ليس لي أَيُّ دورٍ بما كنتُ كانت مصادفةً أَن أكونْ ذَكَراً … ومصادفةً أَن أَرى قمراً شاحباً مثلَ ليمونة يَتحرَّشُ بالساهرات ولم أَجتهدْ كي أَجدْ شامةً في أَشدّ مواضع جسميَ سِرِّيةً ! (محمود درويش) كان مصادفة أن ولدنا في أجسادنا. الجسد غلافنا الذي يقدمنا إلى العالم بهويات يحددها المجتمع. كيف يتعامل الكاتب/ة مع هذا المجسم الإجباري الذي وُجد فيه؟ هل ساءل يوما علاقته به؟ هل يمكنه أن يختار التدخل فيه لتجميله أو تحويله؟ ثم إن الكاتب/ة، له قدرة اختيار الجسد الذي يكتبه، فيتحول الأمر إلى نوع من المساكنة داخل هويات جنسية أخرى. هل يتدخل الكاتب/ة في هذا الاختيار؟ وهل يسمح للذات وهي تكتب أن تنزاح لستستقر داخل جسد مختلف عن جنسه؟
ولدت بجسد لم أختر وبروح لم أخترها أيضا .. ولدت و لدي روجه وولد و لديه بمالي .. أشعر في أحايين متباعدة أن جسدي وروجي منفصلين و أن وعيي بجسدي أكبر منه بروحي .. فأجد جسدي ينطلق وهو ثقيل محمل بروح لا يعرفها ..يرعبني الأمر و أتناساه ريثما يولي .. أعتقد أنها مرات لا تتعدى ال10 في حياتي تلك التي عندما رأيت فيها جسدا رائعا فتانا و تمنيت لو أنه جسدي ، الأمر استمر لبضع ثوان لا غير كما لو كنت رأيت جاكيتا شتويا أو قبعة أو جينزا يتناسب و ذائقتي .. هل كنت لأختار جسدي لو كان ثمة مجال؟ نعم ، الحب يفاخر بعيني عندما أكون عاشقة ، تتحولان إلى عيني بومة ، عينان براقتان لدرجة أخاف من أن أراهما في المرآة ..هما في الأصل واسعتان ..ماشاهدته في حياتي كان حربا ، وحدي تصالحت مع كل الأعداء فيها. يعجبني أنفي خصوصا الفتحتان ، قالت لي سابقا القاصة الجميلة» فاطمة بوزيان»أنها لما زارت معرض أنوف في بلجيكا صادفت أنفا كأنفي وأنه أرستقراطي .. ضحكتٌ و أنا أوافقها على ذلك ، أعتبره قطعة تشيبس تُقضم من رأسها بعد أن تُقَبل كما فعل طبيب الأطفال الذي قبل أنفي وهو يفحصني . أحب شعري بصفته كائنا ليليا آخر بلا نجوم .. لا أقصه إلا نادرا إذا ما ظهرت نجمة في حياتي .. هناك على أطرافه.شفتاي «الماط»تسعدانني حتى بدون أحمر شفاه أماأسناني فلقد أحببتها دائما مع أنني أعرف أنها ستتغير علي بفعل الزمن.. عنقي الرطب غير قابل للزج،نهودي صديقتي الأنتيم ، أكثر عضو في جسدي أكلمه هو الشامة المغرورة أعلى صدري أما سرتي فأشعر أنني معلقة منها طوال الوقت فوق مسمار مفلطح .. ربما أنا معجبة بفخذي غير أنني لا أحب قدمي ومع ذلك لا أتخيل استبدالهما بآخرين .. الجسد بالنسبة إلي روح ثانية و الروح جسد ثان كذلك.يزعجني أحيانا لأنه يعيقني عندما أريد الاختفاء تماما أو عندما أريد أن آخذه إلى سفر افتراضي أو عندما يتلقف كآبة روحي و يمرض .. أتقبل جسدي ، نعم.لقد عشنا مع بعضنا طويلا ، ستغادر روحي يوما و سيقى هو ..أنا لم أختره ابتداء لكن أستطيع أن أختار شكل انتهاءه.أحب طعم التراب و كثيرا ما أكلت فاكهة بترابها لكنني لن أتركه للدود..