المتحدث باسم الأمم المتحدة: دي ميستورا أبلغ مجلس الأمن بعمله بشأن ملف الصحراء المغربية ولم يقدم أي مقترح    طائرة مسيرة لحزب الله تستهدف "نتنياهو" وتنفجر بمنزله جنوب حيفا    مبحوث عنه دوليا.. توقيف مواطن فرنسي من أصول جزائرية بمراكش    كيوسك السبت | الاتحاد الأوروبي يستعد لإخضاع التحويلات المالية للمهاجرين المغاربة للمراقبة    "درون" تستهدف مقر إقامة لنتانياهو    إصابة مباشرة لمنزل نتنياهو في بلدة "قيسارية" بطائرة مسيّرة قادمة من لبنان    الجيش الملكي يفوز على ضيفه الفتح في ديربي الرباط    جدة تحتضن مباريات كأس السوبر الإسباني    بتنسيق مع الديستي.. الشرطة الإسبانية تعتقل شخصين بتهمة نشر أفكار تنظيم داعش عبر منصات التواصل الاجتماعي    غوتيريس يطلع مجلس الأمن على المبادرة الملكية لفك العزلة عن بلدان الساحل    مسيرة أصابت بشكل مباشر منزل نتنياهو    توقعات طقس اليوم السبت بالمغرب    السالك: الجزائر تعيش على معاداة المغرب.. ونُخَب ترفض عودة الصحراويين    إحاطة المبعوث الأممي حول قضية الصحراء.. دعم ضمني للمبادرة المغربية    مهنيون: غلّة الزيتون ضعيفة.. وسعر لتر الزيت يتراوح بين 100 و110 دراهم    أمن العيون ينفي مضمون شريط فيديو    مباراة لكرة القدم بطنجة تنتهي بوفاة شخص إثر أزمة قلبية    بالإجماع.. انتخاب نصر الله الكرطيط رئيسا جديدا لنادي اتحاد طنجة وهذه تشكيلة المكتب المديري    مجلس وزاري برئاسة الملك يصادق على الخطوط العريضة لمالية 2025 ويعين في مناصب سامية (بلاغ)    أمانة المصباح: "اغتيال السنوار لن توقف مسيرة النضال والجهاد على طريق تحرير فلسطين"    تكريم الشوبي والزياني يزين حفل افتتاح المهرجان الوطني للفيلم بطنجة    مكناس.. ترويج "الماحيا" يقود شخصا للاعتقال    سفيرة الاتحاد الأوربي بالمغرب تنشر خلاصات المجلس الأوربي: تجديد التأكيد على ضرورة الحفاظ على العلاقات الوثيقة ومواصلة تعزيزها في كافة مجالات الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي    شباب السوالم يقلب الطاولة على الرجاء    تعيين شكيب بنموسى مندوبا ساميا للتخطيط خلفا للحليمي    فرقة ثفسوين من الحسيمة تتوج بالجائزة الوطنية للثقافة الامازيغية    قرعة متوازنة للجيش في "كان السيدات"    المغرب يسجل حالة وفاة ب"كوفيد- 19"    ثلاثة أشخاص من الناظور ينجحون في الوصول إلى مليلية سباحة    الأحمر يوشح تداولات بورصة الدار البيضاء    ياسين كني وبوشعيب الساوري يتوجان بجائزة كتارا للرواية    بوريطة يؤكد على "سواحل بحرية للمملكة تشمل 3500 كيلومترا" خلال مباحثات مع الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية    المنتخب الوطني النسوي يخوض مباراتين وديتين أمام تنزانيا والسنغال    نمو حركة النقل الجوي بمطار الحسيمة بنحو 19 في المائة مع متم غشت الماضي    الدولي المغربي إلياس بن الصغير ضمن قائمة ال 25 مرشحا لجائزة "الفتى الذهبي 2024"    عقوبات صارمة تنتظرأرباب المطاعم والفنادق بالناظور بسبب لحوم الدجاج    المنتخب المغربي يتقدم مركزا في التصنيف العالمي للفيفا        حركة حماس تنعي رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار    حماس تخرج بأول رد لها عقب اغتيال القيادي يحيى السنوار    توقعات أحوال الطقس ليوم غد السبت    في تقرير حديث للأرصاد.. 