وجدة الأولى إفريقيا والثانية عالميا في عدد المساجد كباقي المدن المغربية يقبل الناس في وجدة، عاصمة الشرق، على أخذ أماكنهم في المساجد، وإذا كانت مدينة وجدة تشترك مع المدن الأخرى في الكثير من الشعائر والطقوس المكونة للشخصية المغربية المتشبعة بالثقافة الإسلامية، فإنها تتميز بخصوصية دينية وروحية …إنها مدينة تتوفر على أزيد من 400 مسجد، محتلة بذلك المرتبة الأولى بالمغرب وبإفريقيا من حيث عدد المساجد، وحسب مصادر من مندوبية وزارة الأوقاف، فإن مدينة وجدة تعتبر الثانية عالميا من حيث المساجد بعد إسطنبول التركية . هذه الخصوصية جعلت من المدينة فضاء واسعا لممارسة العبادة، فلا يخلو حي أو شارع رئيسي من صوت إمام يرتل القرآن ترتيلا ساعيا إلى جلب أكبر عدد من المصلين وراءه ، حتى أصبحت بعض المساجد توظف الفضاءات العامة لتستقبل كثرة المصلين الذين يحجون إليها طيلة الشهر الفضيل لأداء صلاة التراويح، طبعا مع استثناء زمن كوفيد… أئمة مساجد وجدة نخبة من الشباب مكونين تكوينا شرعيا، مكنهم من إمامة المصلين واعتلاء منابر المساجد، هؤلاء الأئمة الشباب بثقافة ذات مرجعية دينية إسلامية وحمولة علمية وسلوكات مستقيمة، حلوا محل الأئمة الدراويش الذين يحملون القرآن جاهلين معانيه ومغازيه … يتحدث المتحدثون عن المساجد في وجدة، عن عددها الكبير الذي أهل عاصمة الشرق لتكون الأولى إفريقيا والثانية عالميا من حيث عدد المساجد، كما يسجل الجميع الإقبال المكثف للمسلمين والمسلمات، المؤمنين والمؤمنات، على ملء هذه المساجد، خصوصا عندما يتعلق الأمر بصلاة الجمعة وصلاة التراويح في رمضان … مدينة وجدة، إذن، مدينة المساجد بامتياز ديني واستحقاق روحي … وإذا كان الجميع في وجدة يتحدث بافتخار واعتزاز عن عدد المساجد، وعن امتلائها بالمسلمين المؤمنين، فإن الجميع يغفل امتيازا آخر لوجدة على مستوى المساجد، ويتعلق الأمر هنا بالجمالية الراقية التي طبعت بناء هذه المساجد على مستوى الهندسة والمعمار . إن المساجد بوجدة تزاوج بين الوظيفة الدينية والجمالية المعمارية . وهذا عامل آخر جعلها تجذب أعدادا واسعة من المسلمات والمسلمين الذين يمارسون شعائرهم الدينية في أفضل الشروط والظروف . تعتبر مساجد وجدة، أغلبها على الأقل، خصوصا التي بنيت حديثا، أو التي أعيد بناؤها، معالم حضرية وحضارية، معالم أعادت لوجدة الكثير من جمالية المعمار التي تؤسس لوجدة للمدينة، بل يمكن القول إن المساجد في وجدة معالم عمرانية استثنائية، لأنها أولا قطعت مع الفوضى وغياب التخطيط ، وثانيا لأنها التزمت بصرامة مقاييس الجمالية على مستوى الهندسة والتنفيذ، وثالثا لأنها اعتمدت العمارة العربية الإسلامية نموذجا . هذه الأسباب وغيرها جعل المساجد بوجدة تعمل على محاصرة القبح وإشاعة الجمال .. وإذا كانت وجدة مدينة تناست فرض الضوابط والأحكام وقوانين التعمير التي تضمن المشهد العام وتحمي التراث وتحافظ على الملك العمومي وتضفي الجمالية على المعمار وتشجع على الابتكار والتجديد والفن .. .