كما يحدث عندما تستعيد يدا، كانت ملفوفة بضمادات الجبص الصحي كما يحدث عندما تستعيد الذوق بعد فترة من زكام هكذا يستعيد محبُّو الصحافة حاسة اللمس، وحاسة الشم تنفذ الى الحبر الذي كتبت به.. بعد ان كانت القراءة الصحفية تمرينا لاحسيا، عقليا محضا، على شاشات الحواسيب والهواتف النقالة.. نحن نخرج فعلا من الحجر العملي، الذي دخلناه باقتحام من يسطو على قلعة لم يكن يريد الدخول إليها الآن نحن نعدو نحو اليومي الملموس للصحافة بركض رياضي لمن يتعافى من لحظة بيات مهني وعضلي دام ربع السنة.. بعد أن عبرنا مسيرة لم يعد للمكاتب فيها وجود مادي، بل صرنا نسكن حواسبنا كما يسكن الجوالون أحذيتهم.. وكما يسكن رواد الفضاء في شاشات الاعالي.. تغيرت أشياء في هذه الفترة من الغياب، حيث أقمنا غير قليل من الشهور، وتغيرت نظرتنا الى انفسنا وقدرنا ما يمكن ان نفقده في عطسة حظ غر بريئة، وفي دوامة الوباء الرهيبة.. عدنا كمن يكتشف الروائح بعد سجن بعيد في الزمان والمكان.. ولا شك أن القاريء تغير ، تغير كثيرا ولا شك أن الوباء نزل علينا باشياء لم نقدرها في وقتها، من قبيل الدخول السريع إلى المنصات الاجتماعية والخروج من أحادية الورقي،في الحفاظ على المهنة.. ليس الوقت لكي نتحدث عن اكراهات البقاء، اكراهات الخسارات الكبيرة واكراهات العيش والتعايش مع عادات جديدة ألفها القراء، وكبدت المقروء ما لم يحسب حسابه من مكاسب ... اكراهات البحث عن النموذج الاقتصادي الجديد للمقاولة، ولمهنة المتاعب التي لا بد منها لكي تعيش الديموقراطية.. لقد اكتشفنا أن الورق ضروري جدا للديموقراطية ليس ورق التصويت فقط، بل ورق الجريدة والصحيفة... واكتشفنا ان الحياة الجديدة تتطلب صحافة جديدة، بمواصفات الجدية والنجاعة والسمو، لا تعيش بالاثارات التي لا تنفع في حالات الجد.. نحن نستعيد حياة العائلة في العمل وفي التواصل المهني ونبحث عن آفاق جديدة مع كل الشركاء، بوعي موحد ضروري للغاية في بناء المهنة بعد الجائحة.. نحن مداهمون، تحت سطوة الجديد ، يلزمنا التفكير العميق لتغييرمعطيات المهنة،وتكريس مأسستها.. وتأمينها من الانجراف، اخلاقيا او مهنيا او وطنيا..الى ما ليست هي، الانجراف إلى ...ضدها!