النازلة استغرقت محاكمة زيد الذي خرق حالة الطوارئ الصحية والحجر الصحي، خمسة عشر يوما وهو ينتقل ما بين مقر المحكمة ومقر المؤسسة السجنية، ( انعقدت له ثلاث جلسات) ، وأخيرا أدانته المحكمة بعقوبة سالبة للحرية نافذة مع غرامة ، في المؤسسة السجنية وفي الجناح الذي يمضي فيه زيد عقوبته ظهرت حالة مرضية على نزيل، تم نقله إلى المستشفى فثبتت إصابته بداء كورونا، مما جعل إدارة المؤسسة السجنية تخضع كل النزلاء بما فيهم زيد للتحاليل المخبرية، فأظهرت النتائج إصابة 60 سجينا بفيروس كورونا ( مرض كوفيد 19) ومنهم زيد، وقع نقل النزلاء المرضى إلى المستشفى الجامعي بالمدينة. علم أهل السجناء بإصابة ذويهم بالفيروس وهم داخل السجن، وتبين لبعضهم قيام مسؤولية الدولة الممثلة بواسطة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإجماع، وتقصريها في توفير الحماية والوقاية للنزلاء، لأنهم كانوا تحت مسؤوليتها وعهدتها ورقابتها وإشرافها ويمتثلون للأحكام القضائية الصادرة في حقهم. فهل مسؤولية الدولة في هذه الحالة قائمة؟، كيف يمكن إثبات مسؤولية الدولة ؟، ما هي مرتكزات مسؤولية الدولة؟ . أولا: أساس مسؤولية الدولة في حماية السجناء وجبت الإشارة إلى التزامات الدولة ومسؤوليتها في حماية الحق في الحياة لعموم المواطنين، وتبيان تعهدات المؤسسة السجنية لحماية السجين، وذلك من خلال مقتضيات الدستور ، ومن خلال القانون المنظم للمؤسسات السجنية (الظهير شريف رقم 1.99.200 صادر في 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999) بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية). 1\ : مسؤولية الدولة في حماية الحق في الحياة منة خلال الدستور: الفصل 20 : «الحق في الحياة هو أول الحقوق لكل إنسان. ويحمي القانون هذا الحق» الفصل 21 : « لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته، تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني،في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع» الفصل 22 : «لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كانت، خاصة أو عامة» 2\ : مسؤولية الدولة تجاه السجناء من خلال القانون المتعلق بتنظيم وتسير المؤسسات السجنية: بالرجوع إلى الظهير شريف رقم 1.99.200 صادر في 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999) بتنفيذ القانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، فقد ألزمت المادة 52 من الظهير المذكور معاينة كل معتقل عند دخوله الى المؤسسة السجنية بالتنصيص على أنه «يجب أن تتم في أقرب الآجال، معاينة كل معتقل عند دخوله إلى المؤسسة السجنية، إما من مديرها أو من العون المكلف بالمصلحة الاجتماعية. وعليه أن يخبر النيابة العامة بكل الإصابات أو الأعراض البادية. يخضع المعتقل كذلك لفحص طبي، داخل أجل ثلاثة أيام على الأكثر. يخضع كل معتقل للقواعد المطبقة على المعتقلين من الصنف الذي ينتمي إليه». أما المادة 134: فأوجبت على الطبيب أن يجعل لكل معتقل ملفا طبيا بالتنصيص على «يكون الطبيب الملف الطبي للمعتقلين ويدلي برأيه التقني من أجل تصنيفهم وتوزيعهم». ثم جاءت المادة 128 لتؤكد على وجب أن «تحفظ نتائج الفحوص الطبية بالملف الطبي للمعتقل». كما ألزمت المادة 6 المؤسسة السجنية تخصيص أماكن منفصلة للمعتقلين المرضى بالتأكيد على أنه «يجب أن تخصص أماكن منفصلة للمعتقلين المرضى»، وذلك لمنع انتشار العدوى بين باقي المرضى . ثم زادت المادة 113 :»يجب أن يتم الاعتقال في ظروف ملائمة للصحة والسلامة، سواء فيما يتعلق بتهيئة البنايات وصيانتها أو بسير المصالح الاقتصادية أو بتنظيم العمل وكذا بتطبيق قواعد النظافة الشخصية وبممارسة تمارين الرياضة البدنية مع تغذية متوازنة». وأكدت المادة 114: «يجب أن تستجيب محلات الاعتقال ولاسيما المخصصة منها للإقامة، لمتطلبات الصحة والنظافة، مع أخذ المناخ بعين