تستطيع المكتبة الوسائطية بالمحمدية أن تفخر بمنجزها الإشعاعي اللامع في حقل الإبداع، ثقافة وفنوناً، إلى جانب دورها الأساس في جعل الكتاب في أيدي طالبيه وقارئيه، نظراً لما تراكمته وتراكمه من أنشطة ثقافية وإشعاعية، وما قامت وتقوم به من معارض فنية. والمعرض الحالي الذي تنظمه وتضمه ردهات هذه المكتبة، هذه الأيام، يكاد يكون تجميعاً لكل هذه الأدوار، عبر تلاقي الكتابة والكُتَّاب، بالتشكيل والفنانين، وبالطباعة أيضاً، إنه معرض يزاوج بين »التشكيل والشعر«، حيث تلبس مقاطع شعرية لإسم شعري، لوحة تشكيلية لمبدع تشكيلي، أو حيث تلبس لوحة تشكيلية لفنان تشكيلي، مقاطع شعرية لشاعر. المعرض يحمل اسم »"هواجس الخام«"، وللشعر هواجسه وخاماته، وللتشكيل هواجسه وخاماته، لذلك مهما تعددت الوشائج، وتداخلت العلائق، فإن تعدد الفروق، مع ذلك قد لا تفسد لمثل هذا التزاوج قضيته الأساس، وهي أنه من أكبر اختلاف يمكن أن ينجم أفضل ائتلاف. لذلك وحتى عندما يشتغل فنان تشكيلي على خامة الحرف، كالمبدع الرائع عبد الله الحريري، فإن ذات الخامة وقد نسجتها نسجاً شعرياً إبداعية الشاعر صلاح الوديع، لابد وأن تجعل فضاء اللوحة أكثر نوراً، وأبهى ضوءاً. إذ من الجمالية أيضاً ملامسة حتى هذا التنافر بين معنى المقاطع الشعرية، ومعنى أو لا معنى ما قد تجسده اللوحات، لأنه حتى وإن اشتغل الشاعر على الصورة الشعرية، وأراد الفنان التشكيلي محاولة تجسيد هذه الصورة عبر الفرشاة والألوان، فإن الأمر حتماً سيسقط فيما يشبه الرسوم التوضيحية أو وسائل الإيضاح، مما قد يُضيع على عمل كهذا فنيته وإبداعيته، ويفقد لمبدعه حريته، التي هي أصل كل إبداع. إن لوحات كل من رجاء الأطلسي وعبد الكريم الأزهر وبنيونس عميروش وعبد الله الحريري وشفيق الزكاري ونور الدين فتيحي وهي تؤثث فضاءاتها بمقاطع شعرية للشعراء عبد الكبير الخطيبي والمصطفى حماص ومحمد الطوبي وصلاح الوديع وصلاح بوسريف وسعيد عاهد. إن هذه اللوحات تزداد جمالية دون أن تنقص، وتزداد لمعاناً وتلألؤاً دون أن تبهت أو تخفت. لذلك، فإن هذا المعرض الذي هو خطوة أخرى في ظل مشروع يزاوج بين التشكيل والشعر، الذي انطلق كما يقول عنه شفيق الزكاري سنة 1988، يجب أن يكون هو الآخر معبراً وجسراً نحو معارض أخرى تعزز اللقاءات بين الشعراء والفنانين التشكيليين، وهي لقاءات إذا ما اغتنت بالنقاشات والمكاشفات، لابد وأن تطور وتغني الشعر والتشكيل معاً، ولنا في المدرسة السوريالية ما بين الحربين، خير دليل على الغنى الذي يمكن أن ينجم عن مثل هذه اللقاءات، وإن كنا في العقدين الأخيرين أصبحنا نجد العديد من الشعراء الذين اقتحموا عالم اللوحة والتشكيل، وباتوا يبدعون في الفنين معاً.