تكتسي الكتابة حول تاريخ الجنوب المغربي دورا مهما في إغناء المكتبة التاريخية المغربية، نظرا لأهمية هذا المجال في فهم واستيعاب العلاقة بين المركز والهامش ، أي العلاقة بين السلطة المركزية والقبائل وتمكننا دراسة هذه العلاقة بشكل يستجيب والموضوعية التاريخية إمكانية كتابة التاريخ من أسفل. ولعل ما كُتب حول الجنوب المغربي لا يغطي متطلبات الباحثين من مختلف مشارب المعرفة الانسانية، بمن فيهم المؤرخين الذين وجدوا صعوبات ما تزال قائمة لصياغة مونوغرافيات مركبة تتماشى والتوجه الجديد في الكتابة التاريخية الجديدة والتي تركز على التاريخ الاجتماعي والاقتصادي وتاريخ الذهنيات وتاريخ المهمشين أو المسكوت عنهم في الكتابة التاريخية. لا يمكن الحديث عن الإمارة السملالية بسوس الأقصى دون استحضار اسم أكاديمية وازن في الساحة التاريخية؛ ويتعلق الأمر بالأستاذة الباحثة المقتدرة خديجة الراجي التي يعود لها الفضل الكبير في استقراء الإرث السملالي قراءة متفحصة من وجهة نظر تاريخية؛ وتعد هذه الباحثة، وبحق، من الرعيل الثالث الذي فضل الاشتغال على المونوغرافيات والسير هذه الأخيرة بدأت منذ ستينيات القرن الماضي تستهوي الأنثربولوجيين الانكلوساكسيون الذين فضلوا كتابة التاريخ انطلاقا من نموذج السير؛ مثل أرنست غلنر، و ديل إكلمان، وكيرفورد غيرتز، ومن المغاربة الأنثربولوجيين-المؤرخين أمثال، عبد الأحد السبتي، محمد الطوزي، حسن رشيق، والجيلالي العدناني، ورحال بوبريك، ولطفي بوشنتوف، غير أن القراءة اليقظة والمتأنية لأطروحة الأكادمية المغربية خديجة الراجي تجعلنا وبحق نحسم مسألة السبق لخوض غمار البحث في تجربة سيدي أحماد اوموسى الجد المؤسس للإمارة السملالية، والتي ستلعب دورا مهما في سيرورة أحداث سوس خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. في عز شبابها التحقت خديجة الراجي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر للتدريس بشعبة التاريخ آتية من معهد الدراسات الإفريقة بعد إنجازها لأطروحة جامعية حول سيرة أحمد بن موسى السملالي أو سيدي احماد أوموسى كما هو معروف لدى ساكنة سوس، ويعود لها الفضل الكبير في دعم الشعبة وتنشيطها إلى جانب زملائها إذ بقيت على نفس المنوال إلى أن لمع نجمها عند اعتماد ماستر تاريخ الجنوب المغربي وتدريسها به؛ حينها كانت الخزانة المغربية شبه خالية من مادة سوس والجنوب المغربي اللهم إذا استثنينا ما أنجزه الأجانب والباحثين المغاربة من الرعيل الأول والثاني مثل الأستاذ المحمدي والأستاذ حمام وعمر أفا… فالعديد من الطلبة لم يكتشفوا دار إيليغ والزاوية السملالية إلا مع هذه الباحثة التي نظمت رحلة ثقافية إلى الدار والجوار مما خلق لدى الباحثين جوا من حب استطلاع هذا المجال البكر الذي لعب دورا كبيرا في السيرورة التاريخية خلال اقرنين 18 و19. كما أسهمت الباحثة في التعريف بسوس من خلال إشرافها على عدة أطاريح جامعية، إذ تعد من الأوائل الذين استنطقوا وثائق دار إيليغ واعتمدوها لتفسير الأحداث أو كرامات الولي الصالح التي خلقت جدالا واسعا في المغرب خلال فترة انتقال السلطة. وبعدما كان بحثها غير متاح للجميع أصبح اليوم أول كتاب الكتروني تعتمده كلية الآداب والعلوم الإنسانية ابن زهر وتم ذلك فعلا خلال سنة 2020 . كما تعد واحدة من الذين انجزوا مقالات محمكة نشرت في عدة مجلات محكمة دون أن يطبعها التكرار. تعد أطروحة خديجة الراجي حول الزاوية السملالية نموذجا ناجحا حول التاريخ الديني المغربي، ومحاولة جريئة لكتابة التاريخ من أسفل، وتطبيقا منهجيا محكما لمنهج للتاريخ الجديد الذي يعتمد إماطة اللثام عن المهمشين، والمسكوت عنهم في الكتابة التاريخية. وبخوضها تجربة النبش في سيرة ولي صالح تعود جذوره إلى القرن السادس عشر الميلادي فإن إشكالية المادة المصدرية ستطرح لا محالة صعوبة الوصول إلى منافذها، وإشكالية لاستنطاق مظانها علما أن البحث في سيرة الشيخ يكتنفه الغموض في عدة من جوانبه الحقيقية والأسطورية. يبدو نجاح الأكاديمية المغربية خديجة الراجي مبهرا وهي تعود لتحليل المنقبات باعتبارها الحلقة المفقودة في جل الدراسات التي انطلقت من نموذج سيدي احماد أوموسى؛ فنحن في العصر السعدي الذي شهد ميلاد عدة زوايا وبالتالي فنتائج البحث يجب أن تكون مبنية على الوصول إلى الأسباب التي جعلت نموذج سيدي أحماد أوموسى مختلفا تماما عن باقي النماذج الصوفية التي ذاع سيطها خلال هذه الفترة. وتجزم الباحثة تواضعا منها على أن بحثها الذي يهم النصف الأول من القرن السادس عشر هو بداية لفتح آفاق البحث في هذه السيرة أو الزاوية، وفهم أدوارها التي ستتخذ أبعادا مختلفة وبخاصة خلال القرنين 18 و19.