2023 الأكثر حرارة بالمغرب خلال 80 سنة الماضية    شفشاون تحتضن فعاليات مهرجان الضحك في نسخته الرابعة    تامسنا: عرض مسرحية "دوخة" للتحسيس بمرض السرطان    التوترات الجيوسياسية تدفع الذهب لأعلى مستوياته على الإطلاق    ⁨انفوجرافيك | تدهور مستوى المعيشة للأسر المغربية خلال الفصل الثالث من 2024⁩    كائنٌ مجازي في رُكْن التّعازي! (من رواية لم تبدأ ولم تكتمل)    السنة الثقافية 2024 .. مبادرة "قطر تقرأ" تقرب الأطفال من ثقافات البلدين    علماء يطورون تقنية جديدة لتجنب الجلطات الدموية وتصلب الشرايين    عبد الرحيم التوراني يكتب من بيروت: في الحروب يقف الموت على الأبواب    المديني: المثقفون العرب في فرنسا يتخوفون من إبداء التضامن مع قطاع غزة    تسجيل أزيد من 42 ألف إصابة بجدري القردة بإفريقيا منذ مطلع 2024    دراسة تظهر وجود علاقة بين فصيلة الدم وزيادة خطر الإصابة بالسكتة الدماغية    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    الملك محمد السادس: المغرب ينتقل من رد الفعل إلى أخذ المبادرة والتحلي بالحزم والاستباقية في ملف الصحراء    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد أسدرم تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الدرس الافتتاحي لأكاديمية المهدي بن بركة .. سبيلا يطرح إشكالية «اليسار والحداثة» في أبعادها الفكرية والثقافية والسياسية والإيديولوجية

أمسية ثقافية تقاطع في طروحاتها، الفكري والفلسفي والسياسي والاجتماعي، احتفت بها، أكاديمية المهدي بنبركة للدراسات الاجتماعية والثقافة العمالية، في الدرس الافتتاحي لنشاطها العلمي للفيلسوف محمد سبيلا، حول موضوع «اليسار والحداثة»، وكان فضاء لمقاربة استشكالاتها الكبرى، وسط حضور لافت لنخبة من رجال الثقافة والفكر وأكاديميين، ومسؤولين سياسيين ونقابيين، ورجال إعلام، عشية الخميس 20 فبراير (2020)، المقر المركزي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بمدينة الدارالبيضاء.
قارب المفكر سبيلا، إشكالية «اليسار والحداثة»، ومحاولة تمثل مجمل مظاهرها العلني منها والخفي، المنطوق منها والمسكوت، في جذور متنها وأصوله، مبتعدا بوعي فلسفي وسياسي وتاريخي وسوسيولوجي عن معالجة المسألة بما تطرحه من أسئلة واستفهامات على الفكر المغربي المعاصر، منذ «نشأة» الحركة التقدمية، في مظاهرها السطحية. ويؤسس سبيلا انطلاقا من «أطروحته» الفكرية هذه، مشروع رؤية، أو إن شئنا، دعوة، لإعادة بناء «يسار مغربي» باعتباره القوة السياسية المرتبطة في السياق الثقافي والأيديولوجي والتاريخي، بالحداثة والتحديث، ومستوعبة لمضامينه، ويعتبرها، انطلاقا من زاوية النظر هذه، مدخلا لا محيد عنه، لتجاوز كافة مظاهر التأخر التاريخي.
نشأة الفكر
المغربي الحداثي
قناعة سبيلا، في عرضه الفكري، أن المهدي بنبركة «ظل على الأقل في منظور جيلنا، هو مؤسس الفكر الحداثي المغربي، الذي كان يُعبَّر عنه في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي» ب»الفكر التقدمي».
هذا الرجل يقول الأستاذ سبيلا، الذي «ألهب جيلنا والأجيال اللاحقة، والذي أطلق حيوية تاريخية استمرت وازدهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والربع الأول من الألفية الثالثة، لتفرض نفسها كحدث تأسيسي، وكحدث مفصلي، وكحدث مرجعي في تاريخ المغرب الحديث»، تأسيسٌ، من منظوره، «دُعي ووسم بمصطلح ذي رنة سلبية تجسده كلمة «الانفصال»، وهو المصطلح الذي رفضه المهدي، في حينه، وأعطاه يقول سبيلا، في مداخلته، معنى إيجابيا بقوله «إنه حدث توضيح وتصحيح»، حدث إيجابي إذن من حيث أنه يعبّر يقول سبيلا، «عن إرادة انفصال عن المواقف التقليدانية، مواقف المحافظة والجمود التي طبعت الحركة الوطنية، خاصة بعد مرحلة الحصول على الاستقلال، حيث كان المغرب على العموم يعيش آنذاك، حالة أسميتها ب»حالة الانتشاء»، وخلفها الانشغال بتوزيع الخيرات والمؤسسات والأراضي والمكاسب الموروثة عن الحالة الاستعمارية.
