التفكير في درس الاجتماعيات في رحاب المدرسة المغربية ضمن سياقات اجتماعية وتربوية وسياسية شديدة التحول والانزياح، مُتمردة على كل أشكال الوصاية المعرفية الكلاسيكية، مُنفلتة من كل الإيقاعات البيداغوجية الرتيبة، يغدو راهنا أمرا يطرح اشتباكا عميقا مع عدة مكونات متداخلة في ما بينها، مع المادة المعرفية أولا من حيث مواكبة انشغالاتها الإبستمولوجية الحادثة في مستويات جامعية أجنبية، مع المُدرس من حيث تكوينه الدائم لتجويد أحد مداخل المنظومة التربوية ثانيا، ومع المتعلم من حيث ضرورة تفكيك دينامية محيطه السوسيوثقافي والذهني ثالثا…لمادة قُدر لها أن تقود قاطرة بناء منظومة القيم الإنسانية، وأن تكون مدخلا نحو صناعة الفرد المتصالح مع ذاته ومجاله، متسلحا بأدوات مفاهيمية ونقدية قد تعينه في الاشتباك مع «أزمة المعنى»، في فهم هذا عِقال هذا العقل الإنساني الذي صار مفرطا في انغلاقيته وكليانيته، بله في استيعاب هذا المشهد الإنساني الغارق في ظلاميته ودوغمائيته . فتح نقاش حول درس الاجتماعيات في سياق مدرسة تتلاطمها رهانات عولمية خانقة، تسمح بتوغل قيم العولمة النيوليبرالية…يبقى مغامرة محفوفة بمخاطر كبرى، حكمت على مدرسة اليوم بأن تسجن في عمق الداروينية المتوحشة…تلك التي تضمن البقاء للمتوحش، الذي يحوز معدلات عالية علامات مرتفعة، تضمن ولوجه بانسيابية سريعة نحو معاهد الافتراس الكبرى، بينما تقذف بالفاشلين نحو غياهب الضياع والتشرد. ثمة أسئلة كثيرة تعتمل ضمن خارطة انشغالات درس الاجتماعيات داخل المدرسة المغربية، من حيث هو درس معرفي قادر على تفكيك وهدم كرنوزوفيات التفكير المُغلق، وبما له من قدرة على صياغة سردية تنويرية جديدة ومتجددة لأسئلة الإنسان والإنسانية في عالم شديد التحول والانزياح…في مدار لحظية تربوية تتسم بطغيان الهشاشة والتسطيح، تضع درس الاجتماعيات بروافده الثلاث يسير بدون بوصلة فاقدا للمعنى، مُرتكنا في أقبية الظلام، أوَ ليس انغلاق المعرفة يقود بالضرورة نحو انغلاق الواقع بتوصيف إدغار موران ؟ هل لا يزال درس الاجتماعيات قادرا على إنتاج المعنى بالنسبة للإنسان المعاصر بالمعنى الفلسفي؟ هل يستطيع أن يُحصن المُتعلم من خطابات توثين العقل ونعيمية العولمة الاستهلاكية والحداثة المادية والثورة التقنية؟ هل قُدر للمدرسة المعاصرة في زمن الميديا الحديثة أن تخون العقل الأنواري، وتنزلق في تشعبات الحداثة من إنسية مفرطة وديكتاتوريات شمولية وحروب… لربما في زمن الانهيار الناسف للمعنى، تغدو الحاجة ملحة لإعادة بلورة مفهوم درس الاجتماعيات، للإجابة عن سؤال المعنى المفقود في النظام العام الأشياء بالمعنى الأنثربولوجي، برؤية إنسية جديدة قادرة على إنقاذ المُتعلم من العزلة والتعاسة ومظاهر الإحباط، من كل أشكال الإقصاء التي يتعرض لها في جل مؤسساته الاجتماعية الكلاسيكية. هل أصبح خطاب المادة يحمل أدوات الإقناع في ذاته، يحمل صلابة في بنائه؟ هل درس الاجتماعيات قادر على الإجابة عن إشكالات تقع في خط التماس مع مباحث نظرية قريبة، عن جنون العقل، عن سؤال المعنى والوجود، عن فوضى الحواس وتنميط الذوق، عن الإنسان ذي البعد الواحد بتوصيف هربرت ماركوز؟ هل يستطيع سَدنة المادة وحواريوها على الأقل أن يناضلوا من قلب أدوات اشتغالهم في كسر تمثلات وأقانيم رافقت وسترافق المُتعلمين عن المادة، في المدرسة كما الجامعة ومنهما إلى المجتمع؟ هل فقد آل الزمن والمجال عصا قيادة العلوم الاجتماعية، منسحبين من معركة رهان القوة لفائدة تلك القراءات العُصابية المتصلبة؟ أن نتقاسم جميعا هَم التفكير في مادة معرفية مُتموجة ضمن سياقات اجتماعية وسياسية فارقة يصير قلقا ابستمولوجيا وديداكتيكيا، وانشغالا أنطولوجيا يفرضه واقع الحال والمآل، ضمن لحظية زمانية مطبوعة بتراجيديات حضارية وإنسانية صعبة، استطاعت أن تقضم مكتسبات وإواليات ناضل من أجلها جيل الرواد، وتخلى عنها طوعا أو كرها جيل المُدرسين الجدد، فهل يعيش درس الاجتماعيات اليوم زمن الردَّة الابستمولوجية والديداكتيكية؟ هل حان الوقت لفتح نقاش عميق حول مشهد تربوي يشهد الجميع على دراميته في إنتاج اللامعنى والفوضى الخلاقة؟ قد لا يعتبر الأمر حكم قيمة يغالي في تعميد الأحكام، بقدر ما يتعلق الأمر بمُعاينة أمبريقية تمتح من عمق الواقع وهواجسه، لعله زمن النكوص كما يسميه سيغموند بومان، حيث لم يعد الانتساب إلى المادة شرفا وحظوة معرفية، مقابل جاذبية مباحث وتخصصات اقتصاد السوق والماركتينغ المعرفي.