لقد فارقنا يوم 18 دجنبر مناضل صامد، مناضل كان يعانى منذ 24 سنة من مضاعفات الاعتقال المخزني التعسفي، و الإهمال الصحي، و تتجلى آخر ممارسة هذا الإهمال في عملية رمي كمال غاموس خارج مركز "النور" للترويض ببسكورة (قرب الدارالبيضاء) بعد رفض المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان تأدية "فاتورات" العلاج. المناضل كمال غاموس، المنحدر من أسرة فقيرة بالدارالبيضاء، من ابرز المناضلين الطلبة القاعديين بكلية العلوم بمدينة الرباط في بداية الثمانينات، اعتقل تعسفا اثر انتفاضات يناير 1984 و تعرض مثله في ذلك مثل العشرات المعتقلين، لأبشع التعذيب الجسدي و النفسي. خرج كمال من السجن و هو يحمل جراح القمع الهمجي، و أثار المعاملة المنحطة لكرامة الإنسان التي تتميز بها سلوكات مختلف أجهزة الدولة (داخل الكوميساريات، داخل المحاكم و داخل السجون). فمنذ خروجه من جهنم الاعتقال و هو يلازم الكرسي المتحرك مع معنوية عالية. رغم الشلل الذي أصيب به، كان كمال يشارك (بكرسيه المتحرك ) في مختلف مسيرات الدارالبيضاء لمساندة الشعبين الفلسطيني و العراقي، كان يتابع نضالات الجماهير الشعبية، و تطور الحركة الماركسية، و هو يتألم لكونه غير قادر على الفعل المباشر. يعتبر كمال غاموس من المناضلين الذين تبنوا قضايا الجماهير الشعبية عامة و قضايا الكادحين خاصة، من الشباب الذين تشبعوا بالفكر الشيوعي، من الشباب الذين يعتزون بانتمائهم الفكري، و إن لم يكن عضوي، للحركة الماركسية اللينينية المغربية. البعض من ذكريات اعتقالات يناير 1984 بالرباط بعد 10 سنوات من الاعتقال، خرجت من السجن يوم 17 يونيو 1982، و العديد من الأسئلة تحيط بي : ماذا بقي من المعارضة التقدمية الجذرية عامة و من الحركة الماركسية اللينينية المغربية خاصة؟ كنت أعرف أن النظام، و رغم كل المحاولات القمعية و رغم المحاولات التضليلية و التيئيسية التي كانت تقوم بها عدة جهات، لم يتمكن استئصال منظمة "إلى الأمام" لا فكريا ، و لا سياسيا و لا تنظيميا. زارني العديد من الشباب الحامل لهموم الجماهير، استدعيت لأنشط العديد من الندوات وسط القطاع الطلابي (المدرسة الوطنية للفلاحة للمهندسين بمكناس، كلية العلوم بالرباط،، المعهد الوطني للإحصاء و الاقتصاد التطبيقي، المعهد الوطني للزراعة...)، التحقت بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان و تعرفت مباشرة على أهم رموز النضال الحقوقي بالمغرب، المناضل عبر رحمن بنعمرو ، و على العديد من مناضلي يسار الحركة الاتحادية، و على العشرات من المناضلين المرتبطين بشكل أو بأخر بالحركة الماركسية اللينينية المغربية. لقد اكتشفت بفرح أن روح المقاومة لزالت مستمرة، و أن جيشا من الجيل الجديد عازم كل العزم على السير قدما في طريق الكفاح، و هذا رغم التشتت التنظيمي و العفوية في المواجهة. في يناير 1984 انتفضت الجماهير الشعبية ضد سياسات الدولة الاجتماعية و الاقتصادية، وقد استعملت الدولة مختلف أسالب القمع لمواجهة احتجاجات الجماهير السلمية، و سقطت العشرات من الضحايا (الناظور، تطوان، قصر الكبير...) و اعتقل المئات. انطلقت الاعتقالات بالرباط (رغم أنها لم تعرف انتفاضة شعبية) مع خطاب الحسن الثاني الذي حمل مسؤولية الأحداث لمنظمة "إلى الأمام " الماركسية اللينينية و لجماعة "العدل و الإحسان" الإسلامية. بعد 14 يوم من بداية الاعتقالات قدم العشرات من المعتقلين إلى وكيل الملك ثم زج بنا في سجن "لعلو" سيء الذكر. قضينا الليلة مكدسين كالسردين في مرقد (شونبري) بدون فراش و بدون غطاء . كنا 126 في ذلك المرقد. استحال علينا النوم . نسينا معاناتنا و قضينا ليلة "ممتعة" بفضل المناضلين عبد الخالق بنزكري، و محمد الصبار، عبد الرفيع السباعي، و عمر الزيدي، الذين أشبعونا "نكات" من كل الأنواع، و بفضل أناشيد المناضلين الطلبة. في اليوم الموالي قررنا القيم بالاعتصام في "الساحة" من أجل زنازين تتوفر على الحد الادنى من الضروريات. فعلا، ألحقتنا الإدارة ب"الحي العصري" و