لم يحترموا فيهم حتى آداب الذبح! ذبحوهم وهم لا ينتظرون أن تهبط خرفان الله العالية من سمائه، لعلها تنقذ المذبوحين الجدد. ذبحوهم وهم يبتسمون، مطمئنين للغاية بأن سيف النبوة بين أيديهم. هؤلاء الداعشيون الذين قادوا الوحشية في نزهة على شاطيء المتوسط، ليست لهم ملحمة للحبر سوى أن يقتلوا، ولا معركة ضدهم ممكنة من واجب التدين الجديد. فكرت في الرجل الوحيد:السيد أحمد الريسوني، الذي اعتبر أن قتالهم حرام في حرام. وأنهم حرام في حرام.. وتفكرت في السكاكين التي تجز الأعناق، في حيرة الواقف بين العنق والسكين: لا حل مع داعش سوى أن نتهمها بالوحشية، وأن نترك أمرها لله! السيد الريسوني، عندما أصدر الفتوى بأن داعش حرام وأن قتالها حرام، كان يدعونا، في استعادة مرتبكة للمرئجة الجدد، إلى التزام المنزلة بين المنزلتين: لا داعش ولا حرب على داعش. ينسى فقط بأنه في تلك المنطقة الملتبسة من فتواها توجد الجثث ويوجد دم وتوجد مجزرة وتوجد وحشية.. ولا توجد طمأنينة المرجئة، الذي يرتاح إلى خلو العالم من أمثاله! وببساطة القاتل، إذا لم تحارب داعش، فأي مقصد فقهي يوجد الحق نفسه؟ يمكن التسليم بأنه لا داعي لهذه الحرب، إذا سلمنا قبل ذلك بأن داعش مقابل الجيوش المتحالفة، يعني لا وجود لحل بديل تطرحه جماعة الإخوان المسلمين التي أخرجت من المعادلة، كحل يملك التوفيق من الله والحلال من الفقهاء! وهل هي فعلا منزلة بين المنزلتين عندما يكون القاتل واقفا والقتيل مسجى بين يديه، أن نطرح سؤال الحلال والحرام بين جيوش نظامية وبين جيش ظلامي؟ أم تراها زلة بين الزلتين: مفادها أن تستمر داعش في القتل، وهي حرام وأن تبقى الجيوش في حرامها ، بدون القضاء عليها.. ما لم يستسغه المنطق هو أن الداعشي يقتل باسم تراثي وباسم ديني ويسرقني ويدخل إيماني ويهربه إلى رصيد القتل والجريمة، مثل أي محتال محترف في سوق الارتياب، والجيوش قد تحارب باسمنا إذا وافقنا دولها، ولكنها تحارب باسم الذين يقتلون وباسم المسيحيين الذين يفرغ الشرق منهم وباسم الدول وباسم شيء ما اقترفته الإنسانية طيلة 14 قرنا، قبل أن يعود هولاكو مقنعا باسم الخليفة أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه! من حسن حظنا أن الذئاب لا تعوي في دمنا، والوحوش لا ترتاح في قلوبنا ،وأن الايمان لم يكتب بالدم في عروقنا، ولهذا نشعر بأننا مرتاحون عندما نقف إلى جانب الضحايا ولا نضع الجلاد والضحية على قدم المساواة ! فما هو القصد أيها الفقيه المقاصدي، عنوة أو حبورا؟ هل القصد أن نبحث في ما بين قطرتي دم أيهما تصلح لكي تكون حبرا لمداد الغفران، في صحراء العرب المفتوحة على القتل والقتلة؟ أم القصد أن نترك الذئاب ترعى في برارينا الخرفان بحجة أنه ليس من حق الجنود قتلها؟ لسنا واهمين: فالجندي الغربي بالتحديد لم يكن بحاجة إلى عودة السيافين لكي يشحذ عقيدته الحربية ويحلق فوق أبار النفط العراقية، هو يفعل ذلك منذ اكتشاف البخار، لكن الذين يقدمون له الذرائع، عليهم أن يتلقوا قذائفه، والجندي العربي، يعرف أنه سيقتل على آياديهم حتى ولو عاد إلى مدنيته، لأنه الطاغوت في آدابهم.. لا حشو إذن في بيان المعركة الواضحة بين داعش .. وبين العالم، حتى ولو لم يكن الريسوني يحب الإمارات أو العربية السعودية!