II – التشريع: دروس للإصلاح تكثيف المبادرات التشريعية من أجل ملء الخصاص التشريعي بالحرصِ نَفْسِه على هذا التقليد الشخصي، أحاول أن أقف الموقفَ نَفْسَه تُجاهَ مَهَامّي على رَأْسِ مجلس النواب في المملكة المغربية خلال الولاية التَّشْريعية العاشرة (2021-2016). وهذه المرة، حاولتُ أَنْ أُشْرِكَ معي عددًا من أطر المجلس في تجميع المعطيات وفتح ما يشبه ورشةً من الحوار الجماعي حول عملنا وأدائنا ونوعية النتائج التي حققناها. وقد وجدتُ من الأصدقاء والزملاء في مجلس النواب روحًا سمحة من الإنصات والتفاعل، إِذْ أدرك الجميع معنى هذا التقليد، وبالخصوص أدركوا أَن ذلك من أجل الإِسهام في لَمْلَمَةِ عناصر ذاكرةٍ مشتركة وترصيد التجربة التي كانت جماعيةً بامتياز من أجل المزيد من فهم واقعنا السياسي في المغرب وتأمل سيرورة نضالنا الديموقراطي في أحد أهم أمكنة الممارسة الديموقراطية. إننا لا نختلف في أن بلادنا في حاجة إلى مجهود تشريعي كبير، ولا نزال في حاجة إلى تجديد عَدَدٍ من تشريعاتنا، ومنها تشريعات تعود إلى المرحلة الاستعمارية، أي أنها تعود إلى أكثر من قرن من الزمان، وإلى بداية الاستقلال. إننا في حاجة إلى تحرير تشريعاتنا من التعقيدات التي قد تكبح الدينامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وما أكثر المجالات التي ما تزال تحتاج الى التأطير القانوني أو تجديد القوانين المؤطرة لها. إننا أمام مفارقة حان الوقت لتداركها وتتطلب مراجعة جذرية لممارستنا لواجبنا التشريعي، بل تستدعي رجةً للنهوض بهذا الاختصاص الأساسي من جانب مؤسستنا. أقول رجة، وأنا أستنتج من الإحصائيات المتعلقة بالتشريع منذ أول ولاية تشريعية في المغرب المستقل، عجزا كبيرا في نسبة المبادرات التشريعية لأعضاء البرلمان المصادق عليها بالقياس إلى مشاريع القوانين و بالقياس إلى نماذج مقارنة. فمن بين 1796 نصًا تشريعيًا صادق عليها البرلمان المغربي منذ 1963 لايتجاوز عدد مقترحات القوانين المصادق عليها، على مدى 57 سنة من العمل البرلماني، 126 مقترحا، أي بنسبة 7 في المائة (حسب إحصاء 22 مارس 2021). إن لهذا الوضع عدة أسباب أود أن أتقاسمها مع القراء وأهل الاختصاص، قبل أن أقدم بعض الاقتراحات لتجاوز هذا الإشكال. ولعل أول هذه العوامل يتمثل في عدم التوازن في الإمكانيات والخبرات والمعلومات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، إذ تتوفر الحكومات على إمكانيات وموارد تتجاوز بكثير إمكانيات البرلمان. كما أنها تتوفر على المعلومات الضرورية وبنوك المعلومات وقواعد المعطيات والبنيات المؤسساتية لإعداد مشاريع النصوص، فيما يتمثل الثاني في تكريس نوع من الثقافة لا تخلو من بعض الارتياب والتي تتعاطى مع مبادرات البرلمان بنوع من الحذر، وهو أمر غير مبرر في عدد من الحالات، ولا يمكن أن يُبَرَّر مثلا بضعف الصياغة التشريعية La légistique، أو بالإمكانيات الخ. فعلى سبيل المثال لم تتعامل حكومات سابقة مع مقترحات قوانين تأسيسية هامة، كانت تتوخى ملء فراغ تشريعي في أنشطة وقطاعات وحقوق كانت في حاجة إلى تأطير تشريعي، وانتظر الرأي العام سنوات ليتم عرض مشاريع قوانين تغطي وتؤطر نفس الأنشطة أو الحقوق أو القضايا وبنفس المسميات والمحتوى. وكأمثلة على ذلك، فقط، مقترح قانون بشأن إخبار وحماية المُسْتَهْلِك الذي أحيل سنة 2003، ولم تعمل الحكومة على إيداع مشروع قانون حول نفس الموضوع إلا في 2009 وتمت المصادقة النهائية عليه في يناير 2011، ومقترح قانون بشأن «الحق في الحصول على المعلومات» الذي تم إيداعه في 2006 ولم يرد مشروع قانون بشأنه من الحكومة إلا في 2016، أي عشر سنوات بعد مقترح القانون. وهما مقترحان كنت من المساهمين فيهما على جانب زملائي في الفريق الاشتراكي بمجلس النواب. وثمة أمثلة عديدة من هذا القبيل. لنتمثل حجم هذا الزمن التشريعي المهدور وكُلْفَتَهُ الاقتصادية والاجتماعية وعلى وعي الناس ونشر الثقافة القانونية. ومن العوامل التي لا