فإن بناء المساجد بوجدة استثناء بجميع المقاييس ؛ لقد روعي في بنائها الحمولة التاريخية الحضارية الثقافية القوية لهذه المدينة الألفية، كما تم استلهام العمارة العربية الإسلامية وأهمها المساجد . ومن خلال إطلالة سريعة على العمارة الدينية في الحضارة العربية الإسلامية، يتبين لنا سر جمالية المساجد بوجدة ؛ إنها آيات في الجمال باعتبار أنها تستلهم في التصميم والتشييد المعالم التاريخية لأعظم المساجد في المجتمعات الإسلامية عبر الصيرورة الزمنية، كما أنها توظف خصوصيات العمارة المغربية . ومما يزيد مساجد وجدة تميزا، كونها تحاشت السقوط في الرتابة والنمطية . إن جولة عبر مساجد وجدة، تكشف لنا عن مدى التنوع الجمالي، فإذا كانت هذه المساجد في أغلبها ملتزمة بثوابت العمارة الدينية فإنها تتمايز من حيث المتغيرات . إن داخل كل مسجد تقريبا بوجدة يختلف عن مسجد آخر، بحيث يشعر المصلون الذين يترددون على مختلف مساجد وجدة بوجود تمايزات معمارية بينها، بحيث يمكن القول إن كل مسجد له من الميزات ما يجعله يتفوق على مسجد آخر . وإذا كانت وجدة مدينة المساجد بامتياز عددي، فإنها كذلك بامتياز نوعي … من هنا نسجل أن وجدة قاطرة المدن المغربية على مستوى المساجد من حيث الكم والكيف معا …بل إن مدينة وجدة ، بجمالية مساجدها، استطاعت أن تتجاوز مدنا مغربية عريقة كفاس ، الرباط ، مراكش …بل إنها تشكل استثناء لأنها استطاعت أن تجعل من مساجدها منارات راقية وجميلة تغطي على فوضى البنايات وقبحها التي تعج بها هذه المدينة الألفية . إنها بيوت لله وهؤلاء عباد لله. مسجد محمد السادس بوجدة؛ هنا معبد الروح فطوبى للداخلين يمثل المسجد أهمية كبيرة في الإسلام، وله منزلته العظيمة في المجتمع المسلم، وقد نوه القرآن الكريم بالمسجد ومكانته، فقال عز وجل «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح لها فيها بالغدو والأصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر لله وأقام الصلاة». إن المسجد ركن من أركان الحياة الإسلامية، ولذلك نجده حاضرا في حياة المسلمين منذ عهد الرسول صلى لله عليه وسلم، يؤدون فيه صلواتهم، ويعرفون أمور حياتهم في أحوال السلم والحرب، ويتعارفون فيه، فيجمع شملهم، ويقوي صفوفهم، وفيه يجد المسلم الأمان والمساواة والموعظة الحسنة والطمأنينة النفسية والطهارة الروحية، وغير ذلك من القيم الجميلة التي شرعها الإسلام . ولصلاة الجماعة في يوم الجمعة منزلة كبرى في مجال العبادة، ولذلك يحرص المسلمون، صغيرهم وكبيرهم، على الذهاب الى المسجد لنيل أجر صلاة الجماعة في أبهى الحلل امتثالا لقوله تعالى «يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد» سورة الأعراف الآية 29 ، ولقوله تعالى «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا لذكر لله ، وذروا البيع، ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل لله» سورة الجمعة، الآية 9 /10» مسجد محمد السادس بمدينة وجدة، والذي قام بتدشينه جلالة الملك محمد السادس يوم الجمعة 24 رجب 1433 هجرية الموافق ل 15 يونيو 2012 ، تم تشييده من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لينضاف بذلك الى المساجد التي تزخر بها مدينة الألفية . ولقد شيد مسجد محمد السادس على قطعة أرضية مساحتها 12000 متر مربع ويضم المسجد، الذي تبلغ طاقته الاستيعابية 3000 مصل ومصلية، جناحا خاصا بالنساء وخزانة وقاعة لتحفيظ القرآن وسكنا للإمام وآخر للمؤذن . جمع مسجد محمد السادس بين الجمالية والفن، جمالية في النقش والزخرفة، والفن في العمارة الإسلامية التي تجسدها مساجد وجدة ؛ فن أصيل يجمع بين العمارة الأندلسية والمغربية الأصيلة ، ليخلق ذلك التمازج تحفا جمالية وفنية تزداد بهاء عندما تتداخل مع الأنوار الايمانية كما هو الشأن في هذه الليالي الرمضانية ، حيث يشعر الصائم القائم بالطمأنينة ، والخشوع في أجواء روحانية تستظل بتراتيل قرانية تحيي النفوس ، تراتيل لمقرئين شباب تتميز بهم مدينة وجدة ، التي أصبحت ، بالإضافة، الى كونها مدينة المساجد، أيضا مدينة المقرئين، تخرجوا من مدرسة البعث الإسلامي بوجدة على أيدي كبار العلماء والفقهاء . التراويح في مسجد الفضيلة بوجدة ننتظر رمضان لنتقرب إلى الله للدعاء والسؤال «فالدعاء عبادة عظيمة، وهمومنا في هذه الدنيا كثيرة ، وليس لنا إلا لله نقف عند أبوابه المفتوحة في هذا الشهر الفضيل». دوما، كان دعاء الخطيب بعد صلاة الجمعة أحب اللحظات الى قلبي، أما أغلاها وأشدها تأثيرا في نفسي ونفوس المسلمين فما يلي صلاتي التراويح والتجهد من أدعية ترفع إلى لله في عمق الليل، ترافقها دموع المتضرعين «دون الجهر بالقول» الخطيب يدعو عنا ولنا، وللمسلمين جميعا، فنتمتم «أمين» واثقين لكرم لله وقربه من الذاكرين السائلين «والشهر الفضيل في هذه السنة، المؤمنون والمؤمنات الذين يؤدون صلاة التراويح في مسجد الفضيلة بساحة باب سيدي عبد الوهاب يدعون لله صادقين مخلصين» اللهم ارحم عبادك ونقول جميعا اللهم أمين . تختلف الصلاة عن العمل من حيث الفضاء والتجربة والمضمون والأهداف، كما تختلف من حيث فلسفة كل منهما في علاقته بمنظومات القيم والثقافات المختلفة «ففي المرجعية الدينية الإسلامية؛ الصلاة وقوف للعبد بين يدي ربه، وهو وقوف فردي وإن تم مع الجماعة، حيث يؤدي كل واحد» دينه الذي عليه للخالق ، ويحاسب عليه لوحده ، ثم «ينتشر في الأرض» كما يدعو إلى ذلك القرآن الكريم ، فرفض الإسلام للرهبانية والتبتل والانقطاع عن الدنيا جعله يعتبر لحظة الصلاة لحظة خاصة بين يدي لله، يليها مباشرة «الانتشار في الأرض» أي الذهاب للعمل وطلب «الرزق» والعمل آنذاك في الواقع القبلي بجزيرة العرب، كان عبارة عن مهن حرة ولم يكن بمرتب شهري أو أسبوعي، أو منظما وفق تقسيم زمني محدد في وظائف عمومية، نظرا لانعدام الدولة بمعناها العصري الحديث في ذلك التاريخ، ولهذا كان الأمر واضحا «على الإنسان عندما ينادى إلى الصلاة أن «يذر البيع» أي يترك التجارة وأن يلتحق بالمصلين في المسجد ، وهو أمر موجه إلى كل واحد من الناس الأفراد المؤمنين المسلمين بالطبع، وقرار ترك البيع والذهاب إلى المسجد فورا هو أمر متروك إلى ضمير الفرد المسلم وإرادته وليس لأية سلطة أخرى تجعله ينضبط لقرار سلطوي دنيوي». مناسبة الحديث عن هذا الربط بين الصلاة والتجارة بني أساسا لاستقطاب المؤمنين تجار أسواق باب سيدي عبد الوهاب الذين فرحوا ببناء هذا المسجد العظيم والجميل لأنه يجسد بالنسبة إليهم مسجد القرب، مسجد ييسر لهم أداء واجبهم الديني ويمكنهم من ربح تجارتهم . بعد تدشينه من طرف جلالة الملك أمير المؤمنين محمد السادس، يوم الجمعة 21 يوليوز 2013، عرف مسجد الفضيلة في الجمعة الثانية بعد تدشينه إقبالا كبيرا من طرف المصلين الذين انشرحت صدورهم لهذه المعلمة الدينية الجديدة بمدينة وجدة وكان الإمام الذي اعتلى المنبر في هذه الجمعة هو الفقيه مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي، الذي بين الأبعاد النبيلة والأهداف الفاضلة التي رامها بناء هذا المسجد، كما محور خطبته على المساجد ودورها في بناء الأمة، ووقف عند المساجد بفضاءات تجارية، والأهمية التي تلعبها في حياة التجار والمستهلكين على السواء ، واستشهد على ذلك بالدور الذي لعبه مسجد القرويين بفاس الذي شيد وسط دكاكين الحرفيين