أشم في نفسي رائحة البحر لكن لا تستهويني فكرة أن ذوبان المانح و أن أصير جزءا صغيرا جدا ممن أحببت.ترضيني فكرة الانطفاء التي أرضاها لروحي ولجسدي أيضا ، أختار له الحرق هكذا يكون حرا و يعود للبدء حيث لم يكن شيئا. جسدي قديم وروحي قديمة.منذ طفولتي و أنا لا أطيق مشهد حصان يطيرو ، غالبا أنني أطيق ما كنته .. و ما كنته أعرف أنا و تاريخي القديم الموثق في مكان ما أنني كنت بيغاسوس Pegasus ، الحصان الأسطوري المجنح في الميثولوجيا الإغريقية، خلق من جسد ميدوسا بعد أن قطع بيرسيوس رأسها، وأنه ما أن ولد حتى طار إلى السماء. تذهب الروايات المتأخرةإلى أن بيجاسوس كان مطية للشعراء، وها هي في روايتي الأكثر تأخرا صارت شاعرة. هكذا كثيرا ما تمثلت جسدي في شكله القديم،جسدي الحالي له روح الرسوم المتحركة «جودي أبوت» طبعا و التي ذهبت في زيارة إلى ال»فلينستون» وبقيت عالقة معهم هناك في العصر الحجري بسبب الحجر الصحي.لاحقا سيتكور جسدي بعد أن يذوب فوق نفسه ويستحيل إلى عين ديناصور مرمية على أطراف مشهد عابر في فيلم خيال علمي من العام 2900 .. أعتقد أن هذه العين سيكون لون بؤبؤها وردي .. كل ما كتبته في الخارج في الهواء أو على الورق أو فوق الرمل أو على ورق الكلينيكس أو على الجدران أو زجاج السيارات و حياة الأخرين أو تبولته أو بكيته كنت أكتبه على جسدي في الواقع ، جسدي كله كتابات ووشوم وندب لكن لا تجميل هنالك ولن يكون. ذاكرتي مثقوبة و ذاكرة جسدي أيضا..جسدي يعيش و ينسى و حتى عندما أشركت أجساد الآخرين في نصي كانت لجسدي الكلمة الأخيرة ، الكلمات الأولى لا تهمني المقدمات والمقبلات هي أجساد الآخرين نفسها لما سأختبره ويختبره نصي ، نصي الذي يبتغي الجسد فيه بالدرجة الأولى تحقيق دلالة فنية و حسية ، الجسد يتحول في النص إلى كلمات نافذة.أكتب بعيدا عن التفكير والتدقيق في الجندر لأنني آمنت دوما أنه كان علينا أن نخلق بعضوين ذكري و أنثوي لكن ذلك حاصل على نحو ما جسد المرأة هو باطن جسد الرجل والعكس صحيح .. يلتقي جسدي مع جسد الكتابة و لا يفلت اليوم أحدنا من الشهوية ليس بعد الأن خصوصا في كتاباتي الحالية و المقبلة..تصالحت مع ذكوريتي من زمن بعيد جدا مثلما تصالح رجال كثر مع أنوثتهم.. أنا لم أكتب بعد عن علاقتي بجسدي ليس كل شيء..إنني في البداية و سأبقى دوما في البداية ماجمت حية و أختبر وأجرب ومادامت هناك مناطق في جسدي وروحي لم أصلها بعد علي أن أمر بمراحل كثيرة وأنا لست من النوع الذي يقبل ويستطيب و يرتاح في الكتابة عبر تجارب الآخرين أُفضل أن أفعل ذلك بنفسي .. علي أن أمتلك من الجنون والمساحة و التحرر من مؤسسات المجتمع و من السلطة الأخلاقية ما يكفي للمضي قدما في اختبار «الترانسكشواليتي»و غير ذلك مثلا بعد أن امتلكت الشجاعة لاختبار كثير من الأمور ..والتي ستظهر في كتاباتي قريبا .. منى وفيق * * شاعرة وكاتبة المغرب