منذ الساعات الأولى من فلق الصبح إذا يتنفَّسُ أفتحُ عينِيَّ بُعَيْدَ هجودٍ لا أبصر ما حولي أو حتى إن أبصرتُ فلستُ أميِّزُ أشخاصًا من أحياءٍ تسعى أو أجداثِ لُحُود : لا شيء أمامي يصعد:لا شرفات تدنو نحوي أو تمشي نحو الأزرق في بحْر أو أفُقٍ، لا عينَ تنظرُ نحو الأسفل أو تدنو مني فأنا إذ أتحرَّك أمضِي معتدِلًا لستُ يَميدْ *** كنت أمرُّ على شرفات فيها بشَرٌ من علْيَةِ أهل زماني ما سمعوا بمقاهٍ في مُدُنٍ تهوِي شبَّتْ في ظلُماتِ لم تعرف شِبَعًا أو رِيًا، أو راحة أجسامٍ منهكة بعد نهاية سَعْيٍ مكدود آخرَ بذْلِ الجُهد وراء نجودٍ أو قدّامَ سدودٍ ثمّ أمر أمام مشاهد تنهض في صَمْتٍ خلفَ نوافذ مغلقة أو أبوابٍ ليس تجود، بعد حواجز قاهرة لا تقدر أن تتجاوزها أقدامٌ في أصفادٍ لا مرئية، وسواها رازحة خلف القضبان بأعباء قيود أو يقوى أن يتخطاها أصحاب طريقٍ ليسوا طلقاءَ بأجنحةٍ شمعية فعلى واجهة البحر هنالك بين الشرفات الوردية، في الأعلى أو فوق مبان ليس تَرى أو تَدركُ عن وعي، يربض باب يعلوهُ شِعارٌ أُصْلِتً سَيفًا فوق رؤوس مًحْنِيَة، ومن الداخل نحو رمال تمتد على طول البحر يخرج في ثوب رسميٍّ ، في صمت من يحمي الشاطئ: يقطعه مَشْيًا ثم يعودُ وقد ألقَى نظرات يغمرها ضَحِكٌ نحو الشُّرُفات العٌلْوية ، وإلى بعضِ مبانٍ لمّا يتحركْ من فيها قبل عقودٍ، يرنو شزْراً ثم يسير إلى بضعة أحجار ترسو في صَلَفٍ قرب الموج الصاخب فيحيِّيها، بينا ليس تبالي فهي جمادٌ هذي اللحظة مثلي، وشبيهةُ أحجارٍ أخرى كنت أراها تتعانق من عجبي إذ تصعد أحيانًا و تغوص، وتعود إلى الباب الرابض عند جدارٍ يتهدم تحت شعار مخطوط بالأحمر خُطْواتُ جنودٍ لا تكشف مسعًى، أو تتحرَّى عن سر في مَوْجٍ يهدر صخَّابًا، أو تفضح جهراً صوتًا في بَرٍّ ليس يقول: » آلو … لم يبتلعِ الموجُ نهارا، أو تحْتَ جَناحِ ظلامٍ شبحًا أعزل غافل حراس حدود أو هاجم في جمع يتداعى كالسيل العاصف أرضًا محتلَّة، لا يخشى برقاً أو طلقات رعود إني أتحرَّى …لم ينفر أحدٌ من شُعَل في جنتنا يوماً، أو مِن أمطار أغزر مما تهطل من جبهة عانٍ مكبولْ فالكلُّ يُسبِّح حمْدا يا صاحبَ هذا البرِّ المَغلولْ ويا سيدَ ما حُزْنا من خيراتِ بحارٍ وعطاءِ حقولْ …» *** يدنو صوتٌ مهموسٌ لا يضحكُ بل يغرق في شبه نشيجٍ يخفيهِ بين أصابعه ساعٍ في إرسالٍ نحو بعيد خارج ليلِ الهامش بين أصابعه جُرْذٌ محمول.