مأساة في الصويرة.. غرق طفل بعد أن جرفته السيول    الغزياني تقود "نساء UMT" بسطات    زيادة طفيفة في نسبة ملء السدود المغربية بعد التساقطات الأخيرة    نحو إدارة موانئ مستدامة    العملات الرقمية.. استخدام واسع للمغاربة ترافقه أحكام بالإدانة وترقب لصدور قانون مؤطر    انتقادات لنجاعة الرقم الأخضر للتبليغ عن تجاوزات السوق في ظل غياب تسقيف رسمي للأسعار    سوريا تحقق في "المجازر المروعة"    "النظام الأساسي" يضع وزارة التعليم العالي على صفيح ساخن بالمغرب    نشرة جوية إنذارية محينة بالمغرب    وداعًا نعيمة سميح...    نعيمة سميح .. من برامج اكتشاف المواهب إلى صوت المغرب الخالد    عمر أوشن يكتب: ليلة غنت نعيمة سميح للمعتقلين السياسيين "ياك أجرحي"    القول الفصل فيما يقال في عقوبة الإعدام عقلا وشرعا    الأمازِيغ أخْوالٌ لأئِمّة أهْلِ البيْت    السمنة .. وباء عالمي    اتحاد طنجة يخطف تعادلا من العاصمة العلمية    طقس مضطرب غدًا الإثنين.. ثلوج كثيفة وأمطار عاصفية ورياح قوية تضرب عدة مناطق    بطولة إسبانيا لكرة القدم.. ريال مدريد يفتقد خدمات كورتوا وروديغر أمام فايكانو    غزة.. حماس تدعو لبدء مفاوضات المرحلة الثانية من الهدنة ووفد إسرائيلي سيتوجه إلى الدوحة    عبد الوهاب الدكالي ل "أكورا": نعيمة سميح فنانة استثنائية-فيديو-    مجرد مخالب..    المغرب يستورد أزيد من 600 ألف طن من الزيوت النباتية من روسيا    ملاعب للقرب تفتح أبوابها للشباب بمقاطعة سيدي البرنوصي    إريك أبيدال مديرًا رياضيًا لنادي الوصل الإماراتي    حقيقة الأخبار المتداولة حول خطورة لحوم الأغنام على صحة المغاربة..    اتفاق نهائي بين نهضة الزمامرة والفرنسي ستيفان نادو لقيادة الفريق خلقا لأمين بنهاشم    كم هدفا يحتاج المصري محمد صلاح ليصبح الهداف التاريخي لليفربول؟    تفكيك شبكة إجرامية بماربيا لها ارتباطات ب"المافيا المغربية"    نساء فيدرالية اليسار تطالبن بإصلاحات جذرية للحد من تهميش المرأة المغربية    نورة الولتيتي.. مسار فني متألق في السينما الأمازيغية    مغربي ضمن الفائزين بجائزة الامارات الدولية للقرآن الكريم    المرصد الجهوي للحق في المعلومة بجهة فاس مكناس يصدر تقريراً حول القانون رقم 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات    الدرك الموريتاني يحبط عملية تهريب مهاجرين بسيارة إسعاف قرب نواذيبو    أمسية رمضانية أدبية احتفالا بإبداع الكاتب جمال الفقير    من هو "كارليس مينيارو" الذي فجع برشلونة برحيله قبيل انطلاق مواجهة أوساسونا؟    ال"كاف" يعقد جمعه العام الاستثنائي منتصف مارس الجاري بالقاهرة    عمر الهلالي يعلق على اهتمام برشلونة ورغبته في تمثيل المغرب    وزير جزائري سابق يعرض معادن بلاده على ترامب لتغيير موقفه من قضية الصحراء المغربية    مايكروسوفت تقرر وقف تطبيق الاتصال عبر الإنترنت "سكايب"    رحلت عنا مولات "جريت وجاريت"    الصين عززت جهودها القضائية لمكافحة الفساد في 2024 (تقرير)    علماء صينيون يكشفون أسرار الحياة في أعمق نظام إيكولوجي بحري على الأرض    "حماس" تدعو المجتمع الدولي لحماية الفلسطينيات من جرائم إسرائيل    إغلاق مسبح ''المون'' بالجديدة.. قرار يحتاج إلى إعادة نظر    المحامي البعمري: إعادة جثمان الشاب الجزائري في أقرب وقت واجب إنساني    