المنتشرين في المدينة القديمة . ساحة باب سيدي عبد الوهاب تمثل القلب النابض لمدينة وجدة وتتمتع بمكانة خاصة وبحمولة تاريخية وثقافة غنية لا سيما من حيث التراث الشفوي وبعد إنجاز برنامج اعادة تهيئة باب سيدي عبد الوهاب، تمت إعادة الاعتبار لهذه الساحة التاريخية بجميع المقاييس الحضرية والحضارية حيث أنجز البرنامج طبقا لمواصفات تليق بالمكان وتراعي الطابع الأصيل المغربي والمحلي مع الأخذ بعين الاعتبار العناصر الأساسية وهي ترميم الأسوار التاريخية، إبراز البعد التاريخي للساحة ، تحسين ظروف السير والجولان، إعادة تأهيل الأسواق، إحياء الثقافة الشعبية. ومما أعطى لهذه الساحة نكهة خاصة ميزتها عن غيرها من الساحات الشهيرة بمراكش ومكناس كونها احتضنت مسجدا كبيرا وعظيما هو مسجد الفضيلة، الذي أضفى على هذا المكان ذي الأبعاد الحضارية والتاريخية بعدا دينيا وروحيا انسجاما مع المعالم التاريخية الإسلامية واستجابة لنداءات ساكنة وجدة المتشبعة بالإسلام عقيدة وشريعة. مسجد الفضيلة، الذي دخل في إطار برنامج تهيئة باب سيدي عبد الوهاب شيد على مساحة 2948 متر مربع مغطاة، ويشتمل على قاعتين للصلاة ؛ وحدة للرجال وأخرى للنساء، ومسكنين للإمام والمؤذن، فضلا عن فضاءات راقية للوضوء. تبلغ الطاقة الاستيعابية للمسجد 1600 مصلي هذا المسجد أنجز وفق المعايير المغربية الأصيلة، لهذا كان جديرا أن يحمل اسم «الفضيلة»، وهو الاسم الذي اختاره جلالة الملك، وهو تشريف ينضاف إلى تشريفات أخرى يخص بها جلالته هذه المدينة وأهاليها . «ربنا إن وقوفنا بين يديك في هذا الشهر الفضيل في مسجد الفضيلة هو أقصى سعادتنا …اللهم الطف بنا وارحمنا .» في رحاب مسجد لالة خديجة هنا مسجد لالة خديجة فأهلا بالمؤمنين الأصفياء، هنا بيت من بيوت الله فطوبى للداخلين … مسجد لالة خديجة، ليالي رمضان، موسم رباني ومهرجان روحي ، تحيا فيه الأرواح والقلوب، وتتلاقح فيه العقول والأفئدة، وتصلح فيه النفوس وتتطهر … مسجد لالة خديجة يوجد بالحي المحمدي، شارع مولاي الحسن وجدة . وإذا كانت المساجد بوجدة وبكل بقاع العالم لها نفس القدسية الدينية والهالة الروحية باعتبارها بيوتا يذكر فيها اسم الله، بيوت العبادة والتقوى، أماكن للتوجه إلى الخالق الرحمان …فإن مسجد لالة خديجة له اعتبار خاص لدى ساكنة وجدة . إنه مسجد يقع بشارع مولاي الحسن، وهو الشارع الذي دشنه جلالة الملك محمد السادس مصحوبا بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، في أول نشاط رسمي لولي العهد . هذا التدشين كان له أكثر من دلالة رمزية وتشريف آخر لوجدة وأهاليها، كما أن المسجد يحمل اسما متميزا، اسما لا كالأسماء، إنه يحمل اسم لالة خديجة، بنت ملك البلاد وأمير المؤمنين. لالة خديجة اسم جاثم في قلوب وعقول المسلمين والمسلمات ، اسم امرأة دخلت التاريخ من من باب أنها أول زوجة للرسول صلىلله عليه وسلم، عاشت اللحظات الأولى لنزول الوحي. أول امرأة قالت : صدقت يا محمد . أول امرأة عانقت الإسلام وشهدت أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله . فطوبى لهذه المرأة العظيمة، وطوبى لكل بنت تحمل هذا الاسم، وطوبى لصاحبة السمو الملكي لالة خديجة، وطوبى لكل من يقصد هذا المسجد عابدا متعبدا . بني مسجد لالة خديجة، الذي تم افتتاحه في يونيو 2009، على مساحة تقدر ب 910 متر مربع مما يؤهله لاستيعاب 1550 مؤمنا ومؤمنة، يتوفر على10 سواري وأربعة أبواب وصومعة وثمانية