كان لافتا التعديل الحكومي، الذي شهدته الجزائر بتاريخ 7 يوليوز، والذي قاد 34 وزيرا إلى الحكومة، فقط أربعة منهم ينتمون لأحزاب سياسية، فيما الباقي تقنوقراط العسكر، مما أدى لطرح سؤال ليس حول أهمية تواجد الأحزاب السياسية في الجزائر، بل هل مازال هناك سبب لاستمرار حزب الدولة والعسكر «جبهة التحرير الوطني» مادام هذا الأخير لم يستطع أن يقود الحكومة ويكون عصبها الأساسي؟ خاصة وأن الجبهة تُعتبر درع الدولة الحزبي، الذي تتحكم بواسطته في الحياة العامة، وبه تهيمن على كل المشهد السياسي، لذلك فسؤال استمراره بعد هيمنته على الجزائر، طيلة عقود، أصبح سؤالا مشروعا، خاصة وأنه أصبح يصل لمستوى طرح دواعي استمرار الجبهة بعد انقلاب شنقريحة عليها وتشكيله لحكومة تقنوقراط من خريجي ثلاجة العسكر. الملفت ليس هذا التعديل فقط، بمختلف أبعاده السياسية التي يطرحها، بل أيضا بعودة اسم لقيادة الخارجية الجزائرية، الأمر يتعلق بتولي لعمامرة للخارجية الجزائرية من جديد، الرجل المنتمي لمرحلة بوتفليقة مع كل ما يعنيه ذلك من ولاء مطلق للبومدينية القائمة على معاداة الجيران، وأولهم المغرب، وعلى تضخيم الخطاب حول الجزائر وأدوارها في المنطقة، حتى لو كانت أدوارا سياسية إقليمية وهمية. بالتركيز على تعيين لعمامرة، يمكن تقديم الخلاصات أوالقراءات التالية لهذا التعيين القديم/الجديد: – الجزائر فشلت في إجهاض تولي غوتيريس لولاية ثانية على رأس الأممالمتحدة، هذه الولاية التي حظيت بدعم مغربي، مقابل نفور جزائري ومحاولة العسكر عرقلة تولي غوتيريس رئاسة الأمانة العامة للأمم المتحدة لولاية ثانية، هذه الهزيمة التي خلفها بوقادوم مع الدعم المغربي لغوتيريس، دفع العسكر إلى التفكير في الاستنجاد بواحد من الدبلوماسيين الجزائريين الذي يُفترض أن له علاقة وطيدة وشخصية مع الأمين العام، بحسب ما قدمته وسائل الإعلام الجزائرية للرأي العام لتبرير هذا التعيين، لكن ما تناساه العسكر أن هذا التعديل لن يستطيع التأثير في مُجريات المسلسل السياسي، الذي قطعه نزاع الصحراء داخل مختلف أجهزة الأممالمتحدة، خاصة بعد التأكيد النهائي للولايات المتحدةالأمريكية لموقفها الثابت والراسخ من مغربية الصحراء، ومن مبادرة الحكم الذاتي، التي اعتبرتها الحل الأمثل والوحيد لهذا النزاع المفتعل من طرف الجزائر، لذلك فتعيين لعمامرة هو مجرد محاولة استدراك انعكاسات التقدم، الذي حققه المغرب أمميا بدعم دولي واضح. – تعيين لعمامرة المعروف بشبكة علاقات كبيرة كونها في فترة رئاسة بوتفليقة للجزائر على المستوى الإفريقي كانوا مستفيدين آنذاك من غياب المغرب عن الاتحاد الإفريقي، لذلك فعودته مجرد محاولة عرقلة الدينامية التي خلقها المغرب إفريقيا على المستوى الاقتصادي، الثقافي والسياسي، وعلى مستوى الموقف الإفريقي من نزاع الصحراء، الذي بات اليوم يتجه نحو تبني الاتحاد الإفريقي لنفس الموقف الأممي وإقراره الرسمي بحصرية مناقشة النزاع بالأممالمتحدة. لكن أكثر ما دفع النظام العسكري إلى التفكير بتعيين لعمامرة هو وعيه أن الاتحاد الإفريقي بعد اقتناع غالبية دوله بأهمية المقترح، الذي قدمه المغرب، وبضرورة انسجام موقفه مع الموقف الأممي على مستوى التعاطي مع تنظيم البوليساريو، الذي بات قاب قوسين من تجميد عضوية هذا التنظيم داخل الاتحاد الإفريقي والتعامل معه كتنظيم سياسي معني بالنزاع إلى جانب أصوات صحراوية أخرى، هذا الموقف الذي بات يتبلور بوضوح داخل الاتحاد الإفريقي، أصبح مصدر قلق كبير