السلف للخلف في سياق متصل بنفس ظاهرة، المتسولات المحجبات ، فإن عشرون درهما ، تصدقت بها "مراكش بريس " كانت كافية بأن تسرد هذه الشابة المنقبة حكاية الهدف منها لا محالة استدرار العطف، وبالتالي منحها المال. إنها عائشة، شابة تقطن بغرفة في فندق بباب الخميس على تراب مقاطعة مراكشالمدينة ، بمعية طفلها ، وحسب روايتها، تقول إنها لا تعرف عملا إلا التسول، فمنذ أن فتحت عينيها على الدنيا وهي تستجدي المارة بمعية والدتها، التي أخذتها إلى الشارع لأول مرة وكانت تصطحبها معها إلى ركن بزاوية بمنطقة الحارة في باب دكالة بمراكش، وهو المكان نفسه الذي أصبحت تستجدي فيه المارة. وتوضح عائشة ، أنها تعرضت لاعتداء جنسي من طرف مجموعة من الأشخاص المنحرفين ، في الحديقة المجاورة لساحة باب دكالة ، منذ عشر سنوات تقريبا فنتج عنه حمل، ولأن والدتها التي توفيت قبل سنتين كانت مقعدة، فقد اتخذت مكانا آخر للتسول، حيث اضطرت أن تأخذ ابنها معها عند خروجها من غرفتها كل صباح. وإذا كانت عائشة حسب ما تقول إنها مضطرة لاصطحاب ابنها معها كل صباح، فإن خدوج تتسول الناس مستغلة في ذلك أطفالا يعانون من عاهات مستديمة، تقول إنهم أطفالها، لكن زوار قيساريات شارع الأمراء بجامع الفنا في مراكش ، خصوصا المعتادين على زيارتها المكان بانتظام يستغربون كونها أنجبت ثلاثة أطفال جميعهم يعانون من عاهات. خدوج امرأة في عقدها الخامس، معروفة بشارع الأمراء، لكونها لا تغير مكانها تقريبا، فهي تفضل أن توجد في قلب هذا الشارع الذي يعج بالمارة والمتسوقين والسياح ليل نهار، على أن تغيره نحو وجهة أخرى. إذ تتميز خدوج بتغيير الأطفال الذين تستغلهم للتسول، فمرة تصطحب معها "طيطيف"، ومرة أخرى تصطحب "فدوى" وأخرى "جليل" وهكذا... تقول إنهم أبناؤها. وقد شاءت الصدف أن يعانوا جميعهم من عاهات مستديمة، لكن المقربين من خدوج يقولون إنها تكتري الأطفال من أشخاص فقراء يقطنون بمنطقة الماسي قرب عين إيطي بالنخيل، ومرة من سيدة بفندق في حي الملاح، في حين تقطن خدوج حسب تصريحات بإحدى دروب قبور الشهداء بمراكش العتيقة، إذ تأخذ الطفل من أهله في الصباح الباكر مقابل خمسين درهما، بمعنى أن دخلها أكبر بكثير من خمسين درهما، لكنها تقول إن دخلها لا يتجاوز خمسين درهما في اليوم. متسولات أشكال وعاهات بعض هؤلاء المتسولات المنقبات ، اخترن أماكن شبه قارة أمام أبواب المساجد بحي المسيرة، وحي أزلي وفي بعض الأزقة بجليز التي تعج بالمطاعم والمقاهي وبعض وكالات الأسفار والفنادق ، وأمام المخبزات والدكاكين، بعضهن يوجدن ببعض هذه الأماكن منذ الصباح الباكر، في إنتظار ساعات الدروة، و خروج الناس إلى أعمالهم، والبعض ما يكاد ينتصف النهار حتى ينتشرن متدثرات بلون السواد أو الرمادي الداكن أو البني.. إذ يحمل بعضهن على ظهورهن أطفالا، فيما يفضل البعض الآخر ضم الوليد إلى صدورهن. أما الصنف الثالث فيحلو لهن الجلوس أرضا وترك أطفالهن يلعبون بجانبهن . يفترشن الأرض وتضع الغالبية منهن ملفات طبية أو دفتر الحالة المدنية وأوراق معاناتهن أو معاناة أزواجهن أو أحد أطفالهن بمرض مزمن، خصوصا قرب