توضيح بشأن عاصفة جانا    المغرب وإعادة تشكيل التوازنات الجيوسياسية والاقتصادية في إفريقيا    السفير الأمريكي الجديد في المغرب.. على خطى جده السفير السابق لواشنطن في الرباط بين عامي 1979 و1981    إيران ترفض دعوات أمريكية للتفاوض    النساء بجهة الشمال يمثلن ما يقرب من ثلث اليد العاملة الدائمة في المؤسسات الربحية    تسجيل أزيد من 24 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2025    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    أفضل النصائح لخسارة الوزن    عمرو خالد: هذه ملامح استراتيجية نبوية ناجعة للتعامل مع تقلبات الحياة    اضطراب الشراهة عند تناول الطعام: المرض النفسي الذي يحوله تجار المكملات الغذائية إلى سوق استهلاكي    مقاصد الصيام.. من تحقيق التقوى إلى بناء التوازن الروحي والاجتماعي    فصل تلاوة القرآن الكريم في شهر رمضان    خبير يدعو إلى ضرورة أخذ الفئات المستهدفة للتلقيح تجنبا لعودة "بوحمرون"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أُنطولوجيا الجسد (11)
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 16 - 07 - 2021


الجسد كرهان للمتعة

نلفي عند" أنتونان آرطو" عبارة جميلة تعود إلى سنة 1947 كتبها شهورا قليلة قبل وفاته يقول فيها ما معناه :"إن كون الحيز الفارغ لللانهائي، بلا فوق ولا تحت؛ جرم. لأنّ ثمة جسدي الذي إليه تنتهي كلّ الأشياء ومنه ينبغي أن تبدأ. فالقول بالفراغ يعني نفيه، بالرغم من كونه ما يزال موجودا هنا." استئناسا بهذه العبارة، نلاحظ ونحن أمام إشكالية الجسد امتثال الفراغ كعدوّ له حدّ اعتباره جرما وذنبا في حقّ الجسد. فالجسد عند صاحب مسرح القسوة، هو الوجود ذاته، منه تبدأ الأشياء وإليه تؤول. وبقدر ما يحيل الجسد إلى مادة متعيّنة وملموسة، يحيل الفراغ إلى عدمٍ محضٍ وخواءٍ لا متعيّنٍ.الجسد بالنسبة لآرطو أولى، لأنه نقيض الموت والفناء. فنحن لا نولد من أجل الموت بل من أجل الحياة. فالميلاد والحياة الملازمة له حالة نهائية إذ لا أحد باستطاعته أن يعيد حياته من جديد. فليس ثمة غير حالة مادية تقبع بين عدمين، هي ما يدوم قليلا بيد أنّ العدمين يدومان إلى الأبد. لكي نفهم، يلحّ آرطو سنة 1945،علينا أن نلوّث اللانهائي. يعني هذا الذي هو عدوّ الجسد ويشطره نصفين، إلى لحم مدنّس وروح فاضلة، كما الشأن في الأديان، أو إلى ذات حسية وذات عقلانية كما الشأن عند أفلاطون، أو إلى ذات فنمنولوجية وذات نومين كما الشأن عند كانط ...وهكذا ففي الحالات كلها كان الانتصار حليف الطرف الثاني على حساب الأوّل، باعتبار أنّ الجسد ليس يستحقّ إلا التحقير والتبخيس، النبذ والإقصاء. وبطبيعة الحال فالذي يهجو الجسد إنما يفعل ذلك إعلاء من شأن الروح والفراغ، وتمجيدا للفناء على حساب البقاء. وتفضيلا للموت بدل الحياة، ودعوة للتقشف ضدّ الاستمتاع، ورغبة في الألم بدل الأتراكسيا، ونشرا للترهيب والرعب عوض الطمأنينة والأمن. الذي يهجو الجسد يتنكر للرغبة. إنه على حدّ توصيف نتشه "الرتيلاء ذات الصليب "التي تبغض الجسد واللحم وتكره الرغبة والمتعة. فهي حيث يلوذ الناس للعيش سعداء لا تكفّ تدعوهم للعيش بتقشف؛ وحيث يستحسن الضحك تعظهم للصلاة؛ وحيث ينشدون شرب النبيذ احتفاء، تتأهّب للعشاء الأخير على نحو ما فعل المسيح مع حوارييه قبل أن يصلب(1).
