إن المسجد ركن من أركان الحياة الإسلامية، ولذلك نجده حاضرا في حياة المسلمين منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، يؤدون فيه صلواتهم، ويعرفون أمور حياتهم في أحوال السلم والحرب، ويتعارفون فيه، فيجمع شملهم، ويقوي صفوفهم، وفيه يجد المسلم الأمان والمساواة والموعظة الحسنة والطمأنينة النفسية والطهارة الروحية، وغير ذلك من القيم الجميلة التي شرعها الإسلام. ولصلاة الجماعة في يوم الجمعة منزلة كبرى في مجال العبادة، ولذلك يحرص المسلمون، صغيرهم وكبيرهم، على الذهاب الى المسجد لنيل أجر صلاة الجماعة في أبهى الحلل امتثالا لقوله تعالى :"يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد" سورة الأعراف الآية 29، ولقوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا لذكر الله، وذروا البيع، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله." سورة الجمعة، الآية 9-10. ننتظر رمضان لنتقرب الى الله للدعاء والسؤال. فالدعاء عبادة عظيمة، وهمومنا في هذه الدنيا كثيرة، وليس لنا إلا الله نقف عند أبوابه المفتوحة في هذا الشهر الفضيل. دوما، كان دعاء الخطيب بعد صلاة الجمعة أحب اللحظات الى قلبي، أما أغلاها وأشدها تأثيرا في نفسي ونفوس المسلمين، فما يلي صلاتي التراويح والتهجد من أدعية ترفع الى الله في عمق الليل، ترافقها دموع المتضرعين "دون الجهر بالقول". الخطيب يدعو عنا ولنا، وللمسلمين جميعا، فنتمتم "آمين" واثقين لكرم الله وقربه من الذاكرين السائلين. والشهر الفضيل في هذه السنة "2013" لا شك أن المؤمنين والمؤمنات الذين يؤدون صلاة التراويح في مسجد "الفضيلة" بساحة باب سيدي عبد الوهاب يدعون الله صادقين مخلصين :اللهم ارحم عبدك حسن هوار... ونقول جميعا اللهم آمين. تختلف الصلاة عن العمل من حيث الفضاء والتجربة والمضمون والأهداف، كما تختلف من حيث فلسفة كل منهما في علاقته بمنظومات القيم والثقافات المختلفة. ففي المرجعية الدينية الاسلامية الصلاة وقوف للعبد بين يدي ربه، وهو وقوف فردي وان تم مع الجماعة، حيث يؤدي كل واحد "دينه" الذي عليه للخالق ، ويحاسب عليه لوحده ، ثم "ينتشر في الارض" كما يدعو الى ذلك القرآن الكريم، فرفض الاسلام للرهبانية والتبتل والانقطاع عن الدنيا جعله يعتبر لحظة الصلاة لحظة خاصة بين يدي الله ، يليها مباشرة "الانتشار في الارض" أي الذهاب للعمل وطلب "الرزق" والعمل آنذك في الواقع القبلي بجزيرة العرب كان عبارة عن مهن حرة ولم يكن عملا بمرتب شهري أو أسبوعي، أو منظما وفق تقسيم زمني محدد في وظائف عمومية، نظرا لانعدام الدولة بمعناها العصري الحديث في ذلك التاريخ، ولهذا كان الأمر واضحا : على الإنسان عندما ينادى للصلاة أن "يذر البيع" أي يترك التجارة وان يلتحق بالمصلين في المسجد ، وهو امر موجه الى كل واحد من الناس الافراد المؤمنين المسلمين بالطبع، وقرار ترك البيع والذهاب الى المسجد فورا هو أمر متروك الى ضمير الفرد المسلم وارادته وليس لأية سلطة أخرى تجعله ينظبط لقرار سلطوي دنيوي. مناسبة الحديث عن هذا الربط بين الصلاة والتجارة هي كون مسجد الفضيلة بني أساسا لاستقطاب المؤمنين تجار اسواق باب سيدي عبد الوهاب الذين فرحوا ببناء هذا المسجد العظيم والجميل لأنه يجسد بالنسبة إليهم مسجد القرب ، مسجد ييسر لهم أداء واجبهم الديني ويمكنهم من ربح تجارتهم . بعد تدشينه من طرف صاحب الجلالة أمير المؤمنين الملك محمد السادس نصره الله يوم الجمعة 21 يوليوز 2013 ، مسجد الفضيلة عرف في الجمعه الثانية بعد تدشينه اقبالا كبيرا من طرف المصلين الذين انشرحت صدورهم لهذه المعلمة