الأزقة المؤدية لمستشفى إبن طفيل، أو عند مدخل حي سيدي ميمون في إتجاه مستشفى المامونية ، لا يعرفن لغة إلا الاستجداء بشتى العبارات والوسائل والتمظهرات للحصول على الدراهم. ولأنهن لا يغيرن أماكنهن تقريبا فإنه يسهل على المرء التوقف على شيئين مميزين فيهن، تغيير الأطفال الذين يتسولون بهم، وارتداؤهن النقاب لإخفاء معالم وجوههن، لكي لا يتعرف عليهن أحد من العابرين بالقرب من مجالسهن أو من المتصدقين عليهن. عنف وقهر موجه للأطفال أحياء عديدة سواء كانت شعبية أو راقية، لا يخلو مكان تقريبا في مراكش بشكل عام من متسولات منقبات، وأكثر المتسولين نساء، إذ عادة ما تتسول المرأة بطفل أو أكثر، بحيث يبدو مشهد التسول بالأطفال مشهدا متكررا في أماكن مختلفة وعديدة، من أبواب المساجد إلى وكالات الأبناك، ومن محطات ضخ البنزين إلى المقاهي والأسواق ، لتغزو الظاهرة بشكل ملحوظ، التقاطعات الطرقية و جنبات إشارات المرور، حيث أصبح من المألوف مشاهدة امرأة منقبة تخفي معالم وجهها ، وهي تتسول بطفل، وقد لا يحرك المشهد ساكنا لدى من ينظر سواء عاطفيا أو حتى من ناحية الاعتداء على طفولة ذلك الطفل الضحية البريء . وهو المشهد الذي يخفي وراءه رغبة المتسولة في استعطاف الناس، بل إنه يتم تسخيره من أجل ذلك لتحصيل أكبر قدر من الدراهم. وعليه ، فإن قضاء الطفل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة صيفا أو تحت رحمة البرد القارس في مراكش خلال هذه الأيام ، متنقلا بين الشوارع والأسواق وإشارات المرور يفقده الإحساس بإنسانيته. هذه المرة، فالمكان قرب السوق الممتاز الشهير في اتجاه تجزئة السعادة وتجزئة الشرف بمراكش، توقفت "مراكش بريس " قرب امرأة منقبة بطريقة "الجلباب والنقاب" المغربية في الأربعين من عمرها تقريبا تحمل طفلا على ظهرها، في حين تضع طفلا آخر على ذراعها اليسرى، وتمد يدها اليمنى لطلب الصدقات من زبناء السوق الممتاز، ومن مرتادي المحلات التجارية المواجهة له على الطريق المؤدية لتجزئة السعادة ، وحتى من سائقي السيارات المتوقفة أمام الشارات الضوئية .. حيث أكدت ل "مراكش بريس " أنها تسكن بدوار الكدية القريب من المنطقة، وأنها تستأجر الأطفال الصغار من ذويهم الفقراء في الدوار وفي الدواوير المجاورة كدوار الخليفة أبريك ودوار بو لغرايب مقابل مبلغ يومي يتغير حسب الأيام، ، إذ أن الخمسة أيام الأولى من الأسبوع لها ثمنها، ويومي السبت والأحد ، وخلال الأعياد الوطنية والدينية يكون المبلغ أقل ، حيث تأخذهم بالنهار وترجعهم إلى بيوتهم بالليل، إلى أن يكبروا، ومن ثمة تبحث عن أطفال آخرين. هذا السر لم تبح به إلا بعد أن طلبت عشرين درهما من "مراكش بريس " قبل أن تدسها في جيب جلبابها القاتم حجاب لإخفاء السن والمعالم تتبعت "مراكش بريس " خلال إعداد هذا التحقيق ، متسولة كانت تجلس بشكل مستديم بجانب مسجد جليز القريب والمحادي للكنيسة بالحي الشتوي في مراكش، وعندما سقط عن وجهها النقاب الذي كانت تتخفى وراءه ، ظهرت امرأة في الستين من عمرها أو أكثر، ومع ذلك فإنها كانت تتسول بطفلين لا يتجاوز الأكبر منهما أربع سنوات، مشهد أثار