على أساس أطروحة الفراغ إذن، بذل مجهود ليس بالهيّن من لدن وريثي التقليد الفلسفي الأفلاطوني سعيا منهم لجعلنا ننسى أنّ لنا أجسادا: فالفلسفة المثالية، الروحانية والأفلاطونية، قامت دوما ضدّ الفلسفة المادية، الشهوانية والأبيقورية؛ فالتقليد الفلسفي السائد على طول الشريط التاريخي، تقليد ما فتئ ينتصر للمثال الأعلى الزهدي، مقلصا بذلك من قدر الفلسفة المتعية باعتبارها لا فلسفة، بل هي عامية وغوغائية حتى. لنتذكر بالمناسبة التوصيف الرواقي للفلسفة الأبيقورية: فهي بنظرهم فلسفة خنازير لا غير. وهو التعبير نفسه الذي وظفه "هوراس" تبخيسا بالطبع للأبيقورية وحطّا من قدرها كفلسفة جسد ليس إلا. لكن والحالة هاته، ماذا لو وقفنا عند الدلالة الفلسفية لهذا الحيوان بالذات؟ لماذا الخنزير لا غيره من الحيوانات؟ ردّا على هذا السؤال، علينا استحضار التقليد الفيتاغوري وكذا الأفلاطوني بحيث "أنّ الروح بنظرهم تعود بعد الموت لتتقمّص جسدا فاضلا على نحوٍ ما نكون قد عشنا حياة فاضلة، لكنها قد تتقمص جسد خنزير إذا كنا قد عشنا حياة قدرة ابتغيناها، تسودها الملذات والرغبات، النزوات والأهواء. ذلك أن روح الفاسق تنفصل عن جسده عندما يموت لتتقمص جسم حيوان يرمز للدناءة والحقارة الملموسة في سلوكه"(2).
لكن لماذا الخنزير بخاصة؟ لأنّ بنيته الفزيولوجية تحول دونما التفاته تجاه مصدر الفكر: السماء المرصعة بالنجوم العزيزة على قلب كانط. فهذه البنية هي ما يجبر الحيوان بالتالي على التنقيب في الأرض بفنطيسته، وقدره إنما هو المحايثة ليس إلا. فالخنزير حيوان أرضي بامتياز، يحيى وأقدامه لا تبرح الأرض بله وفي عمق الطين ذاته. فهو إذن ما يجسّد البعد المادّي للحياة حتى أنّ كل امرئ يسلك سلوكا مادّيا سرعان ما ينعت بأقبح النعوت، من قبيل وصفه بلغتنا الدارجة "بالحلُّوف". فأن يكون المرء ماديا إهانة. فالمادي إنسان إذ لا يؤمن بالروح ولا بعالم المثل يتشبّث أيما تشبّث بكيانه الذي ما بعده كيان، أي بجسده لا غير. هذا الجسد الذي أسيء تقديره على مر العصور، فطاله لا النسيان والإهمال فحسب، لكن التبخيس والتجديف أيضا. يكفي على سبيل الذكر أن نستحضر الرؤية السائدة طيلة تاريخ الفلسفة الرسمية بدءا من أفلاطون حتى هيغل (الذي ظل يكنّ حقدا جاما للمادية أنظر"دروسه حول تاريخ الفلسفة" )مرورا بترسانة من المفكرين اللاهوت حيث لم يكن الجسد يتمثّل إلا كعدوّ، سواء عند أفلاطون الذي يكره الجسد لأنه يتغذّى مقيما المفاضلة لأجل روح سامية تروم التوحّد بالواحد الخيٍّر، أو عند كانط الذي انتهى عبر نظامه التراتبي للحواس إلى إيلاء حاستي النظر والسمع أولوية لا تضاهى، مادامتا بحسبه أساس إدراك الحقيقة في شموليتها، مما تولَّد عنه اعتبار الرسم والموسيقى فنّين عظيمين، بيد أنّ الحواسّ الأكثر بعدا ماديا كاللمس والذوق والشمّ، تأتي في المراتب الأخيرة بله كل ما يرتبط بها كالطبخ وصناعة الخمر والعطور لا ترقى إلى أن تكون فنّا. على منحى هذا النهج الأفلاطوني-اللاهوتي إذن، لاشيء مرغوب فيه عدا الموت "فحلم أفلاطون هو فصل الروح عن الجسد المدنّس، والفيلسوف الأصيل في اعتباره هو من يكتنفه نزوع حقيقي للموت حيث بذلك فحسب يتميّز عن باقي البشر"(3).