ويرى أستاذ الفلسفة أن هذه المشاغل، نشأت عنها صراعات حادة وتقاتلات لا رحمة فيها جعلت الحقل السياسي، ساحة حرب حول التوجهات، لكن أيضا، حول المكاسب والمغانم، وذلك إذا نظرنا إلى الواقع التاريخي في أعرافه خارج ما أسماه سبيلا، «كل التجميلات والتزويقات الأيديولوجية».
ويعتبر صاحب الدرس الافتتاحي لأكاديمية المهدي، أنه في هذه الفترة، راكمت القيادات السياسية في حزب الاستقلال، وحزب الشورى، والمحيط المخزني، خلال مرحلتين، مرحلة النضال ضد الاستعمار، ومرحلة السنوات الأولى من الاستقلال، صراعات سلبية، وأحقادا وضغائن، يرى أن بعضها جيلي، وبعضها جهوي وإقليمي وبعضها الآخر يقول سبيلا، «إثني أو عرقي»، وبعضها أيضا «ثقافي أو لساني أو نفسي»، وقد عبّرت (التراكمات) عن نفسها كما يرى بوسائل مختلفة. متوقفا في سياق قراءته ومساءلته الفكرية لهذه الفترة تحديدا «على مسألة الفرنكوفونية كشرط سياسي Condition politique وكمعيار، وكقاعدة لكل انخراط أو اندماج في الفعل السياسي الرسمي، وطبعا يؤكد، «في المؤسسات الرسمية».
هذه التوترات والتعارضات التي اختزلتها الحركة الوطنية في مرحلتيها، يقول صاحب الحفريات في متون الفكر العربي المعاصر، والتي تضرب في جذورها يضيف، «إلى ما قبل الاستقلال، عادت وتذاكت، وأججت المشهد السياسي الذي سيتخذ صيغة ينتهي بما سمي ب»الانفصال سنة 1959»، ويعني سبيلا هنا، انفصال (التيار التقدمي = الاتحاد الوطني للقوات الشعبية)، عن حزب الاستقلال.
وركز الأستاذ سبيلا، في عرضه الفكري، حول هذا الحدث، على الجانب الثقافي، حيث يرى أنه «شكَّل حدثا أساسيا ذا ملامح ثقافية طبعت تاريخ المغرب الحديث كله، وربما تجرأت على القول، بأن هذا الحدث، كان هو الحدث التأسيسي ليسار المغرب، بمختلف تلويناته وسلالاته، والتي يعود جزء منها، إلى شخصيات مؤثرة ومؤطرة، لعل أهمها أذكر هنا، المرحوم علي يعتة، والطرف الآخر من اليسار».
الانفصال، في هذا المنظور، يقول سليل الحركة الاتحادية، «لم يكن فقط مسألة سياسية، بل إنه كان أيضا، وربما بشكل كبير حدثا ثقافيا بامتياز، وذلك بحكم مفاعيله اللاحقة، وقد كان لشخصين كبيرين هما المهدي بنبركة، وعبد الله إبراهيم، أكبر الأثر في رسم التوجهات والاختيارات التقدمية والسياسية والثقافية».
محاور البرنامج
التحرري للمهدي
في نظر، رجل الفلسفة المغربية، فإن برنامج المهدي بنبركة، التحرري، يتمحور حول ثلاثة محاور حدّد عناوينها في: التحرر الاقتصادي، والسياسي، والثقافي، حيث أبرز في عرضه، الذي استغرق حوالي 72 دقيقة، أن المهدي، رغم أن المجال السياسي كان يشكل قلب انشغالاته، فإنه يقول سبيلا، خص الثقافة في منظورها التحرري، العصري بأهمية خاصة، ولو أن الصورة السياسية للمهدي، طغت على الصورة الثقافية وطمستها، وذلك على الرغم من أن هناك، محاولات لطمس الصورتين معا.