الاعتبار، وخاصة ما يتعلق بالحيز الهوائي والمساحة الدنيا المخصصة لكل معتقل والتدفئة والإنارة والتهوية». وأوضحت المادة 123 الأطقم الطبيبة التي يجب أن تضمها المؤسسة السجينة بالتاكيد على أنه «تتوفر كل مؤسسة سجنية، بالإضافة إلى مساعدين طبيين، على طبيب واحد على الأقل، يكلف بالعمل بها إما بصفة دائمة أو بصفة منتظمة. تتم الاستعانة بأطباء متخصصين أو بمساعدين طبيين باقتراح من طبيب المؤسسة، وذلك لتقديم مساعدتهم لفحص وعلاج المعتقلين». أما المادة 127 فأشارت إلى عبارة « الوقاية من الأوبئة» عندما أوضحت أنه «يتخذ مدير المؤسسة بتنسيق مع الطبيب، وإذ ا اقتضى الحال مع السلطات الإدارية المحلية، كل التدابير الضرورية للوقاية من الأوبئة أو الأمراض المعدية أو لمحاربتها وخصوصا ما يتعلق باستشفاء المرضى والحجر الصحي وتطهير المحلات والأمتعة والأفرشة. يجب الإشعار بجميع الحالات المرضية، التي يلزم التصريح بها، تبعا للقانون المعمول به، وطبقا للشروط التنظيمية». وتجدر الإشارة إلى أن القانون المنظم للسجون أورد في الفصول من 129 وما بعدها مهام أطباء المؤسسات السجنية منها على سبيل المثال ما ورد في المادة المادة 129 من أنه «يجب أن يقوم طبيب المؤسسة، المكلف بالسهر على صحة المعتقلين البدنية والعقلية بفحص يشمل : – المعتقلين الجدد بالمؤسسة ؛ – المعتقلين الذين أشعروا بمرضهم أو الذين صرحوا بذلك ؛ – المعتقلين الموضوعين بزنزانة التأديب أو الموضوعين في العزلة ؛ – المعتقلين الذين سيتم ترحيلهم ؛ – المعتقلين الموجودين بالمصحة ؛ – المعتقلين الذين طالبوا لأسباب صحية، بإعفائهم من أي نشاط مهني، أو رياضي أو بتغيير المؤسسة. إذا تبين للطبيب، أن صحة المعتقل البدنية أو العقلية عرضة للخطر، بسبب نظام الاعتقال، فإنه يشعر كتابة بذلك مدير المؤسسة، الذي يجب عليه اتخاذ التدابير المؤقتة اللازمة. ويخبر بدوره مدير إدارة السجون. وإذا تعلق الأمر بمعتقل احتياطي، فعليه أن يخبر أيضا السلطة القضائية المختصة. وما جاء في المادة 130 : «يتعين على الطبيب كذلك : – …………………………………………………….. – السهر على تطبيق القواعد المتعلقة بعزل المرضى طريحي الفراش، وذوي الأمراض المعدية والأمراض العقلية، وعند الاقتضاء الأمر بإيداعهم بالمصحة، أو نقلهم إلى فرع صحي متخصص بمؤسسة سجنية أخرى أو الأمر باستشفائهم «. -……………………………………………………..» وما جاء في المادة 136 والتي تنص على «يجب أن يودع المعتقلون بأقرب مستشفى كلما ارتأى طبيب المؤسسة أن العلاجات الضرورية لا يمكن إعطاؤها بعين المكان، أو في حالة إصابتهم بأمراض وبائية». ثانيا : أركان قيام مسؤولية للدولة بعد إبراز تعهدات ومسؤولية الدولة في حماية الحق في الحياة للمواطنين عامة، وكذا التزاماتها التي يفرضها عليها القانون تجاه السجناء، فإنه لكي تقوم مسؤولية الدولة يجب توفر ثلاث أركان أساسية تتمثل في وجود إخلال صادر عن الدولة (ركن الخطأ)، و حصول نتيجة سلبية للمتضرر جراء ذلك الخطأ وهو (ركن الضرر ) ، ثم قيام سبب مباشر بين عنصري الإخلال بالمسؤولية وتحقق الضرر وهو (ركن العلاقة السببية)، وسنفصل في كل ركن . 1\ : شرط وجود الخطأ وأنواعه وجبت الإشارة أن الإدارة ( الدولة) تخطئ بواسطة العاملين بها والذي قد يكون إما خطأ شخصيا يسأل عنه مرتكبه ، أو خطأ مرفقيا تسأل عنه الإدارة( الدولة) ، وسنبين كلا الخطأين الشخصي والمرفقي، مع التفصيل أكثر في الخطأ الدي يعنينا هنا وهو الخطأ المرفقي. أ. الخطأ الشخصي الخطأ الشخصي هو الذي يقوم به موظف عمومي فيحدث به ضررا مما يلقي على عاتقه المسؤولية الموجبة للتعويض من ماله الخاص ما لم يكن معسرا فتحل الدولة محله في الأداء، وقد أورد المشرع المغربي الخطأ الشخصي في الفصل 80 من قانون الالتزامات والعقود حيث أكد أن «مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم، ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها». ب : الخطأ المرفقي الخطأ المرفقي هو خرق الإدارة ( الدولة) لمجموعة من الالتزامات الملقاة على عاتقها سواء بواسطة أحد العاملين التابعين لها أو نتيجة تنظيم المرفق نفسه . وحدد الفقهاء صور الخطأ المرفقي في ثلاث حالات نتعرض إليها كالتالي: انتفاء أداء المرفق لعمله : مثل امتناع الإدارة ( الدولة) عن أداء بعض الأعمال والواجبات التي هي من صميم واجبها قانونا، بما أحدث ضررا بالجهة المتضررة. أداء المرفق لعمله على وجه سيء : وهذا لزم الإدارة (الدولة) بتعويض الضرر الناتج عن خطئها بهذه الصورة إذا ألحق ضررا بأحد. أداء المرفق لعمله بصورة بطيئة: مثل قيام الإدارة(الدولة) بواجبها لكن داخل أجل غير معقول وبمبرر غير مقبول، أو بعد فوات الأوان 2\ : شرط قيام الضرر وشروطه لا بد أن يؤدي الخطأ إلى قيام ضرر ، قد يكون ماديا أو موقد يكون معنويا ويشترط في شرط الضرر شروط منها: أ\ شروط الضرر أن يكون الضرر محققا : فلا على مجال للضر الافتراضي أو المحتمل. ب. أن يكون مباشرا وخاصا: وهو إلحاق الضرر بفرد معين أو أفراد على وجه الخصوص. ج. أن يلحق الضرر بمركز يحميه القانون: أن يمس حقا مشروعا يحميه القانون. د. أن يكون قابلا للتقويم: بحيث يكون بمقدور المحكمة تحديده وقد يلجأ القضاء لخبير في ذلك. 2\: أنواع الضرر الضرر نوعان: ضرر مادي وضرر معنوي أ\ الضرر المادي هو الذي يصيب الشخص في ماله . ب\ الضرر المعنوي فهو الذي يصيب الشخص في ذاته، سواء كانت الإصابة مادية كجروح في جسمه أو كانت معنوية تصيب كرامته وإحساسه وكثيرا ما يقترن الضرر المعنوي بالضرر المادي. ثالثا : شرط العلاقة السببية لابد من وجود علاقة سببية بين خطأ الإدارة ( الدولة) والضرر الذي لحق بالجهة المتضررة، بمعنى أنه يجب أن يكون الضرر قد ترتب مباشرة عن خطأ الإدارة وتنتفي الرابطة السببية بين خطأ الإدارة والضرر. خاتمة بعد التوضيح أعلاه يتضح أن السجناء الحاملين لفيروس كورونا كانوا تحت إمرة الدولة الممثلة بواسطة المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإجماع، وكان عليهم الامتثال لتنفيذ الأحكام السالبة لحرياتهم الصادرة في حقهم من جهة والامتثال للقانون رقم 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية من جهة ثانية، وكان على الدولة أن تفي بتعهداتها والتزاماتها تجاه السجناء، سواء تلك التي حددها الدستور باعتبار السجناء يدخلون في خانة وزمرة المواطنين المكفولين بحقهم على الدولة في حماية سلامتهم وأمنهم وحياتهم، أو تلك التي حددها ظهير المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، أو تلك التي حددتها بعض الفصول الواردة في قانون الالتزامات والعقود، وحيث إنه لا مجال للتحجج لا بالقوة القاهرة ولا بخطأ الغير ولا حتى بخطأ المتضرر في إحداث الضرر اللاحق بالسجناء والذي هو إصابتهم بعدوى مرض كوفيد 19 وهم تحت مسؤولية ورقابة الدولة في شخص المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإجماع، لذلك فمسؤولية الدولة هاهنا ثابتة وقائمة، والخطأ هنا مرفقي يتأرجح بين قيام المرفق العمومي والذي هو المؤسسة السجنية بأداء تعهده تجاه السجناء بصورة سيئة تقوم على عدم مراعاة الاحتياطات الواجبة وعدم اتخاذ سبل الوقاية ، أو عدم قيامه أصلا بأي إجراء وقائي ، وقد ألحق خطأ الدولة بسوء الاحتياط أو انعدامه ضررا ماديا بالسجناء وهو ضرر محقق وشخص ومباشر ومس سلامتهم و صحتهم التي يحميها القانون، تسبب لهم في إصابتهم بعدوى مرض كوفيد 19، فيصبح الضرر ثابتا من خلال الملفات الطبية للسجناء المصابين، وتنهض العلاقة السببية قوية ومتينة تربط ما بين الخطأ والضرر، توجب التعويض الذي يبقى أمر تحديده موكولا للقضاء الإداري الذي يستعين بأهل الاختصاص لتقويم حجم الضرر، ما لم يتسبب المرض المذكور في وفاة السجين فيحل ورثته محله في رفع دعوى التعويض ضد الدولة. *محام بهيئة المحامين بالدارالبيضاء