على هذا النهج، ألا يكون المذهب الأفلاطوني هو الذي شيّد منذ خمسة قرون برنامجا لتبرير مذهب الصلب الذي هو مذهب المسيح، وبالتالي باقي مذاهب التعديم التي مانزال نعاني ثقلها اليوم؟ كيف إذن يمكننا فهم حضارة تقوم على تمجيد كلّيّ للعدم والموت؛ اللهم إلا إذا أتبتنا طابعها الظلامي أي المعادي للحياة. فالظلام إن كان يدلّ على شيء فإنما يدلّ على منحى الاستعباد والامتلاك، الهيمنة وحبّ التملُّك. الظلام إذ ينتصر لغريزة الموت فلأنه لا يقوم إلا ضد ما هو شمسي، مادام الشمسي على حد تعبير ميشال أونفراي يفيد كل ما هو تحرُّري ويعيد ارتباطنا بالحياة. ذلك أن هذا الطابع الظلامي الذي مايزال يمتثل كجوهر حضارتنا اليوم هو من أسس قواعد نظام شبقيّ ليليّ بدل نظام شبقيّ شمسيّ. وشتّان مابين النظامين. إذ بقدر ما يروم الأوّل تكبيل قدرات الجسد وتقليص مساحات الرغبة بقدر ما يروم الثاني خلق إمكانات جديدة لتحقيق الرغبة وتحرير الجسد. فالنظام الشبقي الليلي يقيم الجماعة ضدّ الفرد ويحتكم منطقا الكمّ ضدّ الكيف. إنه أساس الترسيمات السائدة المعدّة سلفا للقطيع والدهماء الغوغاء والأجلاف. فحيثما تزعم الحضارة أنها تكوِّن أجيالا حرة وواعدة، فهي لا تعمل بفضل هذا النظام، في واقع الأمر إلا على صنع أناس طيّعين وأجساد خاضعة سياسيا ومجدية اقتصاديا. فرق شاسع إذن بين تصوّر شمسي للرغبة محرِّر وتصور ليلي قاتل.
فالتصور الأول لا يقوم ضد الثاني إلا لأنه يروم صنع أناس أكثر تحررا في علاقتهم بذاتها. ذلك أن الإنسان الحرّ عكس العبد تماما، هو من يحيى بلا أحكام قبلية، بلا أستاذ ولا وصيّ جبّار، بلا خوف ولا رعب مادام لا شيء يحكمه وله أن يخضع لمنطقه. الحرّ يروم توسيع قنوات توليد الرغبة خارج كل الطابوهات، ويسعى إلى بناء جنسانية هي غاية ذاتها لا تروم غير متعة الإغواء والإنفاق، داركا أن باستطاعته استهلاك طاقته الجنسية واستنفاد قدراته الجسمية على نحو متعوي خالص. والحال أن هذا كله طريقة في العيش على نحو فنّ الغندرة المنبوذ من لدن العبد مادام بحسبه مجرد تكبر وتعالٍ. فالغندور إذ يدعونا إلى التعاطي مع الأخلاق كنشاط فني، أي كمجال للمزيد من التأنق والتبختر سعيا وراء بناء ذات متفردة، هوسها الكيف قبل الكمّ، والجمالية لا الدناءة، فليس إلا لأنه من يدرك الحياة كلحظة تستوجب حسن الاستثمار خلافا للعبد الذي يعانيها كعبء. وبقدر ما يختار الغندور نهج المتعية أسلوبا يستشعر فيه الحياة من حيث هي ما يستوجب أن تعاش قبل فوات الأوان وحلول الموت، يركن العبد مستسلما للسكون، منتظرا لا الموت فحسب بل ما بعد الموت في رعب كئيب. الغندور إذن نموذج النظام الشبقي الشمسي بينما العبد نموذج النظام الليلي. الأوّل يحبّذ هيراقليطس ونهره الانسيابي، بينما الثاني مشدود لدائرة بارمنيدس الثابتة. ومادام الغندور يدرك أيما إدراك أننا لا نسبح في النهر مرتين، فحكمته في الحياة هي الاستثمار الجيد للوقت، بله والتحرر من كل العراقيل التي تحول دونما بناء المرء لذاته واللوذ بحياة سعيدة؛ فهو من ثمة من لا يضع شيئا يعلو عرشه الذي هو عرش الحرية على اعتبار أن"الإنسان الذي يعجز عن تخصيص ثلثي وقته لنفسه، ليس بإنسان حرّ"(4).وهي بنظري مدة تكفي لاستعادة المرء لذاته مخاصمتها ومصالحتها إذكاء للحواس ضدّ ما يطالها من بلادة جراء انغماسها في الخيوط العنكبوتية للترسيمات المهيمنة.