داخل العسكر الجزائري لأنه سيُنهي مع حلم «الجمهورية الصحراوية» إفريقيا وسيعيدها لحجمها الطبيعي كتنطيم مليشياتي مُفتقِد لأي مشروعية سياسية أو تنظيمية داخل المخيمات، التي باتت ساكنتها تنتصر لأصوات أخرى ولفكرة العودة للمغرب، ولمبادرة الحكم الذاتي. – تعيين لعمامرة يأتي في ظل هزيمة الأسلوب، الذي اعتمدته الخارجية الجزائرية أثناء مرحلة بوقادوم الذي يُعد أفشل الوزراء في تاريخ الجزائر، وأكثرهم «بلادة» على المستوى الدبلوماسي، إذ انحصر دوره فقط في التنديد بالمغرب وتدبيج بيانات يتيمة، في ظل غياب تأثير إقليمي واضح. هذه الهزائم المتتالية التي تلقتها الجزائر على مستوى ملف الصحراء خاصة، وعدم قدرة بوقادوم على وقف الديناميات الكبيرة، التي خلقها المغرب في الصحراء، من خلال افتتاح القنصليات الأجنبية رغم كل التحركات التي قام بها لدى عدة دول، هذا النجاح الديبلوماسي المغربي شكل عنوانا وإعلانا لفشل سياسي ودبلوماسي للعسكر الجزائري، بشكل عام، ولبوقادوم، بشكل خاص وشخصي، وللاختيارات الدبلوماسية للعسكر الجزائري خارجيا، خاصة في المنطقة. – لعمامرة يتم تعيينه لمحاولة التشويش على الدور المغربي في الملف الليبي، ونجاح المغرب خاصة مع الرعاية الملكية للحوار الليبي-الليبي وللجدية الدبلوماسية التي تعاطت بها الخارجية المغربية مع مختلف أطراف النزاع الليبي، هذا النجاح المغربي قابله فشل دبلوماسي كبير للنظام الجزائري، الذي حاول النزول بكل ثقله لإجهاض اتفاق الصخيرات، ومحاولة عرقلة كل اللقاءات التي تمت بالمغرب واحتضنها الملك محمد السادس، للحد الذي وصل فيه حفتر، القائد العسكري الليبي، إلى توجيه خطاب شديد اللهجة ضد النظام الجزائري، وهو الخطاب الذي يُعد غير مسبوق نظرا لوضوحه ولحدته، بحيث اعتبرته عدة أوساط تحديا كبيرا لشنقريحة وزبانيته من العسكر المهزوم، سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا. – لعمامرة يتم تعيينه في ظل أزمة عميقة يعيشها النظام الجزائري وعزلة كبيرة على المستوى الخارجي، خاصة مع فضيحة بن بطوش، التي شكلت هزيمة نكراء للدبلوماسية الجزائرية، وورطت معها نظيرتها الإسبانية، وما يجمع النظام الجزائري وحكومة بيدرو سانشيز في هذه اللحظة هو إعلان الدولتين معا، وبشكل شبه منسق، عن إقالة وزيري خارجيتهما، فإسبانيا على بعد يوم واحد من إقالة بوقادوم أعلنت عن إقالة وزيرة خارجيتها، الوزيرة التي تشبه بوقادوم في إنتاج الفشل والأزمات بالمنطقة، وكما أصبح بوقادوم عبئا على العسكر بالجزائر فقد أصبحت هي كذلك عبئا سياسيا على بيدرو سانشيز، الذي أقالها في نصف خطوة غير كافية لحل الأزمة مع المغرب(سنعود لتحليل إقالتها بشكل منفصل). بالعودة إلى لعمامرة فتعيينه يهدف إلى إعادة تشغيل شبكة العلاقات التي كونها في محاولة لإخراج النظام الجزائري من عزلته، ومحاولة امتصاص الردات الدبلوماسية لكل الهزائم التي تلقاها النظام من خلال محاولة تجميل صورته بالخارج، هذه الصورة التي تأثرت بفشل النظام الجزائري في تقديم عرض سياسي مقبول من طرف الحراك الشعبي الجزائري. إنها أسباب من بين أخرى عديدة، قد تفسر عودة شنقريحة للاستعانة برموز بوتفليقة، الذين كان هو نفسه لا يتوانى في وصفهم بالفاسدين، وأهم خلاصة يمكن قولها، نظام فاسد يستعين برجالات مرحلة فاسدة سوداء، لا تقل سوادا عن العشرية، التي انقلب فيها العسكر على الانتخابات أواخر الثمانينيات، وكأنه يعيد إنتاج الانقلاب والفشل والصدام مع الشعب الجزائري والجيران.