تُسعف المبادرة التشريعية للبرلمان، ضعف التواصل بين المؤسسات: بين الحكومة والبرلمان، بين الأحزاب وامتداداتها المؤسساتية، أي الفرق والمجموعات البرلمانية، بين الأغلبية والأحزاب المُشَكِّلة لها، إذ حتى في حالة وجود مقترحات قوانين من جانب فريق أو فرق في الأغلبية الحكومية، فإنها لا تجد طريقها إلى المناقشة البرلمانية. وهذا خلل لا ينبغي إغفاله. ينضاف الى هذه العوامل، حداثة الديموقراطية المغربية وحداثة المؤسسات التمثيلية بالمغرب (حوالي ستين سنة من العمل البرلماني)، ما يجعل الممارسات والتقاليد الديموقراطية ومستلزماتها في طور التراكم وبناء نموذج مؤسساتي، وذلك بالقياس إلى ديمقراطيات بلدان غربية ذات تقاليد عريقة في الديموقراطية تعتبر اليوم، نتيجة للتراكم التاريخي والسياسي والمؤسساتي، نماذج في ممارسة التشريع والرقابة، علما بِأَن حتى هذه الديموقراطيات لا تزال تبحث عن الأحسن وعن التطوير وعن سبل الوصول إلى نماذج تمثيلية جديدة خصوصا أمام أزمات الثقة والعزوف وضعف المشاركة، ونزعات مناهضة المؤسسات، وبالأخص منها البرلمانات. وفي الواقع، فإن حداثة ديمقراطيتنا هذه تعتبر من حوافز ورافعات تكثيف المبادرات التشريعية من أجل ملء الخصاص التشريعي، وتعزيز البناء المؤسساتي، وترسيخ مكانة البرلمان كمصدر للتشريع، وهو ما رسخه دستور 2011 الذي وسع من مجال القانون، إلى الحد الذي جعل بعض فقهاء القانون الدستوري يذهبون إلى اعتبار أن هذا الدستور «جعل من البرلمان المصدر الوحيد للتشريع». ويرتبط تواضع المبادرة التشريعية لأعضاء البرلمان كذلك بعدة معيقات منها ما هو موضوعي مرتبط بالسياقات والظرفية السياسية، وبإشكالية القَبول la recevabilité، ومنها ما هو ذاتي مرتبط بالخبرات والمهارات وبالتواصل وبالصياغة القانونيةla légistique …. ويمكن تلخيص هذه العوائق في العناصر التالية: أولا- غياب دراسة أثر مقترحات القوانين، سواء على قوانين أخرى سارية المفعول أو على منظومة أو نشاط معين أو على حقوق أو مكتسبات المجتمع أو فئة اجتماعية أو هيئة مهنية وعلى تنظيمها، أو أثر المقترح التشريعي على الاقتصاد. العائق الثاني يتمثل في طبيعة الصياغة التشريعية وبناء النص وتبويبه وربما صعوبة مقروئيته أو احتمال غموضه، وأحيانا استعمال مصطلحات وتعبيرات غير قانونية. وينتج عن ذلك إما عدم القبول أو عدم التجاوب مع المقترح. ومن حيث بناء النص، لا يتم التقييد بالمعايير المتعارف عليها في التبويب: الانتقال من الديباجة إن وجدت، الى الفصل والباب والفرع والمادة والفقرة. أما العائق الثالث فيتمثل في ضعف التواصل حول المقترحات المقدمة من طرف مكون سياسي صاحب المقترح مع باقي أعضاء المجلس ومع أعضاء الحكومة لإقناعهم بأهمية المقترح وحشد الدعم له عند المناقشة والتصويت، والتأكيد على انفتاح صاحب، أو أصحاب، المقترح على تعديلات قد تُحَسِّنه وتقويه وتلائمه مع قوانين نافدة. فقد رسخنا في صياغة واعتماد المبادرة التشريعية، ثقافة تُكَرِّسُ نوعًا من الانغلاق داخل الفريق النيابي الواحد، ولا نعمل على التواصل بشأن مبادرة ما مع الشركاء سواء في الأغلبية أو المعارضة توخيا أحيانا للانفراد بالمبادرة، أو التمّيز أو السعي إلى كسب تعاطف الرأي العام. إن هذه النزعة هي ما ينبغي أن نتخلص منها بجعل المبادرات التشريعية ملْكًا مشتركا للشركاء في الديموقراطية من فرق برلمانية ومجتمع مدني وهيآت مهنية، إذ ينبغي أن يظل تطوير التشريعات الوطنية لخدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتعزيز دولة القانون، هو الهدف الأسمى. وينبغي أن تكون مقترحات القانون موضوع تواصل ونقاش عمومي. ويتمثل العائق الرابع في النقص في التواصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية حول المبادرات التشريعية والتنسيق بشأنها والتعاون من أجل تطوير التشريعات وتعزيزها وإطلاق ديناميات جديدة في العمل التشريعي بما يجعل التشريعات الوطنية ملائمة للدستور ومجسدة لروحه التحررية