مرافق صحية، وعلى طابق أرضي وطابق أول مخصص للنساء . مسجد لالة خديجة، كما هو شأن كل المساجد بوجدة، فضاء روحي جميل، فضاء يجذب المسلمين والمسلمات، ويستقطب المؤمنات والمؤمنين، فضاء مجهز بأجهزة عصرية وبجودة عالية ؛ 20ثريا ، 10 مكبرات الصوت، كما أنه مفروش بزرابي من النوع الجيد . ومما يزيد هذا المسجد جمالا وتميزا موقعه المنفتح والمفتوح على ساحة كبيرة عمومية، بجوار الطريق الرئيسية المؤدية لبني درار، أحفير، بركان، زايو والناظور . يشغل المسجد طاقما من الأطر العاملة، ويتكون من أمام، مؤذن، خطيب، منظف، واعظ ومرشد، حارس، مراقب، مدرس محو الأمية … إن دور مسجد لالة خديجة، كما هو شأن أغلب المساجد بوجدة، لا يقتصر على إقامة الصلوات الخمس، بل إنه يقوم بأدوار أخرى دينية واجتماعية وتربوية ؛ أذكر منها خطبة الجمعة، المساهمة في محو الأمية … مسجد لالة خديجة يعيش ليالي رمضان زمنا دينيا بامتياز، قدسية المكان نابعة من تلاوة القرآن والفيض الإلهي . مسجد يحج إليه المؤمنون والمؤمنات لأنهم اشتاقوا إلى ربهم بحثا عن الأجر والثواب، عن الأمن والأمان، عن السلام والطمأنينة، عن الخلاص والنجاة …هذه الليالي يفيض مسجد لالة خديجة نورا، ويغطي بروحانيته قلوب الخاشعين والخاشعات، يدعو الجميع فيلبون النداء متقين . قوافل من النساء والرجال يستجمعون الهمة، تهب بهم لواعج الإيمان والمحبة، الطاعة والامتثال إلى مقام الله عز وجل . يهب بهم ويزرع التوبة نحو مدارج الغفران، نحو منتجع صلاة التراويح المستطاب بشلالات الترتيل القرآني، الباذخ بالاستغفار والدعاء والخشوع والتعلق بالواحد الأحد ، والانعتاق من رعونات النفس وشهواتها المنحطة وظلماتها ووساويسها وأدرانها، نحو لحظة الاستلقاء في غمر الباطن المتفجر بالرجاء والتوبة والطاعة والامتثال والأمل في عفو الله . عشرات من المؤمنين والمؤمنات يشدون الرحال من مختلف أحياء وجدة لقضاء ليالي رمضان في حضرة إمام يتلو آيات الذكر الحكيم …يمثلون مختلف الفئات العمرية، أطفال، شباب وشيوخ ..رجال ونساء …يمثلون مختلف الطبقات الاجتماعية ؛ الغنية والفقيرة … هنا تساوى الجميع …الكل يبتغي وجه الله ..إنهم عباد الله …فاضت جوارحهم بالحنين إلى الله، وهفا فؤادهم إلى انشراحات الاغتسال بالدفق القرآني طمعا في علاج علل القلوب واسقامها . وجوه مشرقة نيرة، فرحة مستبشرة، آملة راجية، محبة عابدة ، آمنة مطمئنة ، مسالمة متسامحة …تأتي من هنا وهناك لترحل إلى الله. تأتي لتحيي ليالي هذا الشهر العظيم …ليالي يمارس فيها المؤمن إنسانيته في أبعادها الدينية والروحية … ليالي يتحرر فيها المؤمنون من شيئية المادة وجمود الأشياء … إنها ليالي الطهارة والتطهير، تطهير النفس من شهوات الجسد وإغلال العالم الخارجي لتنطلق خفيفة ونظيفة فتعانق العالم العلوي وتتصل مباشرة بالرحمان الرحيم . ليالي يحييها المؤمنون والمؤمنات لتعمير الباطن بذكر الله ومحبته وتقواه، بالزاد القلبي والروحي والروحاني. ليالي رمضان، يحييها جنود الرحمان ليعيشوا الإيمان في طهارته وصفائه …يحييها المسلمون والمسلمات ليشربوا الحب والتسامح فيكتسبوا مناعة ضد العنف والتطرف، ويعانقوا الإسلام في أسسه العميقة، في جوهره الأصيل، في القرآن الإسلام في أبعاده الإنسانية ومراميه الأخلاقية، الإسلام الذي جاء ليعلم الجميع العلم الحق والعمل الحق، الإسلام الذي جاء ليربي، ليطهر وينظف العالم، ليخرجه من مغارات الظلام إلى فضاء النور .