إن كان هناك من كلمة تلخص وضعية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون فهي: العزلة. تغوص أقدام الأول وحيدا، في وحل مشاكل تتكاثر يوما بعد يوم. شوارع تغلي ضد قراراته، وتدني شعبيته إلى مستوى قياسي وصل قبل أيام، حسب استطلاع للرأي نشرته الصحافة الفرنسية، إلى أن 70 بالمائة من الفرنسيين لا يثقون به. قطيعة مع الأحزاب والنقابات وبدون أغلبية برلمانية، وهو ينهي هذا الأسبوع سنته الأولى من ولايته الثانية...تفاقم سوء تدبيره لملفات استراتيجية، وأصبح يخبط خبط عشواء على صعيد الدبلوماسية خاصة في القارتين الأوروبية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، والإفريقية حيث تلفظه عاصمة تلو أخرى. أما القابع بقصر المرادية، والذي أتى به العسكر إلى الرئاسة قبل أربع سنوات فعزلته أشد قسوة من قاطن الإيليزيه. لا يتحرك إلا بأوامر جنرال الجيش سعيد شنقريحة، إلى درجة أنه لم يزر ولا ولاية واحدة منذ تنصيبه رئيسا. لا شرعية له وهو الذي رفضه الناخبون بالامتناع عن التصويت. برلمانه الذي تم طبخه على نار صناديق اقتراع خاوية في مجموع التراب الجزائري لا يتوفر سوى على أعضاء يصفقون على المشاريع التي تنزل عليهم من رئاسة تائهة وحكومة هشة أنهكتها التعديلات. ويبدو أن أوجه التشابه هذه وغيرها كثير في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، يبدو أنها تدفع الاثنين معا إلى البحث عن منشطات سياسية وإعلامية ترمي إلى فك العزلة وضخ نفس مهما كان زمنه وأينما كان مجاله. لذلك نرى هذا الإصرار على زيارة تبون إلى فرنسا، والتي تأجلت هذا الأسبوع بسبب ثقل المشاكل بين باريسوالجزائر. وهي المشاكل التي لم تزحزحها قيد أنملة زيارة ماكرون في غشت الماضي، وهو ما اعترف بفشلها حواران لكل منهما في يناير الماضي لجريدة «لوفيغارو» وأسبوعية «لوبوان». من بين أسباب فشل تلك الزيارة واحتمال نفس المصير للمقبلة إن كتب لها أن تحدث، الرهانات التي يسعى إليها كلا الرئيسين، ومنها أن تبون يسعى إلى مكاسب لدر رماد في أعين الناخبين، وهو ينتظر الضوء الأخضر من المؤسسة العسكرية لولاية ثانية، وماكرون الذي يضع نصب عينيه فتح السوق الجزائرية كمتنفس لمقاولات بلاده وصادراتها التي تعاني من انكماش وتراجع وتضخم يلتهم القدرة الشرائية للفرنسيين... والمشترك في هذه الرهانات وغيرها أنها تستند إلى منطق الابتزاز. فالجزائر المريضة بمرض «مغربفوبيا» تضع بين أوراق أي ملف يوجد ضمن جدول أعمال الزيارة قضية الصحراء المغربية، أي أن تصطف باريس إلى جانب أطروحتها المعادية للوحدة الترابية للمغرب، وأن تعمل على وقف المد الأوروبي المساند لمقترح المملكة المتعلق بحل قضية الصحراء. أما فرنسا التي تنحسر أدوارها في إفريقيا فتمني النفس بأن تكون البوابة الجزائرية تذكرة العودة إلى هذه القارة، وأن تضخ الجزائر جزءا أساسيا من عائدات المحروقات في سياسة ودبلوماسية تستهدف النجاحات المغربية في العديد من الدول الإفريقية، خاصة في مجالات الاقتصاد والاتصال والأبناك، وفي العلاقات الوطيدة التي بناها المغرب في هذه القارة... هناك مثل عربي يصدق على وضعية الرئيسين ويلخصها: «تشبث غريق بغريق». يغرق ماكرون في شوارع باريس والمدن الرئيسية التي ترفع شعار المطالبة باستقالته. أما تبون الذي دأب على بيع الوهم لشعبه والكذب عليه في كل حديث أو خطاب فإنه غريق حتى قبل المجيء به إلى قصر المرادية في دجنبر 2019. لذلك حتى وإن تمت الزيارة إلى باريس فإن مصيرها، ودون شك، سيكون مثل سابقتها: الفشل والأفق المسدود ليس إلا.