لا شك أن الدعم الذي خصص للعروض المسرحية والتنشيط الثقافي، ساهم إلى حد بعيد في الرفع من وتيرة عروض الإبداع المسرحي والانتاج الثقافي والفني عموما، فضلا عن أن بنود العقد المبرم بين الفاعلين في المجال والجهة المانحة، يقتضي تتعدد أمكنة العروض وتوسيع دائرة المستفيدين وتكثيف التواصل مع المهتمين والممارسين. عملية بقدر ما حظيت بالتقدير والترحيب، قوبلت على مستوى آخر بانتقادات عديدة ومتباينة في ردود فعلها، لما اعتقد في وجود شبهة المحسوبية والتدبير السيء. لم تنحصر الانتقادات الموجهة للجهات المعنية، في الكتابات الصحفية وتداول التعاليق في الأوساط المعنية عبر وسائل الاتصال المختلفة، بل أخذت شكلا تعبيريا عميق الدلالة وبالغ التأثير، رفع من مستوى النقاش ووسع من دائرة أبعاده. ففي العرض الأخير لمسرحية « المقامة البهلوانية «لمسرح أبعاد، يثار الإشكال بصيغ إبداعية راقية في ترتيب مشاهدها وأداء أدوارها، لحظات احتفالية صاغها الأستاذ عبد الكريم برشيد كما اعتاد في سياق يحيل على حكاية من ماضي البشرية المشترك، واعتماد رمزية دلالاتها في توسيع مجالها، حيث يتم توظيف قصة يوسف وإخوته وما جاء في وصية والده، من تحذير عن الوثوق بذوي القربى وما قد يصدر عنهم من مكروه. مدخل يفسح المجال للتخمين بما قد يلحقه الاخوة ببعضهم من ضرر، أو تسخير بعضهم للبعض في الإساءة أو إلحاق الضرر بما هم فيه شركاء، كيفما كانت نوعية العلاقة ومستوى ارتباط المصالح بين أطراف من مواقع مختلفة. فالإخوة في الميدان الثقافي الواحد، قد يتناظرون في ما هم مختلفون فيه، كما قد يسيئون الظن في بعضهم البعض. فتواطؤ الباحثين عن الدعم في واقع العمل المسرحي والمشرفين على تدبير عملية التمكن منه، يفضي إلى تمييع الغاية المرجوة للرفع من منسوب الأداء وتجميله، ويفسح المجال للارتزاق وخلق موالين يلحقون ضررا بمسار الإبداع ومستهترين بكل ما يحفظ كرامة الفاعلين في المجال ويصون الغاية من فعلهم النبيل. إن تعميم الدعم بعشوائية ومحسوبية يفضي إلى فسح المجال للرداءة، وهيمنة المتطفلين والوصوليين، غير أن بسط الموضوع مسرحيا والإقناع بأهمية وضرورة التصدي لكل الانحرافات المتربصة للإجهاز على المكتسبات، كان يقتضي لزوما حوارا يبسط كل الملابسات ويضع النقط على الحروف. ولعل تناول الظاهرة مسرحيا يقتضي رؤية في الإخراج ومستوى عاليا في الأداء،حتى يتم استيعاب الإشكال في حقيقة حجمه ومستوى تأثيره السلبي على ما يعتبر مكتسبا يحتاج إلى الارتقاء به وتطوير آليات فعله، حتى يمكن تجاوز الركود الذي عرفته الحركة المسرحية بسبب غياب الإمكانيات وضعف التأطير. مسرحية « المقامات البهلوانية» تفاعل مباشر مع معطيات واقعية، تمكنت في تفاصيل عرضها من خلال بسط الإشكالات التي من شأنها أن تسيئ إلى الميدان المسرحي وتبخس كل قيمة مضافة، غايتها الارتقاء بمجال يحتاج إلى الكثير من الدعم والمساندة، لما يلعبه من دور في توطيد وتوسيع قنوات التواصل بين مكونات المجتمع وكل الفاعلين فيه. فهنيئا لكل الطاقم الذي حرص على أن يقدم العرض في صيغة متوازنة، تكامل فيها الإخراج والتمثيل في فضاء ركحي مليء بالدلالات، أثث بما يتناسب وعمق النص، وما يحمله من نقد للتدبير العشوائي المنحاز المؤدي إلى تعميق التهميش وتشجيع الضحالة والارتزاق.