ومن أجل سد الحاجيات القانونية وكفالة تقعيد الحقوق والواجبات. ليست هذه المعيقات قَدَرًا لا رَادَّ له، ولا ينبغي أن تَحُدَّ من طموحنا في تطوير وتجويد هذا الاختصاص الموكول إلى البرلمانيين بموجب الدستور. ولتحقيق هذا الهدف، أود أن أقترح مجموعة من الأفكار سبق لي أن تقدمت بها في مناسبات دراسية، آمل أن تساهم في تغيير التعاطي مع مقترحات القوانين، علما بأن المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس، كأفكار وغايات، تظل نبيلة وإيجابية وغنية. الاقتراح الأول يتمثل في إرفاق كل مقترح قانون بدراسة تتناول سياق طرحه وآثاره المحتملة، وتعليلا لأسباب نزوله، وأهدافه، وعلاقة مقتضياته بقوانين نافدة، وإذا أمكن عناصر مقارنة من الممارسة الدولية في القضية أو القطاع موضوع مقترح التشريع. الاقتراح الثاني يتمثل في تحسين صياغة المقترحات La légistique حتى تتيسر مقروئيتهاcompréhension et lisibilité ، وتكون صياغتها مطابقة للمعايير المتعارف عليها في التشريع، وتحسين بنائها وشكلها. وفي هذا الصدد عملنا في إطار هيكلة إدارة المجلس على اتخاذ إجراءين هامين: * يتمثل الأول في إحداث وحدة إدارية مكلفة بصياغة القوانين لدعم أعضاء المجلس في مهامهم التشريعية. * ويتمثل الثاني في إحداث المركز البرلماني للدراسات والأبحاث. * وآمل أن يشكل ذلك دعامة لتجويد المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس. الاقتراح الثالث يتمثل في جعل المبادرات التشريعية لأعضاء المجلس في صلب النقاش والتداول بين مجلس النواب والحكومة والمجتمع ممثلا في الهيآت المهنية والمدنية، واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأن مصير مقترحات القوانين وإعمال مقتضيات الدستور والنظام الداخلي بشأنها (الفقرة الثالثة من الفصل 82 من الدستور)، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بمقترحات قوانين تأسيسية، والتي ينتظرها المجتمع. الاقتراح الرابع يتمثل في الانتباه عند اختيار موضوع المبادرة التشريعية إلى أن ما نحن بصدد إعداده لا يدخل في باب ما يسري عليه عَدَمُ القبول لأسباب مالية (الفصل 77 من الدستور) مثلا Irrecevabilité Financière ما دام يُحْدِثُ كلفة مالية للدولة، أو لا يدخل في مجال القانون. الاقتراح الخامس يتمثل في الحرص على تنسيق المبادرات التشريعية بين فريقين من الحزب السياسي نفسه أو المكونات السياسية في مجلسي البرلمان قصد تلافي تكرار نفس المبادرة، وتجنب الحاجة إلى إعمال المساطر ذات الصلة، ومن أجل توجيه الجهد في اتجاه آخر عوض تكراره في نفس الاتجاه. والواقع أن نفس المجهود ينبغي أن يتوجه الى المهام الرقابية. وإنه لَأَمْر غير عادي أن الفرق البرلمانية التي تعد امتدادا للحزب نفسه في المجلسين لا تجتمع إلا في مناسبات قليلة كالدخول البرلماني أو بداية الدورة مثلا. إن الأمر يتعلق بترشيد العمل البرلماني والمؤسساتي بما يخدم تقدم الوطن. سادس الاقتراحات يتمثل في الحرص من جانب مكتب مجلس النواب ومكاتب اللجن النيابية الدائمة على احترام المساطر والآجال المتعلقة بمناقشة مقترحات القوانين، واستنفاد المسطرة التشريعية على أساس الإقناع. ومن جهة أخرى، ينبغي مواصلة تفعيل مقتضيات الفصل 14من الدستور المتعلق بتلقي ملتمسات المواطنين في مجال التشريع تفعيلا للديمقراطية التشاركية، وهو ما يثري دون شك المبادرات التشريعية، إلا أن ذلك يتطلب إعداد الأدوات والبنيات الضرورية لتلقي ملتمسات المواطنين المُؤَطَّرين من جانب هيآت المجتمع المدني. وبالموازاة مع التعديلات التي أدخلناها على النظام الداخلي، عملنا في إطار برامج التعاون الدولي على إعداد منظومة معلوماتية لمعالجة ملتمسات المواطنين وتقييمها وإخضاعها للمساطر الضرورية، وَدشَّنَا للشراكة مع هيآت المجتمع المدني التي نقدر دورها في تأطير المبادرات المُوَاطِنَة (العرائض والملتمسات من أجل التشريع)، وأبرمنا اتفاقية تعاون مع الجامعات المغربية العمومية الإِثْنَتَيْ عشر. وللغاية نفسها، في إطار هيكلة إدارات الفرق النيابية، التي تمت ترقيتها إلى مستوى مديريات خلال النصف الثاني من الولاية التشريعية التاسعة، ينبغي الحرص على إحداث مصالح مكلفة بالصياغة التشريعية من أجل إسناد أعضاء المجلس في تجويد مبادراتهم التشريعية، إلى جانب توظيف جزء من الدعم العمومي الممنوح للفرق المجموعات النيابية، على الرغم من تواضعه – في الحصول على خبرات وخدمات من خارج المجلس لغايات محددة وفي إطار زمني محدود. تطبيق القوانين : نحو آليات ناجعة لنفاذ التشريع من المعضلات التي تحد من وقع التشريع على المجتمع في المغرب ولا تيسر إحساس الناس بأثر القانون وبمردودية العمل التشريعي، وكذا نفاذ القوانين، أي عدم تطبيق القانون، ويعني بذلك عدم صدور المراسيم التطبيقية التي قد تكون منصوصا عليها في النصوص التشريعية الصادرة في الجريدة الرسمية. وبالقياس إلى النماذج المقارنة تعتبر وتيرة التشريع بالمغرب متواضعة ولا تساير على النحو المطلوب الدينامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والخدماتية التي تشهدها البلاد. إذ إن البرلمان المغربي لم يصادق منذ الاستقلال، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، سوى على 1796 نصًا تشريعيًا بما في ذلك تلك التي يُوَافَق بموجبها من حيث المبدأ على المعاهدات والاتفاقيات الدولية والمشاريع والمقترحات التي تقضي بتعديل أو تتميم تشريعات نافذة. وخلال الولاية التشريعية العاشرة صادق مجلس النواب على 316 نصًا (إلى 28 ماي 2021) مقابل 361 خلال الولاية التشريعية التاسعة. وإذا استثنينا من هذه المشاريع، تلك المتعلقة بالموافقة على المعاهدات والاتفاقات الثنائية والدولية، فإن عدد مشاريع النصوص التشريعية المصادق عليها خلال الولايتين التشريعيتين التاسعة والعاشرة (2011 و2016 أو 2021) هي 197 مشروع قانون منها 81 مشروع نص تعديلي وخمسة مشاريع تتعلق بقوانين المالية وخمس مشاريع بقوانين التصفية، ما يعني أن عدد مشاريع القوانين التأسيسية التي تمت المصادقة عليها خلال خمس سنوات بلغ 106 في ولاية تأسيسية بامتياز أطرها دستور جديد مع ما يفترضه ذلك من دينامية إصلاحية مؤسساتية وسياسية وتشريعية. وبلغ عدد مقترحات القوانين المصادق عليها 20 مقترح قانون. ويظل تطبيق التشريعات التي يصوت عليها البرلمان بعد إصدارها في الجريدة الرسمية بإصدار المراسيم التطبيقية في حالة تنصيص القوانين المصادق عليها على ذلك. ويترتب عن غياب هذا النشر أن يظل التشريع مُعَلَّقًا، والسلطة التشريعية للبرلمان (comme pouvoir exercé) رهينة بهذا الإجراء الحكومي وغالبا القطاعي. ويُستفاد من استعراض وتيرة التشريع ونشر نصوص المراسيم التطبيقية المتعلقة بها في الجريدة، أن نسبة 32% من القوانين التي صادق عليها البرلمان مثلا خلال الولاية التشريعية 2011-2016 وصدرت بالجريدة الرسمية، لم تكن نافذه، أو نافذة جزئيا ما دامت المراسيم التطبيقية المتعلقة بها لم تصدر بالجريدة الرسمية إلى حدود يونيو 2017. ولأنَّ العبرةَ في ما يرجع إلى أي قانون هي سريانه، ولأنَّ هذا السريان مشروط بنشر المراسيم التطبيقية، إذا قضى بذلك النص، فإن غياب هذا النشر، أو تأخره يجعل الجهد التشريعي، غير ملموس لدى المجتمع، مما يساهم في جعل المؤسسات تفقد من رصيد الثقة التي يفترض أن تكون للمواطنين فيها. فالرأي العام يتطلع إلى وقع التشريعات على المعيش اليومي وعلى المنظومات الاجتماعية والاقتصادية وعلى علاقة الناس بالإدارة إلخ. واستدراكا لهذه الأوضاع شرعنا في اتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تدخل في صلب السلطات الرقابية للمجلس، وبالتحديد سلطته في الرقابة على تطبيق القوانين التي يصادق عليها، إذ إن عدم نشر المراسيم التشريعية يعني عدم تطبيق هذه القوانين مما يعني بدوره حدا من جوهر سلطة البرلمان التشريعية. إجراءات مقترحة لتتبع تطبيق التشريعات خصوصا من خلال إصدار المراسيم التطبيقية: استدراكا