إن ما تتجاهله الحكومة الحالية هو ما يحمله و ما يبشر به السياق السياسي و الحقوقي الحالي على المستويين الوطني و الإقليمي والدولي ، و الأجابة عن السؤال تنبع من صلب هدا السياق . لقد عرفت مجموعة من أقطار العالم العربي حراكا سياسيا و حقوقيا قويا ، ظهرت فيه النساء كقوة فاعلة و مؤثرة ، في ذات الإطار رفع الشارع المغربي مطالبه و نادى باسقاط الفساد ، لأن حركة 2O فبراير هي حركة من أجل المساواة و الديموقراطية و العدالة الاجتماعية ، ثم جاء دستور 2011 فكرس الكثير من المكتسبات ، وتناول المساو.ة تناولا عرضانيا في مجموعة من الفصول ، في الفصل 19 بشكل خاص ، و جعل من السعي للمناصفة آلية دستورية لاستكمال المساواة مفهوما و تطبيقا . هدا طبعا دون أن نقع في بتر زمني مفتعل ، لأنه قبل كل هدا و ذاك ، كانت الأحزاب السياسية الوطنية و الديمقراطية بجانب نضالات الحركة النسائية في المغرب قد حققت الكثير من المكتسبات في هذا المجال ، أذكر على سبيل المثال فقط قانون الأسرة و قانون الجنسية . دون أن ننسى أن هناك إرادة سياسية حقيقية من أعلى سلطة في الدولة ، فهي الإرادة الملكية التي حملت أكثر من مرة إشارات واضحة إلى ضرورة التقدم بالشرط النسائي، سواء فيما يتعلق بالحقوق العامة ، أو الحقوق السياسية تحديدا . فما كنا ننتظره من حكومة ما بعد 2011 بكل الصلاحيات الجديدة و المحددة لكل من السلطتين التنفيذية والتشريعية ، هو العمل على التنزيل الديموقراطي للدستور - و هنا الخسارة الأولى - ، هناك هدر زمني واضح و تخاذل في التفعيل الجدي للدستور ليتم الانتقال من مستوى النصوص إلى مستوى المعيش ، بل ان عددا من المؤشرات تؤكد التراجع و الانتكاسة : ضعف ولوجية النساء إلى الحق في الشغل ، ضعف التوظيف في الوظائف السامية ، عدم تفعيل الفصل 19، عدم تنزيل هيأة المناصفة و مناهضة كل أشكال التمييز ، عدم خروج القانون المتعلق بالعنف ، قانون العمالة المنزلية بما يتساوق و المكتسبات الوطنية و المواثيق الدولية الملزمة للحكومة ، بمقتضى توقيع بلدنا عليها ... ومن جهة ثانية تقارب الحكومة اليوم حقوق النساء بمنطق ثبات الأغلبية الانتخابية ، و من منظور الأغلبية و المعارضة ، فكل تصريحات رئيس الحكومة تذهب في اتجاه المؤشر العددي ، و تبخيس العمل الجاد و المواقف الاحتجاجية و الأساليب المرافعاتية للمؤسسات النسائية المناضلة في مجال حقوق المرأة ، و الحال أن المناضلات سابقا شكلن تنسيقية وطنية أحزابا و مجتمعا مدنيا ، قصد الترافع من اجل حقوق النساء السياسية ، و رفع التمثيلية في المؤسسات المنتخبة ، بغض النظر عن التباين الفكري و الأيديولوجي ، فكانت اللائحة الوطنية مثلا لاعتقادنا بسمو القضية النسائية كقضية تحديث و دمقرطة مجتمع بأكمله عن الانتماءات الحزبية ، فكانت الكوطا آلية وظيفية ديمقراطية و مؤقتة . و أشير ثالثا إلى أن خرجات رئيس الحكومة كلما تعلق الأمر بمطالب النساء ، خرجات فظة و عدائية ، يطبعها أسلوب التحدي و الاستعلاء و التبخيس ، و في اعتقادي ، هذه الخرجات خطر مزدوج على المستوى الاجتماعي و الثقافي من شأن ذلك أن يعيدنا مجددا إلى المقاربة الصراعية الكلاسيكية بين الرجل و المرأة ، بدل الحرص على وحدة المجتمع و تماسكه ، و اعتبار النضال النسائي نضالا مجتمعيا . أما على المستوى السياسي ، فمن شأن غياب الخطاب البيداغوجي المتزن أن يعرقل المصالحة المأمولة بين المرأة و السياسة ، و أن يكرس ضعف المشاركة النسائية ، كشرط أساسي لتحديث كل من الدولة و المجتمع . إلا أنه في ظل الحكومة الحالية ، لابد أن أشير إلى أن حجم الوعي بالخسارة يساويه بل بتجاوزه حجم العزم على ضرورة الاستمرار في النضال من أجل استكمال حقوق النساء . * الكاتبة العامة للمنظمة الاشتراكية للنساء الاتحاديات