بداية تجدر الإشارة لكون جائحة كورونا تدخل ضمن الطوارئ غير المتوقعة، وهذا ما يجعل من الصعب مواجهتها بيسر وسهولة. فأغلبية دول العالم –بما فيها الدول المتقدمة اقتصاديا وعلميا- عانت ومازالت من الإكراهات والتحديات التي أفرزتها هذه الجائحة. مفيد: معارضة شباط "ذاتية".. وسياسة "الاستقلال" لا منطق فيها ودون الدخول في طبيعة معالجة مخلفات هذه الجائحة، نطرح السؤال بخصوص أدوار السلطات العمومية ومنها البرلمان في التعاطي مع ما يفرضه هذا الوضع الطارئ والخطير. فالبرلمان هو السلطة التشريعية التي تتولى طبقا لمقتضيات الفصل 70 من الدستور التصويت على القوانين ومراقبة العمل الحكومي وتقييم السياسات العمومية. وإذا كان الدستور يخول للحكومة خلال الفترة الفاصلة بين الدورات العادية، إمكانية التشريع بمقتضى مراسيم قوانين وفقا لما ينص عليه الفصل 81 والذي جاء فيه بأنه " يمكن للحكومة أن تصدر، خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، وباتفاق مع اللجان التي يعنيها الأمر في كلا المجلسين، مراسيم قوانين، يجب عرضها بقصد المصادقة عليها من طرف البرلمان، خلال دورته العادية الموالية. يودع مشروع المرسوم بقانون لدى مكتب مجلس النواب، وتناقشه بالتتابع اللجان المعنية في كلا المجلسين، بغية التوصل داخل أجل ستة أيام، إلى قرار مشترك بينهما في شأنه. وإذا لم يحصل هذا الاتفاق، فإن القرار يرجع إلى اللجنة المعنية في مجلس النواب."، فلا يوجد أي سند دستوري يحول دون انعقاد البرلمان في هذه الدورة العادية التي ستنطلق يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل الجاري (10 أبريل 2020). فالمشرع الدستوري ينص في الفصل 65 على أن " يعقد البرلمان جلساته أثناء دورتين في السنة، ويرأس الملك افتتاح الدورة الأولى، التي تبتدئ يوم الجمعة الثانية من شهر أكتوبر، وتُفتتح الدورة الثانية يوم الجمعة الثانية من شهر أبريل. إذا استمرت جلسات البرلمان أربعة أشهر على الأقل في كل دورة، جاز ختم الدورة بمرسوم.". ولهذا فانعقاد البرلمان في هذه الدورة العادية هو التزام دستوري لا يمكن التحلل منه، وعليه لا يوجد أي سند دستوري يمكن الاستناد عليه للقول بإمكانية عدم انعقاد البرلمان أو تأجيل هذه الدورة التشريعية. كما أن البرلمان حتى في ظل حالة الاستثناء المنصوص عليها في الفصل 59 من الدستور يبقى قائما ولايمكن حله. ولايمكن حل البرلمان أو توقيفه في ظل حالة الحصار المنصوص عليها في الفصل 74 من الدستور، لأن كل تمديد لحالة الحصار يجب أن يكون بقانون طبقا لمنطوق الفصل 74 من الدستور. وبناء على ما سبق فكل قول يدعي بأن انعقاد البرلمان في ظل حالة الطوارئ الصحية فيه خرق للدستور، هو قول مردود عليه للأسباب التالية: أن البرلمان يتكون من ممثلي الأمة الذين يتولون وضع القانون، والقانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، ولهذا فمن واجب أجهزة ومكونات مجلسي البرلمان الالتزام بالنهوض بمهامها البرلمانية طبقا لأحكام الدستور والأنظمة الداخلية الخاصة بهما والقوانين التنظيمية ذات العلاقة. غياب سند دستوري يمكن الاستناد عليه للقول بخرق البرلمان لمقتضيات الدستور بانعقاد الدورة العادية، وغياب أي سابقة يمكن القياس عليها، وغياب أي اجتهاد قضائي صادر عن القضاء الدستوري في هذا الخصوص. أن البرلمان هو المختص بسلطة التشريع، والحكومة تشرع في مجال القانون بشكل استثنائي خلال الفترة الفاصلة بين الدورات، ولهذا فمراسيم القوانين التي تصدرها الحكومة خلال هذه الفترة يجب أن تعرض وجوبا على البرلمان بقصد المصادقة خلال أول دورة موالية عادية. ومادام مرسوم القانون قد صدر بتاريخ 23 مارس 2020 والدورة التشريعية الموالية العادية ستبتدأ يوم الجمعة 10 أبريل 2020 ، فاحترام الدستور يفرض انعقاد البرلمان كما يفرض أن تعرض عليه الحكومة مرسوم القانون المتعلق بحالة الطوارئ الصحية وغيره من مراسيم القوانين التي يمكن أن تصدر خلال الفترة الفاصلة بين الدورات التشريعية. أن الحكومة لايمكنها التشريع بمقتضى مراسيم قوانين خلال الدورات العادية، ولايمكن للبرلمان افتتاح الدورة العادية لشهر أبريل بشكل شكلي دون ممارسة