للوضع المشار إليه أعلاه، وضمانا لفعالية التشريع وتجنبًا لهدر الزمن التشريعي، ينبغي للسلطتين، التشريعية والتنفيذية، أن تتعاونا لجعل القوانين سارية بإصدار المراسيم التطبيقية اللازمة لها عند الاقتضاء. وأود انطلاقا من الممارسة والتتبع أن اقترح عددًا من الإجراءات التي نرى أن بإمكانها أن تسعف في تجاوز هذه الوضعية. فالأمر يدخل في صميم حقوق المجتمع على السلطات التشريعية والتنفيذية في إنفاذ القانون. أول هذه الإجراءات يتمثل في أن يطلب البرلمان من السلطة التنفيذية العمل على إرفاق كل مشروع قانون تحيله على البرلمان، بالمرسوم أو المراسيم التطبيقية الضرورية لنفاذه. ولا ينبغي أن ينظر إلى هذا الإلحاح البرلماني على أنه «تدخل» في اختصاص الحكومة، بل اعتباره إجراء مواكبًا ومن صميم السلطة الرقابية للبرلمان وأحد آليات كفالة حكامة التشريع وأهدافه، مادامت القوانين تعتمد لكي تنفذ وتحل قضايا وإشكالات، وتنظم أوضاع وأنشطة وتكفل حقوقا وتعاقب على خرق القانون ليُلمس وقعها على المجتمعات. ثاني الإجراءات، وفي حالة عدم الاستجابة للأول، ينبغي على الأقل أن يطلب البرلمان، خلال مناقشة النص التشريعي على مستوى اللجنة، وتكرار ذلك على مستوى الجلسة العامة، من الحكومة أن تلتزم أمام البرلمان بوضوح بجدولة زمنية لإعداد ونشر المراسيم التطبيقية الضرورية لكل نص، على أن تكون هذه الجدولة مقبولةً ومعقولةً، وألا تكون موضوع تسويف أو تأخير غير مبرر. ثالث الإجراءات يتمثل في أن يتضمن المحضر والتقرير المتعلقان بأي نص تشريعي، تتم المصادقة عليه من طرف مجلس النواب، جردًا بالمراسيم التطبيقية التي يتطلبها سريانه، وعند الاقتضاء، بالقرارات التنظيمية. ومن شأن ذلك أن يكون بمثابة مُفكرة يمكن لأعضاء المجلس العودة إليها في ممارستهم لسلطتهم الرقابية. يتعين على إدارة كل لجنة نيابية دائمة أن تعد تقريرا خاصا وتضع جردا بالقوانين التي يقتضي نفاذُها مراسيم تطبيقية، وعليها رصد نشر هذه المراسيم من عدمه، حتى يتيسر لأعضاء اللجنة تتبع وضعية نشر هذه المراسيم ومناقشة الحصيلة واتخاذ الإجراءات الرقابية الضرورية. ويمكن، في هذا الصدد الاستئناس بالممارسات الدولية، إذ إن الجمعية الوطنية الفرنسية مثلا، على غرار مجلس الشيوخ الفرنسي يحرصان على نشر حصيلة إصدار المراسيم التطبيقية وتقديم تقارير سنوية بشأنها إلى ندوة الرؤساء التي تناقش الوضعية، وتطلع أعضاء المجلس عليها. وذهب مجلس الشيوخ الفرنسي إلى أبعد من ذلك عندما، أحدث في 1971 لجنة لمراقبة تطبيق القوانين، بمقتضى قرار لمكتب المجلس، وأوكل إليها السهر على التنفيذ العملي للقوانين التي يصادق عليها البرلمان. وكانت هذه اللجنة التي أنهت أشغالها في 2011 بعد أن أدت مَهَمَّتَها في استدراك التأخر الحاصل في نشر النصوص التطبيقية تتمتع بصلاحيات واسعة، إذ كانت تعد تقارير موضوعاتية، وتُضَمِّنُها توصيات، وتعقد جلسات استماع عمومية، ولها أن تطلب فتح نقاش في جلسة عمومية حول وضعية تطبيق القوانين. وتوكل مهمة مراقبة تطبيق القوانين في الجمعية الوطنية الفرنسية للجن البرلمانية الدائمة، كل واحدة في مجال التشريع الذي يدخل في اختصاصها، وهي مهمة أساسية من مهام اللجن البرلمانية. ينبغي أن يستثمر أعضاء المجلس حصيلة نشر المراسيم التطبيقية واستنتاج الخلاصات الضرورية من ذلك، وأن يحرصوا على مساءلة الحكومة من خلال الآليات الرقابية الدستورية، أي الأسئلة الشفوية والكتابية، واجتماعات اللجن، بحضور الوزراء المعنيين، والمهام الاستطلاعية، بشأن عدم صدور هذه المراسيم، ومدى نفاذ القوانين. وينبغي أن يكون الرأي العام في صورة هذا النقاش حتى يتشكل توجه ضاغط من جانب المهنيين والقطاعات والأنشطة المعنية، لكي يطلب من السلطة التنفيذية التعجيل بإصدار المراسيم إذا كان منصوصًا عليها. ويمكن في هذا الصدد مثلا، وبناء على مقتضيات الفصل 15 من الدستور توجيه عرائض إلى السلطة التنفيذية، يطلب فيها منها التعجيل بإصدار المراسيم