لا توجد أرقام دقيقة لمعدلات الأخطاء الطبية التي تحدث بالمستشفيات العمومية و الخاصة، لكن الجميع يدرك أنها مشكلة قائمة والغريب أن عددا من المسؤولين عن تلك الأخطاء وبالرغم من تداعياتها الكارثية على صحة الضحايا والتي تصل إلى حدود الموت..يدافعون بكل قوة لإبعاد التهمة أو المسؤولية عنهم، يؤكد الفصل 432 من قانون الالتزامات والعقود على أن "من ارتكب، بعدم تبصره أو عدم احتياطه أو عدم انتباهه أو إهماله أو عدم مراعاته النظم أو القوانين، قتلا غير عمدي،أو تسبب فيه عن غير قصد، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات وغرامة من مائتين وخمسين إلى ألف درهم". وفيما يتعلق بمسؤولية الدولة عن مرافقها، يقر الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود مسؤولية الدولة الناتجة المصلحية لمستخدميها، " الدولة والبلديات مسؤلية عن الأضرار الناتجة مباشرة عن تسيير إدارتها ....وعن الأخطاء المصلحية لمستخدميها". في ملف اليوم سنتوقف عند قضية تتعلق بمسؤولية الدولة حول الأخطاء المصلحية للأطباء العموميين، عدم تبصر الأطباء وعدم انتباههم يشكل خطأ مصلحيا لمستخدمي وزارة الصحة. ما هي حيثيات هذه القضية؟
خطأ طبي أصيب "محمد" بمرض ضيق التنفس أو الربو، مما ألزمه البقاء بمستشفى محمد الخامس بمكناس للمعالجة، فكان أن تمت معالجته بواسطة التداوي بالقشرانية corticotherapie، لكن، تسبب العلاج المشار إليه في نخر جانبي على مستوى رأس الفخدين، مما اضطر الأطباء المعالجين إلى استبدالهما بوضع جهازين اصطناعيين في الورك الأيمن والورك الأيسر للحيلولة دون تعرضه للشلل، وللعجز الدائم عن المشي، حسب ما هو ثابت بمقتضى الشهادة الصادرة عن دكتور في نفس المستشفى، وأخرى صادرة مستشفى آخر. ارتأى "محمد" وبعد الخطأ الطبي الذي تسبب فيه الأطباء المعالجين له ضرورة مقاضاة الدولة المغربية بصفتها مسؤولة عن خطأ معالجته بدواء أدى إلى القضاء على مستقبله وهو في ريعان الشباب وذلك عملا بمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود، والتمس الحكم على المدعى عليهم بأدائهم له تعويضا مسبقا قدره 40 ألف درهم، والأمر تمهيديا بإجراء خبرة طبية على يد أخصائي في أمراض العظام لتحديد مختلف الأضرار اللاحقة به، وحفظ حقه في تقديم طلباته الختامية، ومن أجل الحصول على حقه، أدلى "محمد" بمحموعة من الشواهد الطبية و الصور الفوتوغرافية. أجاب الوكيل القضائي بأن المدعي(محمد) لم يثبت العلاقة السببية بين الضرر و الأدوية التي تناولها خلال المدة التي كان نزيلا فيها بمستشفى محمد الخامس، مشيرا إلى أنه ليس هناك ما يثبت أن العلاج بالتداوي بالقشرانية يتسبب بصفة خاصة في نخر عظام الجسم، وأن الإصابة بنخر العظام التي يشكو منها المدعي كانت بصفة خاصة ناتجة عن نوعية العلاج الذي تلقاه بالمستشفى، وشهادة الدكتور أشارت فقط إلى احتمال وجود علاقة سببية بين الإصابة والدواء، وهو أمر غير كاف لقيام مسؤولية الدولة، كما أن شهادة الدكتور لا تشير إلى وجود علاقة سببية ما بين العلاج