اختارت منظمة النساء الاتحاديات الاحتفاء بعيد المرأة، من خلال انشطة متعددة طيلة الأسبوع الأول من شهر مارس، وأبرز ما ميز البرنامج المعد لهذه المناسبة العالمية،هو تخصيص بعض فقراته للعروض المسرحية. بالطبع التيمة الأساسية في هذه العروض، هي قضايا المرأة وما يحيط بها من ملابسات في أوضاعها المختلفة وإشكالياتها المعقدة. في مسرحية ( ألف هينة…وهينة ) لمحترف مسرح شمس، التي عرضت بالدارالبيضاء أثيرت اشكالية التحكم في العلاقة بين المرأة والجنس الآخر، وذلك باعتماد أسطورة الفنان الذي يعشق إحدى منحوتاته ويسعى لترويضها حتى تبقى طيعة تستجيب لكل رغباته وتلبي حاجياته النفسية والجسدية. في نوبة هستيرية تأججت رغبة حادة في تملك ذات أنثوية، يغوص رسام في عشق جنوني لإحدى منحوتاته، يهتدي إلى أن يبعث فيها الروح ليبثها كل لواعجه ومكبوتاته وتهيآته. يختار لها اسما ومآلا كمخلوق صنع من أجله لوحده. هينة التي في خاطره ليست هي التي انتفضت وصدت كل ما يصبو إليه، بعثرت كل أوهامه وأعادته إلى كمده وبؤسه الدفين. هينة تعشق الصياد صديق النحات، تحب الحياة في انسيابها وبساطتها، تلقائية في تعبيرها عما يسكنون دواخلها، هي غير هينة الأخرى المستسلمة لقدرها الضامرة لحزنها وبؤس أحوالها. الصياد لا يشبه النحات، كل ما يوقظ هواجسه أن يحيا في رغد بساطته، يتردد في الاستجابة لدعوة هينة التي استعادت قرار اختيارها ككائن بشري حر في تدبير أمانيه ورغباته. تتوالى مشاهد المسرحية بإيقاع صاخب الأداء، لتجلي واقعا بسمات غير التي توهمها النحات وظل يعتقد عميقا في خلودها. تتحول هينة من السكون إلى الحركة، انتقال يشكل منعطفا حياتيا، يتسم في بعده الإنساني بتحقيق حق، ظل لأجيال تلفه أعراف وتقاليد تكرس الدونية وتبرر التمييز. سينوغرافية العرض والترتيب الزمني لأحداثه، يحيل على الموروث الغارق في القدم، مما يحيل إلى الاعتقاد بأزلية الاشكال، وأن هينة الأسطورة قد حسمت بشكل كبير في الحد من الاختلال القائم في العلاقة بين الرجل والمرأة، وأن انتفاضتها شكلت منعطفا حاسما في تحقيق أساس كل التحولات، حيث المنطلق هو الوعي بالخصوصية والحق في التمييز والاختلاف. فهينة العاشقة تختار بمحض إرادتها من تراه أهلا لها، وتحدد إطار العلاقة وسماتها.إثارة كل هذه الإشكالات في عرض مسرحي مصاغ بجمالية سينوغرافية وأداء متوازن، مكنت من تحقيق تفاعل جلي مع جمهور بأغلبية نسائية، استوعب سياقات النص ودلالات تقابل شخصية النحات وصديقه الصياد، القادمين من زمنين تتباين رؤيتهما وتفاعلهما مع المكون المجتمعي من الجنس الآخر. أكيد أن منظمة النساء الاتحاديات حققت هدفين ببرمجة العروض المسرحية في التواصل مع القاعدة النسائية في عيدها العالمي، من حيث اعتمدت منهجية تشخيص الواقع بشكل فني يسلط الضوء على خلفية تعاطي النظرة الذكورية للعلاقة الإنسانية الساعية إلى تحقيق التكافل، إلى جانب اختيارها لنصوص تبرز القضايا دون الخوض في التفاصيل الحياتية التي تختلف حسب شروط العلائق ومستوى تأثيرها ماديا ونفسيا. هي قراءة خاصة لمستوى تطور التعاطي مع القضايا النسائية وما حققته من مكاسب، إلى جانب ما ينتظرها لتحقيق المناصفة والمسواة.