التطبيقية. ينبغي التفكير في إحداث مجموعة عمل نيابية موضوعاتية بعدد محدود من الأعضاء معنية بتتبع التشريع ونشر القوانين وإصدار المراسيم التطبيقية، تسمى المجموعة الموضوعاتية لمراقبة نفاذ أو تطبيق القوانين. وتتكلف هذه المجموعة في حَالِ إحداثها، والتي يدخل اختصاصها في باب السلطة الرقابية للبرلمان، بتتبع التشريع ونشر القوانين في الجريدة الرسمية، ووضع جرد بتلك التي يتطلب تنفيذها مراسيم تطبيقية، وجرد وضعية إصدار هذه المراسيم، وإعداد تقارير في هذا الشأن، وترتيب التوصيات الضرورية لتصحيح أي اختلالات قد تسجلها، على أن يقدم هذا التقرير إلى السلطات السياسية للمجلس التي يمكن أن تقرر مآله في ما يرجع إلى المناقشة والنشر. وما من شك في أن إجراءاتٍ من هذا القبيل تشكل جزء من الإصلاحات التي شَرَعَتْ فيها السلطات السياسية للمجلس خلال الولاية التشريعية العاشرة بشأن أعمال المؤسسة وممارساتها لصلاحياتها الدستورية واختصاصاتها التشريعية والرقابية والتمثيلية وتعزيز مكانتها الدستورية. ومن شأن ذلك أن يجعل المؤسسات تَتَبَيَّن أثرَ العمل العمومي، وبالتحديد الأثر الملموس للتشريع على الحياة العامة. كما أن من شأنه إحداث دينامية جديدة في النقاش العمومي الوطني تتوجه إلى صلب إشكالات حقيقية، لها علاقة بالمعيش اليومي للمواطنين، وعلاقاتهم بالإدارة وبالتدخل العمومي. وستكون الحاجةُ ماسةً إلى مجموعة موضوعاتية من هذا القبيل بالنظر إلى إمكانيات التشريع التي يتيحها دستور 2011، خصوصًا في ما يرجع إلى ضرورة تحيين التشريعات الوطنية لتطابق الدستور، وإعمال الفصل 133 من الدستور المتعلق بالدفع بعدم دستورية أي قانون يُدْفَعُ به في نزاع ما يمس بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور، واعتبارا إلى الحاجيات التشريعية التي يتطلبها المجتمع وتَعَقُّدُ العلاقات والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية، واعتبارا لضرورة ملاءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات والاتفاقيات التي يصادق عليها المغرب. وبالتأكيد، فإن التفاعل على نحو جدلي مع المجتمع من خلال الإصغاء إلى الجمعيات والمنظمات المهنية ومراكز الأبحاث والدراسات، من شأنه أن يغني التشريع الوطني ويساهم في جعل مفهوم برلمان القرب واقعا ملموسًا. وفي هذا الأفق، وضعنا الشراكة مع المجتمع المدني والديموقراطية التَّشَارُكية جزء من الأوراش التي فتحناها خلال الولاية التشريعية العاشرة. الشراكة مع المجتمع المدني وتفعيل الديموقراطية التشاركية : رافعة إضافية للتشريع من بين الإصلاحات الجوهرية التي تضمنها دستور 2011، المقتضيات المتعلقة بإعمال الديموقراطية التشاركية والمواطنة، إذ أفرد لها أربعة فصول (12 و13 و14 و15 بعد التأكيد عليها في الفصل الأول)، وكفل للمواطنات والمواطنين حق تقديم العرائض والملتمسات من أجل التشريع إلى السلطات العمومية والتمثيلية، ومنها بالطبع مجلس النواب. وقد صادق البرلمان في 2016 على القانون التنظيمي رقم 64.14 بشأن تحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال العرائض إلى السلطات العمومية. ومن جهة أخرى يعتبر تنصيص دستور المملكة على هذا الحق اعترافا بدينامية المجتمع المدني المغربي وقوته الاقتراحية وتنوعه المجالي وتعدد اهتماماته وحقول اشتغاله. لقد اضطلع العديد من هيآت المجتمع المدني والجمعيات الوطنية طيلة تاريخ المغرب المعاصر بأدوار حاسمة في التنشئة الاجتماعية، والتنمية الثقافية وتكريس التنوع الثقافي الغني، ونشر وصيانة حقوق الإنسان، والدفاع عن الحقوق الاجتماعية، كما كان ولا يزال يلعب دورَ المُنَبِّه إلى الاختلالات وإلى الخروقات المحتمل حدوثها في السياسات العمومية وفي تدبير المرافق العمومية. وقد أَهَلَّت هذه الأدوار، وهذه المكانة المجتمعية، هيآت المجتمع المدني المغربي لتكون شريكا في التطور الحقوقي، وفي التنشئة الاجتماعية والتنمية المحلية، وفي تمكين فئات عريضة من السكان من