تفرقنا عن الزنازين. التقينا نحن مجموعة كبيرة في أكبر زنزانة في الحي، "الزنزانة رقم 13" المشهورة لدى جل المعتقلين السياسيين و النقابيين الذين سبق لهم أن "مروا" بسجن "لعلو". في هذه الظروف تعرفت عن قرب بالمناضل الصامد، الطالب كمال غاموس. كمال مناضل مسلح بالقيم النبيلة، قيم الشيوعيين المخلصين لقضايا الكادحين. كان هجوميا أكثر منا جميعا خلال محاكمتنا الصورية. لما تعرفت على كمال و أمثاله، اتضح لي أن ما يروج له داخل السجون ، و داخل الأوساط "المثقفة"، هو من صنع النظام ، من صنع قيادات الأحزاب البرجوازية المدجنة، و من ابتكار "المنظرين" الانهزاميين. وجدنا أمامنا مناضلين اتحاديين (عبد الرحمن بنعمرو، احمد بنجلون...) اعتقلتهم أجهزة الدولة خلال مايو 1983 بسبب مواقفهم المعارضة لمواقف المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الذي التحق بقاطرة النظام. و جدنا كذلك الشيخ عبد السلام ياسين مرشد جماعة "العدل و الإحسان" الذي اعتقل قبل يناير 1984. اعتقل رفاق بنعمرو بهدف إضعاف الجناح الصامد، المكافح، داخل الاتحاد الاشتراكي و لتعبيد الطريق أمام أمثال عبد الواحد الراضي (رمز امتداد القصر داخل الحركة الاتحادية منذ بداية الستينات) لركوب بشكل نهائي قطار المخزن. أعتقل عبد السلام ياسين و اطر جماعته لإضعاف المعارضة الإسلامية الراديكالية، و تعبيد الطريق أمام الدكتور الخطيب (رجل القصر) لجر صحبة بنكيران و أمثاله الاسلاميين إلى زاوية المخزن. كانت الزنزانة 13 عبارة عن قاعة للندوات المستمرة (ليلا و نهارا) تناقش فيها مختلف المواضيع: سياسية، اقتصادية، ثقافية، اجتماعية، فنية....ورغم اختلاف المقاربات في بعض القضايا، فان الجو ألرفاقي كان هو السائد بين المعتقلين. تذاكرت شخصيا مع الشيخ عبد السلام ياسين، و رغم اختلاف مرجعيتينا، و البدائل التي نطرحها، فان تشخيص الشيخ للوضع الكارثي السائد في المغرب، و مواقفه الراديكالية تجاه النظام المسؤول الأول على ما ألت اليه البلاد، و عدائه للامبريالية و الصهيونية لا يمكن إلا تقديرها. بعد 24 سنة على اعتقالات يناير 1984، فارقنا مناضل كبير لعبت تلك الاعتقالات دورا أساسيا في مرضه. ترك كمال غاموس ورائه عائلته الصغيرة، و عائلته الكبيرة. ترك ورائه رفاقه الحاملين لمشعل التغيير الثوري، و أصدقائه، قاعدي كلية العلوم بالرباط، و معتقلي سجن "لعلو" 1984 إن أغلب معتقلي سجن "لعلو" 1984، قدماء الزنزانة 13 مستمرون في نضالهم، كل واحد حسب قناعاته وكل واحد حسب موقعه الجديد. فقد أصبح احمد بنجلون قائدا لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي بعد الانسحاب من الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبة، و محمد مجاهد زعيما لحزب الاشتراكي الموحد، و لعزيز زعيما لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي، و عمر الزيدي زعيما لحزب الخضر اليساري، محمد الصبار رئيسا للمنتدى المغرب من أجل الحقيقة و الانصاف، عبد الغني الراقي كاتبا جهويا (المحمدية) لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي و أحد أعمدة ك.د.ش، و عبد الاله بنعبد السلام، و عبد الخالق بنزكري أعمدة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، و عبد الغني قباج عضوا في المكتب السياسي لحزب الاشتراكي الموحد، و كرين لبيض عضوا بالديوان السياسي لحزب التقدم و الاشتراكية، و سالك أحد قيادي حزب التقدم و الاشتراكية و أحد أعمدة الاتحاد المغربي للشغل، و المناضلة زينة اوبيهي عضوة نشيطة في "امنستي المغرب" و عضوة في مكتب فرع الرباط للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، و مصطفى خليد عضوا في اللجنة الوطنية للنهج الديمقراطي و كذالك علي فقير.... و هناك العشرات من قدماء معتقلي سجن "لعلو" – 1984 يتحملون مسؤوليات داخل الإطارات السياسية و النقابية و الجمعوية و الحقوقية المناضلة... رحلت عنا يا كمال، لكنك في قلوبنا ساكنا، و ذكرياتك لدين خالدة، و على طريق الشيوعية لسائرين