ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ كانت مصادفةً أَن أكونْ ذَكَراً … ومصادفةً أَن أَرى قمراً شاحباً مثلَ ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات ولم أَجتهدْ كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً ! (محمود درويش) كان مصادفة أن ولدنا في أجسادنا. الجسد غلافنا الذي يقدمنا إلى العالم بهويات يحددها المجتمع. كيف يتعامل الكاتب/ة مع هذا المجسم الإجباري الذي وُجد فيه؟ هل ساءل يوما علاقته به؟ هل يمكنه أن يختار التدخل فيه لتجميله أو تحويله؟ ثم إن الكاتب/ة، له قدرة اختيار الجسد الذي يكتبه، فيتحول الأمر إلى نوع من المساكنة داخل هويات جنسية أخرى. هل يتدخل الكاتب/ة في هذا الاختيار؟ وهل يسمح للذات وهي تكتب أن تنزاح لستستقر داخل جسد مختلف عن جنسه؟ أجل ولدت في جسد لم أختره.. ومن أنا؟ لم أكن في البداية، كسائر الخلق، سوى نطفة تحولت إلى علقة فمضغة فعظام كساها لحم، لأصير في نهاية التكوين ما أنا عليه، أحمل اسما شخصيا وأتحمل وزر اسم عائلي، يحمل تاريخا لسلالة من الأجداد، كان فيهم التقي، والشقي، والطيب والشرير والمحتال والأمين.. أنا لست سوى روح وضعت داخل جسد.. الجسد وعاؤها.. وهل الروح مذكر أم مؤنث؟ يقول ابن التستري (ت361) في كتابه المذكر والمؤنث: «الرُّوح: مذكر ... فإن رأيته مؤنثًا فإنما يعني به النفس.. وقال ابن منظور في لسان العرب: «الرُّوحُ: النَّفْسُ، يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَالْجَمْعُ: الأَرواح... وذكر السُّهَيْلي في كتابه « الرَّوْض الأُنُف» أن تأنيث الروح على معنَى النَّفْس، وهي لُغَة مشهورةٌ معروفةٌ. ولم الإصرار على معرفة جنسها؟.. فكم من روح مؤنثة داخل جسد مذكر، وكم من روح مذكر داخل جسد مؤنث.. لم أختر جسدي.. بل لم أختر وجودي..كياني ، عنوان منشئي ووطني وعقيدتي.. ولم أختر اسمي يُحكى أن جدتي، أم أبي، هتف هاتف في أذنها باسمي: عبد الحميد.. أنا نتاج نزوة.. شهوة جنسية.. هل فكر والدايّ لحظة التحام جسديهما على … هل كان ثمة تصميم على إنجابي !..هل سبق ذلك اتفاق وقرار !.. لست أدري.. أنا أيضا أنجبت..وليس سرا إن قلت أني لم أفكر أو لم أقرر في كل ممارسة جنسية أن يكون الهدف منها الإنجاب.. المرأة (الزوج) في الغالب هي التي تقرر.. وحدها تقرر، في غفلة من زوجها، أو عشيقها.. المرأة هي مؤسسة ومصممة الأسرة وهي التي تحدد عدد أفرادها.. أحيانا يحدث لها ارتباك في الحساب، فينتج عن الخطأ جنين.. لم أختر جسدي وأيضا أنا لم أختر والديّ.. ما علاقتي بجسدي؟ .. علي أن أكون أنا الروح كي أجيب على هذا السؤال..وأنا اللحظة حائر : هل أنا الروح التي داخل الجسد أم أنا الجسد الذي يحتوي الروح؟ أم أنا كلاهما..؟ كل الذي أعرف، أني أخاف على هذا الوعاء/ الجسد من الخدوش/ الجروح/ الكدمات/ التشوه والأمراض.. وأنا في وفاق تام معه.. لكن من يكون هذا ( الأنا) !.. هل أتقبله كما هو؟ كم تمنيت لو كان لي جسد مثل جسد بطل في السباحة، أو مثل جسد مصارع مفتول العضلات..أو جسد يشبه جسد ممثل وسيم من ممثلي الهوليود تعشقه حسناوات ويحلمن بليلة حمراء في صحبته..لكن هيهات..هذا جسدي وأنا من غيره لاشيء، فكيف لا أتقبله مادمت لست أنثى ترفض جسدها الذكر.. أو جسد يشبه جسد ممثل وسيم من ممثلي الهوليود قد يكون السؤال صعبا، جارحا، صادما على من يحمل جسده تشوهات خلقية.. كيف أكتب الجسد بشكل عام؟ وهل تختلف كتابته إن كان ذكرا أو أنثى؟ لم أفكر في الجسد في كل كتاباتي.. بمعنى ليس الجسد هو هاجسي في الكتابة، حين أكتب، أكتب الإنسان أو عن الإنسان، ويندر أن أصف جسده، يكون الوصف غالبا خفيفا، حتى يجد كل قارئ جسده/ روحه / نفسه داخل النص.. عموما أراني مقلا في وصف الجسد سواء كان لامرأة أو رجل.. عموما الاستغراق في الوصف، إن لم يكن لدواع فنية، في نص من النصوص، يرهق نفَس القص القصير.. ما يشدني إليه أساسا هو الحدث..