حكومة بنكيران جازفت بتحرير أسعار المحروقات وهي تعلم سلفا أن هذا القرار سيحرم السوق من «سامير» لا يمكن تحريك عجلة المنافسة دون استعادة النشاط الوطني لتكرير المحروقات سوق المحروقات يعاني من أعطاب واختلالات تنافسية هيكلية لا تنفع معها الحلول الترقيعية يجب القطع مع نظام «الكريمات» و إلغاء شرط التوفر على 30 محطة للتوزيع ضرورة إسناد صلاحية التنظيم التقني والاقتصادي لسوق المحروقات للهيئة الوطنية لتقنين الطاقة
وجه مجلس المنافسة انتقادات لاذعة لمسلسل التحرير الكلي لأسعار المحروقات الذي بدأته حكومة بنكيران في دجنبر 2015 ، دون إعداد مسبق ودون اتخاذ تدابير فعالة للمواكبة، من شأنها توفير الشروط الكفيلة بإنجاحه. واعتبر المجلس ، في تقريره السنوي الصادر بالعدد الأخير من الجريدة الرسمية، أن قرار التحرير الكلي لأسعار المحروقات اتخذ على نحو استعجالي، دون استحضار عدة عوامل مرتبطة بالسياق الوطني، حيث كان من المفروض أن تنبه الحكومة إلى الجدوى من دخول القرار حيز التنفيذ، وتحديد كيفيات تطبيقه. وكشف التقرير السنوي، الذي رفعه رئيس المجلس ادريس الكراوي إلى جلالة الملك، أن سوق المحروقات يعاني من أعطاب واختلالات تنافسية هيكلية لا تنفع معها الإجراءات المتخذة للتصدي لهذه الاختلالات، بشكل دوري، إذ تبقى غير فعالة. وأكد المجلس أنه يتعين على الحكومة أن تضع في حسبانها، أثناء التدخل لمواجهة هذه الاختلالات، حجم خطورة المشاكل التي يعرفها القطاع في مجال المنافسة، وتحسين شروط ممارستها. واعتبر المجلس، أن الحكومة جازفت باتخاذ قرار تحرير أسعار المحروقات وهي تعلم سلفا أن هذا القرار سيحرم السوق من الشركة الوطنية الوحيدة التي لعبت دورا حاسما على ثالث مستويات، المتمثل في الحفاظ على التوازنات التنافسية، وتموين السوق الوطنية (64 في المائة من حاجياتها) وقدرات التخزين. وأشار إلى أن القرار اتخذ ضمن سياق عرف فراغا مؤسساتيا يتمثل في غياب دور مجلس المنافسة، الذي لو كان حاضرا واضطلع بمهامه المتمثلة في تقنين المنافسة في الأسواق، والتي تعززت بفضل الصلاحيات الجديدة التي خولت له في مجال البحث والتحقيق، وترتيب الجزاءات، لساهم في تعزيز المراقبة المستقلة والمحايدة لسلوك الفاعلين، الذي يعمدون إلى خرق قواعد المنافسة الحرة والنزيهة في السوق. وعاب التقرير على الحكومة كونها لجأت ببساطة إلى تحرير الأسعار المعمول بها في وقت كانت تعمل فيه على تقنين نفس بنية السوق غير الملائمة، دون اتخاذ أية ترتيبات مسبقة بشأن المعيقات الأساسية التي تحول دون ضمان السير العادي لمنظومة المنافسة، والمتمثلة في نشأة حواجز قوية تمنع الدخول المبكر واللاحق إلى السوق، وظهور مستوى عال من التركيز، وسيادة بنية تتسم باحتكار فئة لبعض الأسواق من جهة، واحتكار فئة أقلية لأسواق أخرى من جهة أخرى. ولتجاوز هذه الاختلالات الهيكلية في سوق المحروقات، دعا المجلس إلى اتخاذ تدابير تستند إلى أربع ركائز رئيسية ذات الصلة ببنية السوق في جانبها القبلي والبعدي، وتشمل هذه الركائز تطوير المنافسة على المستوى القبلي في السوق كركيزة أولى، حيث أكد التقرير أنه لا يمكن تحريك عجلة المنافسة داخل سوق المحروقات من خلال تدابير تستهدف فقط الجانب البعدي للسوق عبر تقنين أسعار البيع بالتقسيط وهوامش الربح، إذ يتطلب الأمر اتخاذ تدابير تهم المستويات الأخرى من سلسلة القيمة قصد إرساء منظومة مندمجة للمنافسة تراعي الجانب القبلي للقطاع كذلك. وفي هذا السياق، اعتبر المجلس أن استعادة النشاط الوطني لتكرير المحروقات يشكل قيمة حقيقية في غاية الأهمية. وإلى جانب دورها في إعادة ضبط التوازنات التنافسية، وهو ما سيمكن الجهة المكلفة بتسيير نشاط التكرير من التصدي لنفوذ الفاعلين