ويحدد سبيلا، المحاور الأساسية للتصور الثقافي الذي بلوره المهدي، في بعض نصوصه، في التشخيص التاريخي لوضعية المغرب ضمن خارطة التطور العالمي. فهو يرى (المهدي) أن بلادنا، من البلدان التي بقيت بمعزل عن الثورات الكبرى التي زعزعت أركان الإنسانية منذ ثلاثة قرون، أي منذ ثورة الآلة البخارية، إلى ثورة الكهرباء، والثورة الاقتصادية والاجتماعية التي وقعت في العالم الحديث، ويعتبر، أن هذا هو سر ركود وتخلف المغرب. ولعل هذا، ما جعل المهدي يقول سبيلا، يركز بعد ذلك، ويدعو، إلى «نوع من الانفتاح على العالم، لفهم وتمثل كل مستجداته الذهنية والسياسية والاقتصادية والثقافية».
العنصر الثاني، الذي يسم من منظور الأستاذ سبيلا، فكر المهدي التحرري، نقده التدين الطقوسي الموسمي، لأن المغاربة، تعودوا في ضيق أفق، على تمجيد الأبطال المجاهدين ضد الغزاة الأجانب، من إسبان وبرتغاليين، وإنجليز، حتى أصبح يحلّ هؤلاء الأشخاص، بعد وفاتهم، محلّ عبادة وتقديس، وأصبحت أضرحتهم مقصدا للكثير من المواطنين».
وأوضح سبيلا في سياق قراءته التحليلية النقدية لهذه المرحلة الفاصلة في تاريخ المغرب، أن أول رد فعل، كما أورده استنادا إلى نصوص المهدي، في مواجهة هذه القوى التقليدية، مثلته الحركة الوطنية السلفية حيث قامت بإبراز حقيقة الإسلام، أخذت معه عموم المواطنين إلى نفي الخرافات.
العنصر الثالث، في الفكر التحرري للمهدي، الذي خصه سبيلا، بمساحة كبيرة في مداخلته، يتمثل في نقد الرجل، ل»تلك التقييمات أو الانتقادات السطحية»، ويَعتبر المهدي، انطلاقا من خلاصاتها «أن مجتمعنا، يعاني من الركود والانعزال عن تاريخ تطور الشعوب الأخرى، وأن فئة اجتماعية تولت إعاقة مظاهر التطور لدينا، هي فئة الرجعيين، الذين أعاقوا تطور وتقدم البلاد». ويستدل المهدي، على ذلك، يقول سبيلا، بمثال، البعثات التعليمية التي سبق أن أوفدها السلطان حسن الأول، للخارج، و»عندما عادت، وجدت نفسها ضحية رجعية العلماء». ولعل هذا هو سر إخفاق البعثات التعليمية التي أرسلها الحسن الأول، بموازاة مع الصين واليابان، وكانت سببا في نجاح هذين البلدين، وإخفاقها في المغرب، بسبب الأفكار التي اصطلح على توصيفها ب «الرجعية».
إذا حاولنا استجماع رؤى المهدي، في المجال التحرري، يقول سبيلا، «لعلنا لن تردد في وصفها بأنها تشكل معالم ثورة ثقافية، حدّد مداخلها الكبرى في: أولا، التشخيص العملي السلبي لموقع المغرب في خريطة التطور العالمي، واعتبرها صورة جمود وانعزال وتأخر. ثانيا، نقد التميز في الطقوس الدينية. ثالثا، الانعزالية والجمود الفكري مع دعوة قوية للتقدم والانفتاح والتحرر كما هي واردة يقول سبيلا في خطاب المهدي.