الخدمات الأساسية من قَبِيلِ الماء الشروب، ومحاربة الأمية، وفك العزلة عن المناطق النائية والجبلية وبناء اقتصاد اجتماعي تضامني وغيرها من الأعمال ؛ كل هذا أَهَلَّهَا، لتكون شريكا للدولة ولِيَتِم تكريسُها فاعلاً مستقلاً ومخاطبا مؤطِّرا للفعل الثقافي والحقوقي والمدني والإنمائي. وقد كان من ثمرات الإصلاحات الدستورية والمؤسساتية وتراكم الخبرات لدى المجتمع المدني المغربي، والكفاح الثقافي والحقوقي الذي خاضته الحركة الجمعوية المغربية الملتزمة بقضايا الوطن أن تمت دسترة حقوقها وواجباتها وأدوارها في دستور 2011، وتكريسها طرفا مساهما في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها كما هو منصوص على ذلك في الفصل 12 من الدستور الذي يجعل من إحداث هيآت للتشاور، قصد إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين، في إعداد السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، من مسؤوليات السلطات العمومية. إننا أمام أدوارٍ جديدة للمجتمع المدني يُؤَطِّرُها الدستور، تتجاوزُ الوضعَ الكلاسيكي للمنظمات المدنية والجمعيات الى وضع دستوري وقانوني واعتباري يُكَرِّسُ دورَها الحاسم في المجتمع. وبِالتأكيد، فإن هذه الأدوار، وهذا الاعتراف، سيعطي نَفَسًا جديدا للديمقراطية، إذ إن إشراك المواطنين من خلال المبادرات المدنية لن يعمل إلا على تقوية التفاعل الايجابي بين المؤسسات والمجتمع. وفي السعي إلى إعمال الاصلاحات الجوهرية بشأن أدوار المجتمع المدني، اعتبرنا في مجلس النواب أن ثَمةَ رهانًا كبيرًا على هيآت المجتمع المدني من أجل تأطير مبادرات المواطنات والمواطنين في مجال العرائض والملتمسات. وبالقَدْر الذي يساهم هذا التأطير في زيادة مصداقيةِ وشعبية الهيآت المدنية، بالقدر الذي يُوَسِّعُ من دائرة المشاركة المواطنة ويساهم في تجويد السياسات العمومية والتشريعات، ويُقَوِّي المؤسسات ويجعلها متفاعلة أكثر مع المجتمع وانشغالاته. ومع أن الديموقراطية التشاركية لا يمكن أن تعوض الديموقراطية البرلمانية التمثيلية، ومع كل الحدود التي ينبغي احترامُها بين المدني والسياسي، ومع ضرورةِ الإقْرارِ بأن الجمعيات المدنية لا يمكنُ أن تَقُومَ مَقَامَ الأحزاب السياسية، فإنها تُعْتَبَرُ دعامةً أساسية للمؤسسات، وتجعل اشتغالها أكثر شفافية، ومرآة أَنْصَع أمام عموم المواطنين. وبالتأكيد، فإنها على هذا النحو، ستكون رافدًا للديموقراطية وإحدى أدوات تخصيب العمل الديموقراطي المؤسساتي، خصوصا في سياق ما تتعرض له الديموقراطية المؤسساتية في مختلف المجتمعات من انتقادات، وفي حالات عديدة من تشنيع ومناهضة. وتيسيرًا لتلقي ودراسة عرائض المواطنين المُوَجَّهة إلى المجلس، وتحديدا مآلاتها، أحدثنا لجنة العرائض لدى مكتب المجلس مهمتها تلقي عرائض المواطنات والمواطنين طبقا لمقتضيات الدستور والنظام الداخلي للمجلس والقانون التنظيمي ذي الصلة بذلك،وأدرجنا ضمن الهيكلة الإدارية الجديدة للمجلس مصلحة للعرائض والملتمسات من أجل التشريع. وبالتأكيد فإن طموحنا كان يتَجاوز هذه الإجراءات على أهميتها. لقد سعينا إلى تحقيق برلمان القرب، المتفاعل إيجابيا مع انشغالات المجتمع، وكذا نشر الثقافة الديموقراطية والبرلمانية على نطاق واسع، والتوجه إلى الجمهور اليافع والشباب، مع حرصنا التام على تلقي عرائض المواطنات والمواطنين، وملتمساتهم من أجل التشريع وهما حَقَّانِ يَكْفَلُهُمَا الدستور. إن هذه الرؤية هي ما يؤطر التزامات مجلس النواب في ما يخص «الشراكة من أجل حكومة منفتحة»، والبالغ عددها ست مجموعات من الالتزامات. ويتعلق الأمر بتنفيذ مقتضيات الدستور في ما يرجع إلى الديموقراطية التشاركية والمُوَاطِنة، وإشراك المواطنات والمواطنين في المسلسل التشريعي وتنفيذ المقتضيات الدستورية القانونية بشأن فعالية ممارسة الحق في الحصول على المعلومات واستعمالها، ونشر الثقافة البرلمانية والانفتاح على المجتمع واستشارة المواطنات والمواطنين في مسلسل تقييم