وبالمناسبة، إذا كان قياس الزمان اكتشافا، يعود الفضل فيه لأهل الدين والتجار، فليس إلا سعيا منهم وراء إخضاع كل إرادة حرة: الأوائل من أجل الصلاة والآخرون من أجل العمل والإنتاجية (5) ، فليس من السهل أن يستفرد الشخص مع هؤلاء لا بوقته ولا بجسده: كيف والاستيقاظ وكذا النوم، يتوقفان على الآذان لا بل ومسار اليوم كله، لأن كل شيء يجب تأجيله أمام مواقيت الصلاة. فهل بوسع الجسد أن يكون مع سيادة منطق الصف والتراتبية، حيث لا نساء فضلا عن قانون المسنين الذي بموجبه يحتل الكبار سنا الصفوف الأمامية؟."فالسجود مثلا يستوجب الانبطاح الكلي للجسد، بحيث العظام السبعة ينبغي لها أن تبقى في تماس مع الأرض: الجبهة والكفّان والركبتان والأطراف الأخيرة للرجلين "(6).
النتائج الحتمية بعد هذا كله إذا ما أضفنا له كدّ العمل، هو فظاظة الشهوانية واخشوشان أعضاء الجسد، لا بل كذلك إصابة الأعضاء التناسلية بالعيّ، تركا لبقية الجسد حرا طليقا لغاية استخدامه كأداة للإنتاجية والعمل لا غير. ثمّة إذن ترسانة من الطقوس تعمل ضمنيا من أجل التطويع الكلي للكائن قد نورد منها فضلا عما سلف الختان، بحيث أنه بالرغم من عدم وروده في القرآن أقحم بالقوة كسنّة وغدا معيارا حاسما في الانتساب للأمة، وهو الشأن نفسه عند اليهود بينما الختان عند المسيحيين يتجاوز مجرد ترك بتر على الجسد، ليضحي مسألة خصاء عقلي. مع المسيحية لم يعد الختان شأنا ذا صلة بالواقع أكثر مما عاد وهو المهم مسألة طهارة القلب. وهي طهارة تستوجب تخليص الجسد من كل خطايا المتعة. من ثمة كان التعميد، لكن وكذلك التزهد اليومي اقتفاء لأثر حياة المسيح وآلامه ."فمع القديس "بول دي تارس"يحافظ المؤمن بقضيبه، هذا ما لا شكّ فيه، لكنه يفقد جسده كليا"(7).على هكذا منوال تسود غريزة الموت العالم بأسره ويكتمل فيزيقا وأد الجسد. فماذا يتبقى من هذا الذي ندعوه جسدا، حالما استحضرنا هذا التاريخ الطويل من إكراهات الصلب المتواترة منذ قصة الخلق؟ حيث الرغبة ظلت دوما قرينة بالمسّ الشيطاني وحيث الجنس مكث مظلما، لا نحياه إلا كلعنة وعبء. ماذا سيتبقى لنا كذوات حالما بقينا نعتبر المتعة واجبا اجتماعيا، بله وفي أفضل الأحوال عيدا لا نستطيع الاحتفاء به إلا بموجب صدور مرسوم إداري؟ لاشيء غير الفراغ، الذي استشعر خطورته آرطو. من ثمة ضرورة استحضار الفلسفة لا كنهج لبناء القضايا وطرح السؤال فحسب، بل أيضا كمنهج لإيجاد الحلول. حلول نحن أحوج ما نكون إليها، خلقا لإمكانات حياة جديدة، يغدو فيها نوع من "التعاقد المتعوي" ضروريا، حتى تضحى المتعة القاسم المشترك ما بين الناس على نحو قاعدة "الإمتاع والاستمتاع"تفاديا للكآبة والألم المجسد للشر المطلق بله للسلبية ذاتها. فأن لا يحيى المرء حياته على نحو أفضل جرم هو وحده المسؤول عنه
الهوامش:
(1) Michel onfray,Le désir d'être un volcan,journal hédoniste1,éd.grasset,1996.p.396.
(2) ما معنى أن تكون أبيقوريا اليوم حوار مع ميشال أونفراي .ترجمة حسن أوزال.موقع الأوان .
(3)Platon,Apologie de socrate phedon (64b),trad.et notes par E.chambry Ed.garnier Flammarion
(4) Michel onfray,Le désir d'être un volcan,journal hédoniste1,éd.grasset,1996.p.76-77 .
(5)idem.p .398.
(6)Onfray Traité d'atheologie,physique de la metaphysique,éd.grasset 2005.p.114.
(7)idem.p.153-154.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.