شهدت احتفالات فاتح ماي بفرنسا، تخليدا ليوم العمال، عمليات عنف واعتقالات سواء بالعاصمة باريس أو في العديد من المدن الفرنسية منها ليون، تولوز ونانت. وتظاهرت النقابات الفرنسية تحت شعار الوحدة في مواجهة إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، بعد أسبوعين من إصدار الرئيس إيمانويل ماكرون لهذا الإصلاح. وفي هذا اليوم الجديد من الاحتجاج ضد إصلاح نظام التقاعد، تظاهر حوالي 2,3 مليون شخص في جميع أنحاء البلاد، وفقا للاتحاد العام للعمال (سي جي تي). وكان عددهم 782 ألفا بحسب وزارة الداخلية. وفي العاصمة باريس، أحصى الاتحاد حوالي 550 ألف متظاهر، فيما أحصت ولاية الأمن 112 ألفا. ويبقى هذا الخلاف الكلاسيكي مستمرا بين إحصائيات الشرطة واحصائيات النقابات، ووفقا لتقييم مؤقت لوزارة الداخلية، تم اعتقال أكثر من 290 شخصا في فرنسا، من بينهم 68 في باريس لوحدها التي شهدت أعنف التظاهرات، وأصيب 108 من عناصر الشرطة والدرك أحدهم أصيب بحروق خطيرة. ويعود آخر استعراض موحد للنقابات الثماني الرئيسية إلى العام 2009، في مواجهة الأزمة المالية آنذاك، حيث نظمت مظاهرات مهمة بهذه المناسبة. وفي إطار التعبئة النقابية، تعطلت الحركة الجوية بشدة مع إلغاء 25 إلى 33 بالمائة من الرحلات الجوية في أكبر المطارات الفرنسية. ومنذ بدء الحركة الاحتجاجية ضد الإصلاح المذكور في يناير الماضي، خرج مئات الآلاف من الفرنسيين في مسيرات على مدى عدة أسابيع من المظاهرات، تخللتها أحيانا اشتباكات وأعمال عنف من قبل الشرطة، تندد بها المنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان التي اعتبرت أن عنف القوات العمومية مبالغ فيه، وهو ما جعل وزير الداخلية جيرار درمنان يهدد بوقف التمويل الذي تحصل عليه الرابطة الوطنية لحقوق الإنسان. ويمثل عيد العمال هذا العام، اليوم الثالث عشر من التحركات الوطنية الشاملة ضد إصلاح نظام التقاعد المثير للجدل، والذي لقي معارضة واسعة من شرائح مختلفة في المجتمع الفرنسي. وقوبل إصلاح ماكرون الذي ينص خصوصا على رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاما، باحتجاجات زادها غضبا قرار الرئيس منتصف أبريل تمرير التعديل بموجب آلية دستورية بدون طرحه على التصويت في الجمعية الوطنية لعدم توفره على أغلبية مؤيدة. ولا يزال الغضب حاضرا في الشارع كما في استطلاعات الرأي، التي تظهر تراجعا كبيرا في شعبية ماكرون، إلا أن مصادر الحكومة الفرنسية تبدو راغبة في الاقتناع بأن ذروة التحركات المناهضة لهذا الإصلاح باتت وراءها، وبأن تظاهرات فاتح ماي هي العد العكسي لهذه الحركة الاجتماعية القوية التي لم تشهدها فرنسا مند عقود. وفي خطاب بعيد إقرار إصلاح نظام التقاعد، تحدث الرئيس الفرنسي، عن مهلة «مئة يوم» للقيام بمشاريع جديدة والتهدئة بعد سلسلة تحركات احتجاجية في الأعوام الماضية وقدمت رئيسة الوزراء إليزابيت بورن الأسبوع الماضي، خريطة طريق لخطة التهدئة والتحركات من «مئة يوم»، تتضمن مجموعة واسعة من الإجراءات «الملموسة»، ليس بينها مشروع قانون للهجرة/ الذي تم تأجيله إلى الخريف المقبل، لتجنب المواضيع المثير للانقسام خاصة مع اليمين الجمهوري الذي يدعم بعض مشاريع الحكومة من مرة لأخرى، رغم وجوده في المعارضة. ودعت الحكومة النقابات للحوار من جديد، وهي نقطة تفرق النقابات، ومن شأنها أن تهدد الوحدة النقابية التي صمدت لأول مرة عدة شهور في مواجهة الحكومة وإصلاحها للتقاعد.