أخيرا وبعد مقاومته لمرض عضال بإحدى مصحات الدارالبيضاء لشهور، انتقل الفنان عموري مبارك إلى جوار ربه في الساعة الحادية عشرة ليلا من يوم الجمعة 13-02-2015، تغمده الله برحمته وبوفاته، تفقد الأغنية الأمازيغية خاصة والوطنية عامة أحد الوجوه التي اعتدنا أن تمدنا بين الفينة والأخرى بالجديد الجيد منذ منتصف السبعينيات إلى أن داهمه المرض وأجبره على الصمت وعلى ترك رفيقته القيثارة تنعيه قبل نعينا له. كان خلال تعاملي معه منذ أواسط السبعينيات لا يقبل غناء قصيدة ما إلا إذا كانت مستوفية للشروط من حيث الشكل ووحدة الموضوع ومن حيث معالجة ما له علاقة بالمشاكل الثقافية والاجتماعية التي يعاني منها جمهوره. يتوفر على موهبة نادرة وإحساس فني مرهف جاعلا كرامته فوق كل شيء لا يساوم فيها ولما طلبت منه داخل المصحة التي يعالج فيها استجوابا إذاعيا أو مكتوبا، أجابني بقوله «ءادجي ءايا مد كل ئنو ءاد ساوالغ س-تماضونت ئنو ءار سري تساوال»، مضمونه : أتركني يا صديقي أحاور مرضي ويحاورني، هذه الجملة وهذا التحقيق نقله أحدهم مرتين في جريدة يومية دون الإشارة إلى المصدر كما تقتضي أخلاقية المهنة ذلك. عموري امبارك لا يستطيع النزول بألحانه وبصوته وبمواضعه إلى حيث جماهير الأغاني المدغدغة للعواطف ولا يستطيع الجمهور أن يصعد إلى حيث هو محلق في فضاء الفن الرفيع. وكما ذكرت عندما نقلنا خبر مرضه إلى قراء جريدتنا بتاريخ 30-9-2014 جمهوره النخبة المثقفة ثقافة فنية ممن يتذوقون مضامين الكلمات الهادفة والألحان الرائعة، إضافة إلى حنجرته القوية الموصلة للخطاب الشعري الهادف إلى توعية مستمعيه وإلى تلطيف حرارة معاناتهم بتحقيقه لعنصر الفرجة لهم من أغانيه الخالدة أن وجدت من يحتفظ عليها «تيكي ءوراتكنداغ واليدموناغ...»، أنا لا أراوغ من اتخذته رفيقا»، كلمات ديوان امانار للمرحوم أحمد امزال. ءاح ئنو كيغ تابرات، ويحي أنا رسالة، ديوان ئسكراف القيود. محمد مستاوي أغنية تازويت النخلة لنفس الشاعر، أغنية جانبيلي للشاعر الأمازيغي الكبير صدقي علي ازايكو، وحصل بها على الجائزة الوطنية للأغنية المغربية وهناك قصائد وقصائد آخرها شريط مهيأ للإصدار قبيل مرضه على المهتمين أن يعجلوا بإخراجه. شيء آخر على وزارة الثقافة ووزارة الاتصال أن يعملوا على إعادة توثيق روائع فنانينا والعمل على حمايتهما من الاندثار، فالأغاني الملتزمة لكبار الفنانين أمثال المرحوم عموري مبارك ومحمد رويشة وغيرهم جزء من ثقافتنا وحضارتنا وأصالتنا، ولابد من الإلحاح على العناية بأيتام الفنانين ممن لا تقاعد لهم ولا مداخل ولا من يتكفل بهم. في حياتهم كانوا يشقون في سبيل إسعاد الآخرين، كانوا شمعة تحترق لتنير لنا ظلمات الحياة ولهم على المسؤولين العناية بأيتامهم. فقيدنا عمروي مبارك ترك زوجته وطفلا صغيرا يدعى سيفاو وعمره فقط أربع سنوات ولابد من الإشارة إلى أن أسرة المرحوم توصلت بتعزية من جلالة الملك محمد السادس الذي تكفل بمصاريف المصحة مدة خضوعه للعلاج. دون نسيان أن الفقيد قبل وفاته أوصى بأن يدفن جثمانه في مسقط رأسه بدوار بولعجلات جماعة ايت مخلوف إقليمتارودانت حيث تم نقله من طرف إدارة المصحة بواسطة سيارة الإسعاف من البيضاء إلى مقبرة قريته، وفي عصر يوم الأحد 15/02/2015 تم تشييع جنازته من مسجد الحسن الأول بتارودانت إلى مسقط رأسه في موكب جنائزي رهيب مسافة 15 كلم حوالي ألفي مشيع بحضور رؤساء الجماعات القروية والبلدية وبعض البرلمانيين والجمعيات المدنية وقد وفرت عمالة تارودانت مشكورة وسائل النقل وخزانتين كبيرتين وكل ما يلزم لاستقبال المشيعين. تغمد الله فقيدنا بواسع رحمته وألهم أسرته وجمهوره الصبر والسلوان. وإنا لله وإنا إليه راجعون.