خصصت جريدة "النهج الديمقراطي " عددها 540 لانتفاضة يناير 84 عبر ملف يحتوي مقالين وشهادة وحوار. وما كتب باستثناء شهادة من تاماسينت ومقال من ضحية من ضحايا الانتفاضة، فما تبقى، أي مقال المصطفى براهمة الكاتب الوطني السابق للنهج الديمقراطي وحوار مع أحد أعضاء اللجنة المركزية للنهج الديمقراطي يحتويان مغالطات كبيرة تخص الانتفاضة ودعاية حزبية ضيقة مخالفة للوقائع كما جرت، تريد القول إن منظمة "إلى الأمام" هي التي نظمت وأطرت الانتفاضة، وإن السجون امتلأت بمناضلي "إلى الأمام" والقاعديين، ولا يذكر أي تيار أو حزب آخر طالته حملة القمع التي شنها النظام في مواجهته للانتفاضة، مثل الاتحاد الاشتراكي ويساره الذي عرف وقتها برفاق الشهداء وحزب التقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي ونقابتي الاتحاد المغربي للشغل والكنفدرالية الديمقراطية للشغل وعدد من مسؤولي الجمعيات الثقافية والأندية السينمائية. ولا ننفي هنا المساهمة السياسية والأيديولوجية لمنظمة "إلى الأمام" وعدد من التيارات اليسارية السياسية والنقابية في تشكيل الوعي المنتفض، وذلك يختلف كثيرا عن القول إن التنظيم الفولاني نظم وأطر الانتفاضة. في البدء، أحيي الروح الموضوعية التي اعتمدها الطاهر الدريدي في مقاله، وأبدي ملاحظاتي مع ما يقتضيه النقاش من تقدير واحترام واجب لصاحب المقال موضوع الاختلاف الكاتب الوطني السابق للنهج الديمقراطي المصطفى براهمة: جاء في النقطة الثانية من المقال: " أما القوى الثورية فكانت إلى هذا الحد أو ذاك وبشكل مباشر أو غير مباشر مرتبطة بها (أي بالانتفاضة)، وحاولت تأطيرها، ومنها منظمة إلى الأمام الماركسية اللينينة" " وانضمت إليها مدن أخرى، واكبها مناضلو "إلى الأمام" وانخرطوا فيها بتطوان وأيضا بالقصر الكبير وأصيلا،..". هناك غموض كبير في الفقرة التالية، فكيف يمكن تنظيم الانتفاضة عبر الارتباط بها بشكل مباشر أو غير مباشر، أو بمحاولة تأطيرها أو مواكبة وانخراط مناضلي "إلى الأمام" فيها؟ إن ما سبق يؤكد أن مناضلي "إلى الأمام" لم ينظموا مظاهرات الانتفاضة، وإنما واكبوها بعد اندلاعها وانخرطوا فيها في تطوانوالقصر الكبير وأصيلا، وليس الناظوروالحسيمةوبركان، أي منطقة الشمال والشمال الشرقي، والذي اشتعلت فيها الانتفاضة لهيبا حارقا خلف عشرات الشهداء والمعتقلين. 2- الغريب أنه يبدو وكأن الرفيق براهمة صدق الخطاب المعروف بخطاب "الأوباش"، الذي كان هدفه نفي المسؤولية عن الدولة في الانفجار العفوي الذي عرفته البلاد، عندما حمل المسؤولية لإسرائيل وإيران والإسلاميين والماركسيين اللينينيين، وكما سماه الدريدي في مقاله الموجود في نفس العدد بالخليط. 