المستوردين الذين يهيمنون على أنشطة الاستيراد والتخزين والتوزيع بالجملة للمحروقات. وبناء على ذلك، أوصى المجلس الحكومة بإرساء منظومة خاصة لتشجيع الاستثمار في نشاط التكرير الخاص أو في إطار تعزيز الشراكة بني القطاعين العام والخاص. وتهم الركيزة الثانية بناء القدرات الوطنية في مجال التخزين، إذ أوضح التقرير، أن القوانين الجاري بها العمل تشدد على ضرورة ربط استيراد وتوزيع المحروقات بنشاط التخزين، غير أن بناء القدرات في مجال التخزين وتدبير المخزون يفضي إلى تكاليف مالية ولوجستية هامة تقف حاجزا أمام دخول فاعلين جدد إلى السوق، وتعزز بالمقابل الوضع الاعتباري للفاعلين الكبار الذين سبق وأن اقتحموا السوق. غير أنه يمكن تحقيق هذا الهدف عن طريق وسائل أخرى تحترم أكثر شروط المنافسة، تتمثل في تشجيع نشاط التخزين المستقل. بمعنى آخر، تشجيع الاستثمار في بناء قدرات فاعلين آخرين في التخزين بشكل مستقل، تكمن وظيفتهم الأساسية في تخزين المواد النفطية. ويمكن لهؤلاء تقديم خدمات مؤدى عنها من قبيل وضع البنيات التحتية التي يتوفرون عليها رهن إشارة الموزعين بالجملة ومستوردي المنتوجات المكررة. ولتحقيق هذا الغرض، يستحسن وضع آلية تروم تبسيط المساطر المعمول بها في مجال إحداث وحدات جديدة للتخزين أو توسيعها، وتمكين المستثمرين المحتملين من استشراف رؤية مستقبلية تجاه قدرات التخزين. أما الركيزة الثالثة فتهم تعزيز المنافسة في سوق التوزيع بالتقسيط، حيث أشار التقرير، إلى أنه قد يظهر أن سوق التوزيع بالجملة والتقسيط يوفر بيئة أكثر انفتاحا نسبيا لممارسة المنافسة، مقارنة مع نظام الاستيراد والتصدير والتخزين بفعل وفرة عدد كبير من محطات التزود بالوقود، موزعة على أنحاء متفرقة (2477 محطة في سنة 2018 ). غير أن هذه الوفرة لا تمنع من ظهور عدة عراقيل تحول دون دخول سوق توزيع المنتوجات البترولية إلى المنافسة، تتجلى، بالخصوص، في الطابع الجغرافي الذي يسم تحديد نطاق الأسواق ذات الصلة، والطابع المغلق لسوق التوزيع بالتقسيط. ولتجاوز هذا الخلل، أوصى المجلس الحكومة، بغية تحسين شروط ممارسة المنافسة في أسواق التوزيع بالجملة، بتعويض نظام المأذونيات المطبق في محطات التزود بالوقود بنظام بسيط يقوم على التصريح، وإلغاء شرط التوفر على شبكة تتكون من 30 محطة للتزود بالوقود، وحذف النظام التسلسلي المطبق بين المحطات. أما الركيزة الرابعة، فتهم إرساء منظومة مبتكرة للتقنين القطاعي لسوق المحروقات، حيث أوصى مجلس المنافسة بإرساء منظومة للتقنين القطاعي لسوق المحروقات شبيه بالنظام المعمول به في شبكة الاتصالات، قصد تعزيز تماسك نظام التقنين القائم، وتوجيه الاهتمام نحو الآليات الكفيلة بتحسين أدائه ومردوديته، ومساعدة الحكومة في تحسين شروط ممارسة المنافسة في هذا القطاع. واقترح المجلس، في هذا الصدد، إسناد صلاحية النظامة التقنية والاقتصادية لسوق المحروقات للهيئة الوطنية لتقنين الطاقة قصد مواكبتها في تعزيز النضج التنافسي، مع ضمان استقلاليتها. وستسهر هذه الهيئة على إلزام الفاعلين المهيمنين على هذه الأسواق بمنح حق الولوج إلى بنياتهم الأساسية المخصصة لاستلام وتخزين المحروقات لمنافسيهم مقابل ثمن عادل وغير تمييزي ومعتمد على التكلفة. زيادة على إلزام الفاعلين المهيمنين بنشر العروض التقنية والمالية المطبقة على منافسيهم الذين يرغبون في الولوج إلى بنياتهم التحتية المخصصة للاستلام والتخزين. بالإضافة إلى إلزام الفاعلين المهيمنين بضرورة اعتماد أثمنة البيع بالجملة وبالتقسيط التي يحددونها انطلاقا من الكلفة. ثم تقوية نظام ضبط أثمنة البيع بالجملة، مع إخضاع أسعار البيع بالتقسيط للمراقبة البعدية، كما يحددها قانون المنافسة، والتي يمارسها مجلس المنافسة.