الدينية الجديدة بمدينة وجدة. وكان الامام الذي اعتلى المنبر في هذه الجمعة هو العالم العلامة الفقيه السي مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي الذي بين الأبعاد النبيلة والاهداف الفاضلة التي رامها بناء هذا المسجد ، كما محور خطبته القيمة على المساجد ودورها في بناء الأمة ، ووقف عند المساجد بفضاءات تجارية والاهمية التي تلعبها في حياة التجار والمستهلكين على السواء ، واستشهد على ذلك بالدور الذي لعبه مسجد القرويين بفاس الذي شيد وسط دكاكين الحرفيين المنتشرين بالمدينة القديمة. ساحة باب سيدي عبد الوهاب تمثل القلب النابض لمدينة وجدة وتتمتع بمكانة خاصة وبحمولة تاريخية وثقافة غنية لاسيما من حيث التراث الشفوي، واليوم وبعد انجاز برنامج اعادة تهيئة ساحة باب سيدي عبد الوهاب، تمت اعادة الاعتبار لهذه الساحة التاريخية بجميع المقاييس الحضرية والحضارية حيث انجز البرنامج طبقا لمواصفات تليق بالمكان وتراعي الطابع الأصيل المغربي والمحلي مع الأخد بعين الاعتبار العناصر الاساسية وهي ترميم الاسوار التاريخية، ابراز البعد التاريخي للساحة ، تحسين ظروف السير والجولان، اعادة تأهيل الاسواق، احياء الثقافة الشعبية. ومما اعطى لهذه الساحة نكهة خاصة ميزتها عن غيرها من الساحات الشهيرة بمراكش ومكناس... كونها احتضنت مسجدا كبيرا وعظيما هو مسجد الفضيلة، الذي أضفى على هذا المكان ذي الابعاد الحضارية والتاريخية بعدا دينيا وروحيا انسجاما مع المعالم التاريخية الاسلامية واستجابة لنداءات ساكنة وجدة المتشبعة بالاسلام عقيدة وشريعة . ان مدينة وجدة مدينة اسلامية، والطابع الاسلامي ينبع اساسا من قيمها الثقافية النابعة من الاسلام. غير انها ليست قيما مغلقة ولا متحجرة. ان تدين اهل وجدة هو تدين اجتماعي غير عالم ومفتوح في الوقت ذاته ، الواجبات الدينية تؤدى بينما الحياة الاجتماعية والاقتصادية تعرف مجراها. معروف على سكان مدينة وجدة حرصهم الكبير على الالتزام الديني ، وحرصهم الكبير جدا على أداء وممارسة الشعائر ذات الطبيعة الدينية، وذلك حتى في صفوف فئات الشباب الوجدي. فالاشباع الديني يظهر جليا حتى في سلوك الوجديين الشباب الذين تلقوا تكوينا عصريا، وهو نتاج واقع تاريخي يتجلى في كون هذه المدينة كانت منذ وقت طويل قبلة للصلحاء والفقهاء، وكونها تزخر بالمواقع الدينية خصوصا المساجد. ولقد منح الإسلام أهل مدينة وجدة وسيلة لتأكيد هويتهم الثقافية وهي الوسيلة التي تحولت في نهاية المطاف الى محرك رئيسي للحركة الوطنية. كانت وجدة دائما ذات بنية جماعية متماسكة، وذات توجه مذهبي واحد ، وكان أهلها وما زالوا متآزرين ومعتزين بدينهم وهويتهم ومدينتهم ووطنهم ، لهذا كانوا وسيظلون وطنيين صادقين ، ابطالا ساهموا في تحرير البلاد من الاستعمار ويساهمون الآن في البناء والتنمية. وإن موقع وجدة الحدودي سيجعل من حضور عالم وازن في الحقل الديني في مستوى السي مصطفى بنحمزة هبة إلاهية لقطع الطريق امام الانحرافات الفكرية والمنهجية المرتبطة بالفرق التكفيرية التي تنشط بالبلدان الشقيقة ولفرملة الانحرافات النشيطة وراء حدودنا الشرقية، والحفاظ على نقاء العقيدة الاشعرية، ويسر المذهب المالكي. إن الاستاذ مصطفى بنحمزة متمسك بالمرجعية المميزة لطبائع "الاسلام المغربي" كما عرفها يوما النظم الشهير لابن عاشر : في عقد مالك وفقه الاشعري وسلوك الجنيد السالك ومعلوم ان هذه الثوابت "العقيدة الاشعرية، المذهب المالكي، التصوف السني على طريق الجنيد السالك" تشكك فيها بعض الحركات الاسلامية المغربية ، بحكم المرجعية العقدية والمذهبية لهذه الحركات أي "السلفية الوهابية" التي تتميز بسمات عامة مؤرقة للغاية في حال اسقاطها على طبائع التدين المغربي. مسجد الفضيلة الذي يدخل في إطار برنامج تهيئة ساحة باب سيدي عبد الوهاب شيد على مساحة 2948 متر مربع مغطاة، ويشتمل على قاعتين للصلاة، واحدة للرجال وأخرى للنساء ومسكنين للإمام والمؤذن، فضلا عن فضاءات راقية للوضوء . تبلغ الطاقة الاستعابية للمسجد 1600 مصلي ، وقد انجز بتكلفة مالية تقدر ب 15 مليون درهم، كانت مساهمة من المحسن حسن هوار رحمه الله. هذا المسجد أنجز وفق المعايير المعمارية المغربية الأصيلة ، لهذا كان جديرا بأن يحمل اسم الفضيلة" وهو الاسم الذي اختاره صاحب الجلالة ، وهو تشريف ينضاف الى تشريفات اخرى يخص بها جلالته هذه المدينة واهاليها. يوم الجمعة 21 يوليوز 2013 دشن أمير المؤمنين الملك محمد السادس مسجد الفضيلة وأدى به جلالته صلاة الجمعة . ويعكس تدشين جلالة الملك لهذا الصرح الديني ، الاهتمام الخاص الذي يوليه أمير المؤمنين للشأن الديني وحرصه الدائم على جعل المملكة تتوفر على مساجد تزاوج بين الوظيفة الدينية والجمالية المعمارية حتى يتمكن المسلمون من ممارسة شعائرهم الدينية في أفضل الظروف والشروط. إن ما يطبع مسار الأستاذ مصطفى بنحمزة المتميز وما يشهد على تفرده ويسجل ألقه هو تجديده لقيم التضامن والتآزر المتجذرة في الثقافة المغربية والتي حاولت تيارات الاستيلاب والتشييء اجتثاثها وزرع قيم بديلة لها، قيم أساسها الفردانية والانانية، النفعية والانتهازية. ولكي لا يكون "الفقر كفرا" عمل السي مصطفى بنحمزة منذ انطلاق حياته العلمية والدعوية على توعية أعيان وجدة الشرفاء بأهمية العمل التضامني ، وكانوا سنده في التأسيس والبناء، واستطاع ان يجمع على اخلاصه ونقاء سريرته على نزاهته ومصداقيته الكثير من اغنياء المدينة ذوي الاريحيات، مما رشحه ليتبوأ رتبة الريادة في الاشراف على بناء العديد من المسجد بمختلف الاحياء لطابعها المغربي، بناءا وتجهيزا وتسييرا وتدبيرا ، وتلك ميزة اخرى تنضاف الى تجليات البعد الاحساني والتضامني في اهتمامات الاستاذ بنحمزة ، فلقد كان وراء تفريج العديد من كرب المكروبين من ذوي الفاقة والامراض المستعصية والعاهات المستديمة كما كان مقصد العديد من الفاعلين في المجال الجمعوي للهم التضامني. وهنا نسجل انخراط حسن هوار، نسأل الله ان يرحمه ويسكنه فسيح جنانه في صفوف المحسنين بكل قناعة وايمان واضعا ثقته المطلقه في رائد العمل الخيري الاحساني بوجدة السي مصطفى بنحمزة، وليكتب اسمه في سجل الذين عملوا على النهوض بمدينة وجدة روحيا ، بنى مسجد "الفضيلة" ، وفي فترة البناء داهمه المرض فأوصى باتمام البناء ان فارق الحياة. حسن هوار، رحمه الله، خاف ان يأتيه الموت فيجده ميتا فبنى هذا المسجد العظيم، هندسة معمارية راقية، بناية جميلة جدا ، فضاء شاسع وأنيق، تجهيزات عالية الجودة... إنه تحفة وبامتياز... مسجد جذاب يحج إليه المصلون ومعلمة تستقطب السياح... اشهد أن حسن هوار لم يمت بل حي في قلوب المؤمنين والمؤمنات، اشهد انه لم يمت لأن ما أنجزه ينشده ويذكره كل يوم... مئات المسلمين والمسلمات الذين يقصدون هذا المسجد بكرة وأصيلا يسألون الله له العفو والمغفرة الرضى والرضوان. حسن هوار آمن وعمل ... فالسلام عليه يوم آمن ويوم عمل ... والسلام عليه يوم بنى مسجد الفضيلة ... آمن بالله واحدا أحدا رب العالمين لا شريك له، وآمن بالمغرب وطنا عزيزا وبلدا أمينا. ربنا إن وقوفنا بين يديك في هذا الشهر الفضيل في مسجد "الفضيلة" هو أقصى سعادتنا... اللهم الطف بنا وارحم عبدك الفاضل حسن هوار وجميع المسلمين والمسلمات.