فعلية لاختصاصاته الدستورية، الأمر الذي يحتم انعقاد البرلمان للمصادقة على مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة والتي ستمكنها من اتخاذ مجموعة من التدابير لمواجهة مخلفات جائحة كورونا. ولهذا فانعقاد البرلمان في هذه الحالة سييسر عمل الحكومة خصوصا إذا تم اعتماد ما يسمى ب "الليونة التشريعية" التي تفرض ضرورة اعتماد القوانين في أقل وقت ممكن. أن حضور البرلمانيين لايطرح مشكلا على اعتبار أن التصويت على القوانين العادية لايتطلب أغلبية معينة، وإنما أغلبية الحاضرين فقط وهي أغلبية نسبية، ولهذا فخلال فترة الطوارئ الصحية والتي يمكن أن تشهد غيابا لمجموعة من البرلمانيين-وهو غياب مشروع في هذه الحالة وفيه التزام بالإجراءات المعلن عنها من قبل السلطات العمومية- يجب عدم برمجة مشاريع القوانين التنظيمية التي يفرض المشرع التصويت عليها بأغلبية أعضاء مجلس النواب مثلا كما هو الحال بالنسبة لكل مشروع أو مقترح قانون تنظيمي يخص مجلس المستشارين أو الجماعات الترابية، فإن التصويت يتم بأغلبية أعضاء مجلس النواب. أن التصويت بالتفويض أو الوكالة غير مطروح للنقاش من قبل مكتبي المجلسين، ولايمكن أن يطرح ولا أن يعمل به بالنظر لكون الدستور قد حسم الأمر حينما نص في الفصل 60 على أن " يتكون البرلمان من مجلسين، مجلس النواب ومجلس المستشارين؛ ويستمد أعضاؤه نيابتهم من الأمة، وحقهم في التصويت حق شخصي لا يمكن تفويضه…". أن انعقاد البرلمان في هذه الظروف الخاصة –حالة الطوارئ الصحية – سيمكن من تفعيل مبدأ دستوري صريح هو مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها والذي يعد من أهم مقومات النظام الدستوري المنصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل الأول من الدستور. ولهذا فمواجهة هذه الجائحة يفرض تعزيز التعاون بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كما يفرض استحضار المصلحة العامة للوطن قبل أي اعتبار آخر، لأن في ظرف طارئ من قبيل حالة الطوارئ الصحية يجب أن تتوحد جهود الأغلبية والمعارضة لاتخاذ كل ما يلزم لمواجهة هذا الوباء. أن انعقاد البرلمان في هذه الظروف الخاصة –حالة الطوارئ الصحية – سيمكن من خلال ممارسة الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي من تعزيز حماية الحقوق والحريات في ظل حالة الطوارئ الصحية طبقا بطبيعة الحال للدستور والتشريعات الجاري به العمل، علما بان البرلمان هو الذي يتولى التشريع بشكل حصري في مجال الحقوق والحريات الأساسية طبقا لما ينص عليه الفصل 71 من الدستور. وفي الخلاصة، يجب التأكيد بشكل قاطع على انعقاد البرلمان في هذه الدورة العادية لايشكل خرقا للدستور، وإنما هو التزام بنهوض المؤسسة التشريعية باختصاصاتها عن طريق القيام بعملها بالمواكبة والمساءلة والمراقبة واقتراح الحلول والبدائل كما جاء في بلاغ مجلس النواب حول اجتماع السيد رئيس المجلس والسيدة والسادة رؤساء الفرق والمجموعة النيابية بتاريخ 30 مارس 2020.وانعقاد البرلمان في هذه الدورة أيضا هو تأكيد على الدور الهام الذي يضطلع به ممثلو الأمة في التعبير عن مشاغل وقضايا المواطنين و الدفاع عنها، وهذا ما أقره بلاغ اجتماع مكتب مجلس النواب بتاريخ 30 مارس 2020، والذي أكد أيضا على أن مجلس النواب سيواصل بشكل منتظم صلاحياته الدستورية على النحو الذي يجعل من سياق المرحلة ومستلزماتها تشريعا ورقابة، عنوانا بارزا في كل خطواته المقبلة. ولهذا فالدستور والمنطق يفرضان انعقاد البرلمان في احترام تام لمقتضيات الدستور. بل أكثر من ذلك لو لم يكن تاريخ الدورة العادية قد حان لكان من الأنسب الدعوة لعقد دورة استثنائية للبرلمان طبقا لمقتضيات الفصل 66 من الدستور. فاللحظة التي يمر منها وطننا تفرض نهوض جميع المؤسسات بمسؤولياتها واختصاصاتها لحماية الوطن وحماية المواطنات والمواطنين.وكل التفاصيل الأخرى المتعلقة بعدد ونوعية الحضور وتدابير انعقاد الجلسات واللجان في حالة طارئة كحالة الطوارئ الصحية، فيجب العمل على تضمينها في مقتضيات النظامين الداخليين لمجلسي البرلمان في مراجعة مقبلة. حفظ الله هذا البلد العزيز وأهله وسائر البلدان والبشرية جمعاء.