والإصابة بنخر العظام، كما أكد على أن المعني لم يعالج سوى لمدة ثلاثة أشهر تقريبا مما يستبعد معه أن يكون العلاج هو السبب في الإصابة، بالإضافة إلى أن الإصابة لم تظهر إلا بعد ما يقرب ثلاث سنوات على تلقي العلاج، وحتى على فرض وجود علاقة سببية بين العلاج و الضرر -يقول الوكيل القضائي في مذكرته- فإنه لقيام مسؤولية الدولة، لابد من إثبات كون الأطباء المعالجين ارتكبوا خطأ يتميز بدرجة معينة من الجسامة والتمس رفض الدعوى وأدلى بصورة من تقرير طبي. تقرير الخبرة أصدر القاضي المقرر أمرا بإجراء خبرة طبية على المدعي انتدب للقيام بها أخصائي في أمراض الشلل والأعصاب الذي أنجز تقريرا، خلص فيه إلى أن الضرر اللاحق بالمدعي سببه التداوي لمدة طويلة بواسطة الكورتيزون، وأن هذا العلاج لم يستعمل عن خطأ، ولكن لجأ له الأطباء بعد فشل بعض الأدوية السابقة التي استعملوها. وأدلى الدكتور بمذكرة جاء فيها بأن العلاقة السببية أصبحت ثابتة من خلال تقرير الخبير، وأن تحديد التعويض ينبغي أن يتناسب مع جسامة الأضرار المادية والمعنوية اللاحقة بالمدعي، ومهما كانت قيمته فإنه لا يمكن أن يعوضه عن بهجة الحياة، وجمالها التي فقدها، والتمس إرجاع الملف إلى الخبير لتحديد ما يتعلق بالآلام والتشويه ومدى الحاجة إلى الاستعانة بالغير واحتياطيا الحكم على المدعى عليهم بأن يؤدوا للمدعي عليهم بأن يؤدوا للمدعي متضامنين فيما بينهم تعويضا مدنيا، إجماليا قدره 1.140.280 درهم مع الفوائد القانونية . عقب الوكيل القضائي بأن الخبير لم يطلع على الملف الطبي للمدعي، وأن الشهادات الطبية لا تكفي وحدها للجزم بصفة قطعية في مسألة العلاقة السببية بين تناول الدواء والإصابة، كما أوضحت اللجنة بأن إشارة الأطباء على المدعي بالدواء المتسبب في الإصابة لا تشكل خطأ لأن هذه الإشارة صدرت عن عدة أطباء مختصين، ولأن مادة الكورتيزون كانت هي المادة الوحيدة القادرة على إسعاف المريض، وتمكينه من تخطي أزماته الخطيرة خاصة وأنه ثبت عدم نجاعة مادة اليوفلين التي تعطي هي الأخرى في مثل هذه الحالة المرضية للمدعي، وأن الأطباء المعالجين للمدعي قاموا بكل ما عليهم من واجبات واتخذوا كل الاحتياطات اللازمة من إجراء تحليلات وفحوص قبل الإشارة بالدواء، وتحديد مقاديره كما يتجلى من الملف الطبي للمدعي. مسؤولية الدولة دأب الاجتهاد القضائي المغربي على اشتراط توافر خطأ من الجسامة بمكان للتصريح بمسؤولية الدولة في الميدان الطبي (لقرار الصادر عن محكمة النقض عدد 1790 وتاريخ 1937.10.18 واحتياطيا أجاب بأن التعويض يجب أن يكون في إطار مقتضيات الظهير الشريف المؤرخ في 1944.7.20). وقضت المحكمة الإدارية، قسم التعويض(ملف عدد 12.9أصدرت المحكمة الإدارية بمكناس) بتحميل الدولة المغربية كامل المسؤولية عن الأضرار اللاحقة بالمدعي، وجاء في تعليل المحكمة أن المدعي يهدف من دعواه الحكم بتقرير مسؤولية الدولة عن الضرر الحاصل له من جراء التداوي بالقشرانية coricotherapie بالمستشفى العمومي محمد الخامس، و الحكم له بتعويض