السياسات العمومية. ويتعلق الأمر بأوراش ورهانات هي في صميم الإصلاحات المؤسساتية والدستورية. وينبغي أن يظل الطموح إلى أن يضطلع المجتمع المدني بدور الشريك الوطني في تحقيقها بما يحقق أهداف الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة وتكافؤ الفرص والمشاركة هدفا مشتركًا لمكونات المؤسسة التشريعية توخيا لزيادة الثقة وإصغاءً لصوت المجتمع. ويظل الهدف هو الاستفادة من طاقات وإمكانيات هذه الهيآت بحكم ما يتسم به نشاطها من قرب وتنوع وامتداد مجالي، وترسيخ الثقة بين السلطات التنفيذية والتمثيلية من جهة وهذه الهيآت من جهة أخرى، بما لذلك من ترسيخ لثقة المجتمع في الدولة وتدخلاتها وسياساتها العمومية ومؤسساتها. وانخراطا من مجلس النواب في هذا الأفق التشاوري وتفعيلا للديموقراطية التشاركية والمواطنة، حرصنا في سياق تعديل مقتضيات النظام الداخلي للمجلس على تخصيص جزء كامل من هذا النظام للديموقراطية التشاركية. هذه الأهمية الاستراتيجية التي يحظى بها المجتمع المدني في المغرب، وهذه الأدوار التي تمت دسترتها وكانت موضوع تشريعات تأسيسية، كان لابد من أخذها بالاعتبار في العمل البرلماني، الرقابي والتشريعي والتقييمي والتواصلي. في هذا السياق حرصنا على مأسسة العلاقة بين المجلس وهيآت المجتمع المدني من خلال تنظيم منتدى للمجتمع المدني، ومن خلال مواكبة تأسيس ما سميناه بالائتلاف المدني لدعم الديموقراطية في سياق تفعيل التزامات المجلس في إطار مبادرة «الشراكة من أجل حكومة منفتحة Open Government Partnership». إن الأمر يتعلق أيضا بالانخراط في الأفق الجديد الذي تنفتح عليه الديموقراطيات العصرية والذي يشرك المجتمعات المدنية والمنظمات غير الحكومية اعتبارًا لوزنها المجتمعي وديناميتها واستغلالها، على أساس القرب، على قضايا واشكاليات ذات أهمية كبرى في السياقات الوطنية والدولية الراهنية، وأيضا في المستقبل (الاختلالات المناخية – المساواة – الحقوق الفردية والجماعية في علاقتها بالتكنولوجيات الجديدة – الاستهلاك – الأوبئة الجديدة و»الحروب البيولوجية»). علاقة بهذا، وفي سياقه انضم مجلس النواب في شتنبر 2019 إلى المبادرة العالمية المسماة «الشراكة من أجل حكومة منفتحة» التي أصبحت مفتوحة أمام البرلمانات التي أضحت مكونا وفاعلا أساسيا فيها. وقد كان هذا الانضمام مكسبا هاما لبلادنا وإقرارًا من جانب هذه المبادرة الدولية بمكانة المؤسسة في النظام المؤسساتي الوطني ودورها في تجسيد الديموقراطية، وبالتطور الديموقراطي الذي تحققه بلادنا. في هذا الأفق، وفي إطار الدستور الذي تنسجم العديدُ من مقتضياته مع روح وفلسفة ومبادرات الشراكة من أجل حكومة منفتحة، سواء في ما يرجع إلى الشفافية أو إشراك المواطنين أو ربط المسؤولية بالمحاسبة أو كفالة الحق في الحصول على المعلومات واستعمالها، كانت مبادرتنا الإرادية والمطلوبة في الانضمام إلى الشق البرلماني من مشروع «الشراكة من أجل حكومة منفتحة» بعد أن أصبح المغرب رسميا عضوا في هذه المبادرة منذ أبريل 2018. ولم يكن مجلس النواب لينتظر هذا الانضمام لينجز العديد من مشاريع الإشراك والانفتاح والتواصل. فقد أنجز مشروعا طموحاً في مجال البرلمان الالكتروني بكل ما يعنيه من تداول سريع وشفاف للمعلومات والمعطيات، وحَوَّل جريدته الرسمية إلى نسخة إلكترونية وأطلق نسخة جديدة من موقع المجلس على الانترنيت، وهي نسخة تَفاعلية تيسر تفاعل المواطنين مع مهام المجلس في التشريع والرقابة والتقييم. وقد كان سياق الجائحة مناسبة سَرَّعنا خلاله إنجاز باقي مكونات البرلمان الالكتروني، وحرصنا على نقل أشغال اللجن النيابية الدائمة بالإضافة إلى أشغال الجلسات مباشرة على قنوات المجلس الالكترونية مما يسر تفاعلا مكثفا للمواطنات والمواطنين مع المناقشات التي يشهدها المجلس، ومما جعل الجمهور يكتشف أهمية العمل البرلماني والمناقشات التي تجرى في إطار اللجن النيابية التي نعتبرها دوما مختبرًا حقيقيًا للعمل البرلماني.