أزمتنا تكمن في السياسة اللغوية، لا في اللغة لا ينبغي للجوائز أن تتحول إلى سلطة ثقافية تمارسها المؤسسات استضاف برنامج «مدارات « الذي يعده الإعلامي عبد الإله التهاني ويبث كل ثلاثاء وسبت على أمواج الإذاعة الوطنية، أول أمس الثلاثاء 28 أبريل الجاري، الناقد المغربي والأستاذ الجامعي عبد الفتاح الحجمري . الناقد الذي يسعى وهو يُعمل أدواته النقدية داخل النصوص، إلى إنجاز نص إبداعي ثان لإيمانه بأن المفاهيم النقدية ما هي إلا أدوات إجرائية محايثة للنصوص ونابعة منها في نفس الوقت، اعتبره عبد الإله التهاني في تقديم الحلقة، كاتبا وباحثا يعيش بوهج الكلمة، متمليا بنور المعرفة في مختلف تجلياتها الفلسفية والأدبية والتربوية، وهو ما تشهد عليه مؤلفاته العديدة التي أصدرها من قبيل: «أبحاث في السحر» ، «تخييل الحكاية: بحث في الأنساق الخطابية»، «التخييل وبناء الخطاب في الرواية العربية»، « تخيل السرد والعوالم الممكنة: أسئلة للبحث»،بالإضافة إلى مقالاته المنشورة بالعديد من المجلات العربية والمغربية، والكتب الجماعية التي شارك فيها
.أزمة القراءة بخصوص أزمة القراءة أشار الناقد عبد الفتاح الحجري إلى أن الأزمة مركبة، تتداخل فيها عدة عوامل ملاحظا أن وتيرة النشر والمبيعات كذلك لا تتناسب وعدد السكان، بل هي في تراجع مستمر وهو ما يستدعي في نظره، التفكير الجماعي في إيجاد نوع من التربية على القراءة.. قراءة لا تقتصر على النصوص الأدبية بل تتجاوز إلى النصوص العلمية والفكرية بمختلف اللغات للوصول إلى اكتساب مهارات القراءة كفعل ثقافي يكاد يرقى إلى مستوى الواجب. وأقر صاحب «عتبات النص: البنية والدلالة» بأن انحسار القراءة، وإن كان يعود في شق منه إلى نسبة الأمية بالمغرب،إلا أنه يضع مادة الأدب بالمدرسة والجامعة أمام تحديات عديدة، أولها أن مادة الأدب لم تعد تلقى الإقبال بسبب الطرق التقليدية للتلقين أو طرق التلقي من طرف الطلبة ما يجعل الأمر ملحا بخصوص تحقيق أفق التربية على القراءة. الوضعية اللغوية بالمغرب رغم كل ما أثير ويثار من سجالات وخلافات حول الوضع اللغوي بالمغرب، إلا أن الناقد الحجمري يرى أن هذا الوضع يتميز بالغنى والتعدد، ملمحا في هذا الصدد إلى ما أثاره المفكر عبد الله العروي في كتابه «ثقافتنا في ضوء التاريخ» من ميزات لهذا التعدد والتنوع الذي أشار فيه إلى أنه لا يوجد مجتمع يستعمل لغة واحدة وأنه حتى داخل اللغة الواحدة توجد مستويات مختلفة ( اللهجات، اللسان المكتوب، اللغات الاصطلاحية..). وفي توصيفه للوضعية اللغوية، توقف صاحب «نصوص كالفراشات:يوميات القراءة» عند مميزات الغنى اللغوي بالمغرب مجملا إياه في : الازدواجية اللغوية: عربية فصيحة ولهجة عامية. 2- الثنائية: اللغة العربية واللغات المتداولة المنصوص عليها دستوريا. وبخصوص النقاشات الدائرة، خصوصا من طرف المدافعين عن أفضلية اللغة العربية ووجودها في مهب التهديد، كان الحجمري صريحا وهو يؤكد أن من يقولون بأن العربية تعيش أزمة، لا يحددون بالضبط مكامنها مؤكدا في هذا السياق أن اللغة العربية لا تعيش أزمة والحقيقة أن الأزمة تكمن في السياسة اللغوية لا في اللغة. وتوقف الناقد الحجمري في هذا الإطار عند محددات التنمية الاجتماعية التي يرتبط جزء كبير منها بالتنمية اللغوية، وهو ما يقتضي في نظره الاهتمام باللغة الرسمية لتقوم بوظائفها على أكمل وجه. نقد الرواية وسلطة الجوائز لم يكن توجه الناقد عبد الفتاح الحجمري مؤلف «لماذا ننقد النصوص الأدبية؟» الى عالم الدراسات الأدبية والنقد الأدبي بمحض الصدفة، بل كان تتويجا لمسار قرائي امتد منذ الطفولة إلى مرحلة التعليم الجامعي وبالاطلاع على روائع الأدب العربي خصوصا عالم الرواية الذي يمتلك بعدا فكريا