3- جاء في المقال" …وقد لعب مناضلون متعاطفون مع "إلى الأمام" دورا كبيرا، حيث تميزت انتفاضة يناير بمراكش بإصدار بيان قوي باسم المنظمة.. إن بيان إلى الأمام الذي تحدث عنه الحسن الثاني نشر في مجلة إلى الأمام السرية، ولم يتجاوز نشره حدود باريس حيث توجد القاعدة الأساسية ل"إلى الأمام"، ولم يعرف له أثر في أزقة وشوارع مراكش إلا في خطاب الملك الذي أراد فقط نفي المسؤولية عن الدولة في ما جرى، ولا أحد من المعتقلين والمناضلين في مراكش ذكر أنه شاهد أو توصل ببيان لمنظمة إلى لأمام يوزع في المدينة. لقد كان هدف النظام كذلك من خلال ذكر "إلى الأمام" في خطابه جلب القوى السياسية إلى جانبه وتهديدها بذكر الإسلاميين والماركسيين كأعداء مشتركين للقوى السياسية والنظام. 4- إن انتفاضة يناير 84 لا تشبه الانتفاضات المغربية السابقة عنها فيما بعد الاستقلال بخلاف انتفاضة يونيو 81، والسبب هو أن انتفاضة 23 مارس 65 جاءت في إطار الصراع العنيف حول السلطة السياسية بين الحركة الاتحادية و النظام والذى انتهى في آخر انتفاضة مسلحة هي انتفاضة 3 مارس 73، أما انتفاضتي 20 يونيو ويناير 84 فجاءتا في مرحلة عرفت بمرحلة النضال الديمقراطي الجماهيري الذي اعتمده اليسار مباشرة بعد انتفاضة 3 مارس 73 من أجل التغيير الديمقراطي.، 5- إن كافة الانتفاضات التي عرفها المغرب ( 65، 81، 90 ) ارتبطت بالحركة الاتحادية وبنقاباتها، ويناير 84 ارتبطت بنهوض تيار قوي من الحركة الاتحادية، وجد النظام فرصة يناير لتصفيته من خلال حملة اعتقالات واسعة شملته في عدد من المناطق. 6- إن "إلى الأمام" لم يكن لها أي دور في هذه الانتفاضات، لأنها وبكل بساطة لم تكن تملك قواعد تنظيمية في المغرب، ربما بعض الأفراد مرتبطين بها إيديولوجيا ولا يملكون أي تنظيم خلوي، وذلك منذ تعرضها لحملة قمع شرسة في السبعينيات، ولا يمكن مطلقا اعتبار القاعديين قواعد تنظيمية لمنظمة "إلى الأمام." 7- إن الانتفاضة وقعت في مدن غير جامعية باستثناء مراكش ولا دور للطلاب فيها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن دور للقاعديين في تأطيرها وتنظيمها، كما جاء في مقال براهمة، بسبب عدم وجود القاعديين خارج أسوار الجامعة. 8-إن انتفاضة يناير 84 جرت في الشمال (القصرالكبير، تطوان، طنجة…) والشمال الشرقي ( الناظور، الحسيمةبركان، ازغنغان، زايو)، وفي هذه المنطقة لم تعرف منظمة "إلى الأمام" وجودا لها فيها منذ نشأتها، حيث عرفت المنطقة وجود حركة 23 مارس عند نشأة اليسار الجديد، واعتقلت خلية وحيدة في وجدة أعضاؤها من بركانوزايوووجدة عرفت باسم خلية الكرفاتي. ويمكننا أن نضيف بأنه لا يوجد معتقل واحد في تلك المدن من منظمة "إلى الأمام". 9- يعمل البراهمة جاهدا من أجل إقحام الدارالبيضاء في الانتفاضة ولا ندري السبب في ذلك، علما أن المدينة لم تشهد أي حدث يذكر وجاء في المقال إن مناضلي "إلى الأمام" قاموا بنقل الانتفاضة إليها، ولا ندري كيف يتم نقل الانتفاضة إليها: " وفي نفس الفترة كان مناضلو "إلى الأمام" مع العديد من المناضلين الثوريين يحاولون نقل الانتفاضة إلى مدينة الدارالبيضاء من خلال الإعلان عن مظاهرة انطلاقا من ساحة السراغنة مما أدى إلى إغلاق المحلات التجارية…" نكتفي بهذا القدر من الملاحظات، وسنضيف أخرى إن اقتضى الحال.