في مواجهتها لجبر الضرر الحاصل له عملا بمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود. فيما يخص المسؤولية، الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود يقر في شطره الثاني بمسؤولية الدولة الناتجة عن الأخطاء المصلحية لمستخدميها، وبالاطلاع على وثائق الملف يتضح أن المدعي خضع للتداوي بمادة الكورتيزيون بمستشفى محمد الخامس لمدة طويلة، وفي فترات متقطعة، كما خضع للعلاج بنفس الدواء خلال سنة 1989 وأثناء شهر يوليوز 1990 وأكد عدة أطباء مختصين بأن ما وقع لمدعي من إصابات في رأسي فخديه ناتج عن التداوي بتلك المادة. عنصر الخطأ ثابت في نازلة الحال وهو خطأ مصلحي ناتج عن وصف دواء معين بكمية كبيرة ولمدة طويلة دون مراعاة الحالة الصحية للمعني بالأمر وإجراء الفحوص الضرورية التي تفرضها قواعد المهنة الطبية، كما أن اعتماد الوكيل القضائي للمملكة على اجتهاد قديم صادر عن محكمة النقض الفرنسية رقم 1790 وتريخ 1937/10/8 والذي يشترط ضرورة توافر الخطأ الجسيم لتقرير المسؤولية الطبية هو دفع لا يمكن الاعتداد به في نازلة الحال لأن مقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود صريحى في الاكتفاء فقط بتوافر الخطأ المصلحي دون الإشارة إلأى درجة هذا الخطأ ومدى جسامته إذ لا اجتهاد مع وجود النص. عنصر الضرر ثابث أيضا من جراء التداوي بالقشرانية، حسب تقرير الخبير المنتدب من طرف المحكمة وباقي وثائق الملف، وقد أثبت التقرير المذكور كون الضرر الحاصل غير ناتج عن أي سبب آخر غير ذلك الدواء الذي خضع له المدعي من خلال سلسلة طويلة من العلاج بذلك الدواء أي الكورتيزون. والمحكمة بما لها من سلطة تقديرية في تقييم الحجج الطبية المدلى بها، واستنادا إلى تقرير الخبرة المذكورة فإن علاقة السببية ثبتت أيضا بين الضرر الذي أصاب المدعي والخطأ المصلحي المتمثل في عدم الاحتياط بإعطاء أدوية بصورة متوالية بواسطة القشرانية دون إجراء الفحوص الضرورية، والتأكد من البنية الجسمية للمعني بالأمر وتأثير الدواء عليها، أي الخطأ المرفقي هو السبب المباشر للضرر مما يتعين معه القول بأن الدوولة مسؤولة عن الإصابات اللاحقة بالمدعي مسؤولية إدارة كاملة عملا بمقتضيات الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود في شقه الثاني، وفيما يتعلق بالتعويض حيث إن القاعدة العامة من تحديد التعويض المستحق أنه يشمل ما لحق بالضحية من أضرار بدنية مادية ومعنوية، وما فاته من كسب ومختلف الأضرار الأخرى كضرورة الاستعانة بشخص آخر للقيام بأعباء الحياة العادية. المحكمة استنادا على السلطة التقديرية في هذا الشأن، قضت المحكمة بتحميل الدولة المغربية كامل المسؤولية عن الأضرار اللاحقة بالمدعي و الحكم عليها لفائدته تعويضا إجماليا قدره سبع مائة وخمسون ألف درهم (750.000 درهم) شاملا لجميع الأضرار اللاحقة به بما فيها الاستعانة بالغير للقيام بأعباء الحياة العادية و الصائر على نسبة القدر المحكوم مع الفوائد القانونية ابتداء من صدور الحكم ورفض باقي الطلبات.