يساعد القارئ على فهم العالم والتاريخ والثقافة والمجتمع. اطلاع عضّده احتكاكه بالناقد والكاتب عبد الفتاح كيليطو الذي جعله يكتشف أن الأدب الروائي هو النص الوحيد الذي يضم كل النصوص من المقالة إلى المسرح إلى الشعر، ومن هنا بدأ توجهه وتخصصه في نقد الرواية. امتد مسار مؤلف»ما الحاجة إلى الرواية؟» النقدي إلى قارات ومناخات روائية عديدة، مغربية ومغاربية وعربية، إلا إنه توقف مليا في نقده للرواية المغاربية عند العديد من نقط التشابه والاختلاف التي تسمها. لافتا إلى أن هناك أكثر من مدخل لتناول نقط التشابه تلك: أولا: المدخل التاريخي الذي رافق ظهور الرواية ببلدان المغرب العربي، حيث برز هذا الجنس الأدبي مرافقا لمرحلة التحرر الوطني واقترن بكتابة شبه روائية ذات ملمح قصصي، أو حبكة تاريخية أو ما يندرج ضمن السيرة الذاتية أو السيرة الروائية. ثانيا مرحلة سؤال الحداثة: انخرطت هذه الرواية المغاربية، خاصة في تونس والمغرب، منذ أوائل السبعينيات في نوع من الكتابة التجريبية التي تجاوزت أشكال السرد التقليدية، بمدارسها الواقعية والرومانسية، التي كانت سائدة في تلك الفترة. هذا الانخراط في سؤال الحداثة تم مع الرواد من خلال البحث في الشكل الفني وفي منح اللغة مكانة متميزة (أحمد المديني، الطاهر وطار…) ثالثا الحوار مع الغرب: انفتاح الروائيين المغاربيين على الأدب الغربي وعلى مدارسه ومناهجه. وسجل الحجمري أن هذه الدينامية الروائية المغاربية مازالت في حركية مستمرة ومتطورة، بدليل حيازة الأدباء والكتاب المغاربيين على لأرقى الجوائز الأدبية ( رواية «القوس والفراشة» لمحمد الاشعري ورواية «الطلياني» لشكري المبخوت اللتان فازتا بجائزة البوكر العربية). ولم يفت مؤلف»متخيل المعنى في السرد الأدبي» الإشارة إلى أن الحاجة إلى الأدب تظل قائمة حتى في ظل انحسار القراءة وافتقادها للجاذبية اليوم أمام الحوامل الرقمية لأنه رغم أن الأشياء التي يبحث عنها الأدب قليلة لكن في نفس الوقت لا يمكن تعويضها لأن الأدب يمنحنا فرصة تعلم طرائق التفكير في ما حولنا وربط الأشياء وقراءتها كما يجب. وبخصوص مسألة الجوائز الأدبية التي طغت على ساحة الفعل الثقافي في العقد الأخير، حذر الحجمري من ربط الإبداع بمسألة الجوائز والتقييمات، مؤكدا أن المبدع الحقيقي لا ينتظر التكريم أو الجوائز وملاحظا في نفس الوقت ما يمكن أن تشكله هذه الأخيرة من ضرب لمصداقية المبدع والإبداع. وأشار الحجمري في هذا السياق إلى ظاهرة المبدعين والكتاب الذين أصبحوا متخصصين في الكتابة للجوائز، بل وجعلها موجهة ومحددة لما يكتبونه ، لافتا إلى أن الجائزة هي تكريم لمسار علمي وتشجيع للمبدع، ولا ينبغي أن تتحول إلى سلطة ثقافية تمارسها مؤسسة ما، تهبها لمن تشاء في نوع من المحاباة والتراضي، ما يُفقد الجوائز قيمتها الاعتبارية. اللقاء عرج أيضا على تجربة الناقد والكاتب في الاهتمام بأدب الطفل والشباب الذي يعاني ندرة رغم ريادة العديد من الكتاب المغربة في هذا الجانب منذ عقود أمثال العربي بنجلون، إبراهيم بوعلو، عبد الرحيم المودن والذين أغنوا المكتبة المغربية بروائع من أدب الطفل الذي تراجع اليوم بل أصبح مفتقدا للجمالية ، ولا يتجاوز إعادة طبع القديم من التراث العربي والعالمي رغم أنه إبداع يجمع بين الثقافة والتربية، ويفتقد للتنسيق بين الوزارتين المعنيتين( وزارة الثقافة، ووزارة التربية الوطنية). كما تطرق اللقاء إلى تجربة الحجمري بمكتب تنسيق التعريب بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم «الألسكو»، الذي يشغل به منصب المدير منذ 2012 ، وحصيلة عمل المكتب الذي يسعى إلى إشراك الخبراء من جميع التخصصات لتقديم مادة معجمية تكون في مستوى انتظارات الباحثين.