انتباه بعض المارة، خصوصا أن المتسولة حاولت أن تشد النقاب مجددا على وجهها، لكن استعصى عليها الأمر قبل أن تصوب الوضع. في سياق متصل، أفاد حارس السيارات بالمنطقة المذكورة، أن هذه المتسولة لا تبارح مكانها تقريبا إلا في الساعات الأولى من مساء كل يوم ، بعد صلاة العشاء ، وبعد أن يخلو محيط المسجد من مرتادي المطاعم المجاورة ، وهي تغير بين الفينة والأخرى الأطفال الذين تستغلهم في التسول. بالنسبة للحارس فالأمر عاد، مادام يسمع باستمرار عن عائلات توافق على اصطحاب أبنائها في عملية التسول مقابل بعض الدراهم كل يوم، وأن هناك أمهات عازبات تخلين عن أبنائهن في ظروف معينة، وكفلتهم أسر تعمد الآن على الاستثمار فيهم بكرائهم للمتسولين مثلا. إلى ذلك، فإن المخاوف عند المهتمين بموضوع استغلال الأطفال في التسول بمراكش، لا تقتصر فقط على استخدام الأطفال، بل إنها تمتد إلى إمكانية بروز ظواهر وجرائم أخلاقية واقتصادية تحت غطاء التسول. "ولد الطلاب طلاب" سعيد طفل يبلغ عشر سنوات، ليس بينه وبين السعادة سوى الخير والإحسان، أصبح محترفا في عالم التسول، فهذا الطفل المعروف بساحة جامع الفنا، خصوصا لدى أصحاب جلسات الأكل وباعة "السندويتشات" والأطعمة الجاهزة، كان يدفع والدته بكرسيها المتحرك وعمره لا يتجاوز خمس سنوات، الآن أصبح هذا الطفل المرافق الأول لكل شخص متسول سواء كان يعاني من عاهة أو يدعي ذلك، فزبنائه خصوصا من النساء ، ممن يناولنه مقابل صحبتهن أجر يومي يتجاوز الخمسين درهما في بعض الأحيان، في حين له الحق الكامل فيما يحصل عليه من المارة. وعلى ما يبدو فإن سعيد واحد من الأطفال المتسولين بذاتهم، وهم فئة من الأطفال تدفعهم عادات أو سلوكيات اجتماعية اكتسبوها في إطار الأسرة، أو بأي من الوسائل المتاحة في عالمهم، نحو التسول، وهي فئة قابلة لاشتداد العود في التسول، حسب المهتمين، إذا اتخذت حيالها الطرق التربوية والتقويمية العادية كلما كانت الحالة في بدايتها. ف "ابن الطلاب طلاب" كما يقول بعض باعة المأكولات بساحة جامع الفنا ل "مراكش بريس " ، فالتقليد واتباع العادات السيئة، لا سيما تلك التي ستحقق الكثير من المكاسب المادية طبيعة بشرية، خصوصا إذا كان الشخص يعرف أنه لن يتعب كثيرا في الحصول على المال. حيث سيكون أدعى للتقليد، بما يساهم في صناعة فئات وأجيال متعددة من المتسولين الصغار والكبار في مراكش، من المتطلعين لتحقيق المكاسب المادية بدون عناء أو مجهودات. للأسف، فإن إستفحال الظاهرة بمراكش، من المنتظر أن يساهم في إنتاج جيل آخر ، حيث أن أغلب هؤلاء الأطفال المتسولين الصغار فتحوا أعينهم بين ذراعي امرأة تستجدي المارة في الشارع بعيدا عن مقاعد فصول الدراسة في المدرسة. وتبقى ظاهرة المتسولات المنقبات والمحجبات ، وأساليب مد أياديهن واستجدائهن للناس وشكل لباسهم المستدر للعواطف عبر إظهار التدين والحشمة والوقار، والمبالغة في إظهار عاهاتهم، وعاهات الأطفال الذين يستخدمونهن كلها قواعد اكتسبوها طيلة سنوات بالممارسة في الشارع المراكشي مذ كانوا أداة للتسول وقبل أن يتحولوا مع مرور الوقت إلى "محترفين". شارك