اليسار المغربي والحاجة إلى إعادة اللحمة
يفترض الأستاذ سبيلا، في قراءته لمآلات اليسار المغربي، أنه في حاجة اليوم، إلى إعادة اللحمة التاريخية إلى مكانها، ومعانقة الأفق الفكري الذي تمثله يقول «الاجتهادات التحديثية للمدرسة الفلسفية المغربية وإسهامات الجامعة المغربية». هذا الأفق الفكري، هو من منظور مفكرنا الكبير، «الحداثة والتحديث» في مقولاته المركزية، المتمثلة هنا في أولوية العقل، ومركزية الانسان والنزعة الكونية، والاعتقاد بمقولة التقدم، وفي شعارات تحرير الانسان من عجز القوى الطبيعية، وتوجيه السياسة نحو رسم الحدود الفاصلة بين المقدس واليومي والمجتمعي والرعاية، المتمثلة في الديمقراطية وحقوق الانسان، مشددا القول على أن هذه البنية التحتية هي الحداثة، ومبرزا في سياق ذي صلة، «أن المغرب الحديث قد شهد حركتين نهضويتين أو حركتي يقظة، أولاهما تتمثل في الحركة الوطنية بجذورها التراثية التي أدت إلى الاستقلال السياسي، أما الثانية، فهي الحركة المتمثلة في اليقظة الثانية للحركة الوطنية، مصطلحها الحركة التقدمية». وهي حركة تدعو يقول الأستاذ سبيلا، «الى الوعي، وإلى الانفتاح على العصر والانخراط الواعي والإرادي في الحركة التحديثية الكونية والاندماج في الحداثة والتنمية».
واعتبر رجل الفكر الحداثي في المغرب، أن الأفكار التحررية للمهدي، تجد موطئ قدم لها في كتابات ومحاضرات عبد الله إبراهيم، الذي عاصره وجايله، والذي يمكن أن نعتبره ربما، يقول سبيلا، «المفكر الأساسي في الحركة السياسية التحديثية، والتي تعبر عن ذاتها فلسفيا من خلال كتاباته المختلفة، ومن خلال التقرير الأيديولوجي الأول الذي كتبه بنفْسه، وبِنَفَسِهِ الفكري العميق وأسلوبه العربي البلاغي الأخاذ والرائع».
وبلغة فلسفية قارئة في متن خطاب المهدي، وعبد الله إبراهيم، يعتبر سبيلا، أن هذه النفحة النقدية التحليلية لكل من الرجلين، بمثابة حدث، كأنما تعبر عن رد فعل قوي تجاه مجتمع مشدود إلى الوراء بالقوة، ظل المغرب، تبعا لها، أسير انعزالية واستقلالية، وهو ما قوى تثاقلات التقليد في المجتمع، وجعل كل محاولة للإفلات من قيوده أمرا عسيرا. وربما، كان إحساس هذه النخبة المغربية العصرية، بهذه الرتابة والتباطؤ، هو الذي هيأ انفتاحها القوي بعد حوالي سنتين من الاستقلال، وكأنه وعي تاريخي مضاد، عكسته لحظة المهدي، وطفرة الاتحاد الوطني، وراديكالية عبد الله إبراهيم، وآخرين، وكذلك الانبثاقات المتتالية لليسار، وكلها مؤشرات على ما يمكن أن نسميه، آلام المخاض، والولادة العسيرة للمغرب الحديث.
ظاهرة اختفاء
الوعي التاريخي
من بين الأسئلة التي تطرح نفسها اليوم بحدة يقول المفكر المغربي، هو سؤال اختفاء الوعي التاريخي، واختفاء الفاعل التاريخي، ما هي مظاهر المعاناة بالنسبة لحزب قادته تحولات عميقة وعنيفة، وصراعات قاتلة ومخاضات التفاعل بين حزب عقائدي، وصورة حزب براغماتي؟.
إذا كان الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، يضيف، قد نشأ في السنوات الأولى للاستقلال، كحدث مؤسس لليسار، وكثورة سياسية، وثقافة متميزة، ألهمت وأطرت الأجيال التي نشأت وترعرعت فيه، والتي لمسها بعمق ذلك الشفق السحري وبريقه، فهل يتعلق الأمر بخدعة تاريخية بشكل من الأشكال، أم أن هذا الاتحاد، وسم تاريخ المغرب الحديث ووهبه أفضل رجالاته، المهدي، عبد الله ابراهيم، عبد الرحيم بوعبيد، عمر بنجلون، نوبير الأموي وعيرهم، كما وهبه شخصيات من صنف آخر؟
ويضع الأستاذ سبيلا، في هذا السياق، سؤالا استراتيجيا بحمولة فكرية ونقدية قوية، عن «سر هذه الظاهرة» التي يجب من وجهة نظره «أن تكون لنا الجرأة الفكرية على تسميتها باسمها، وهل بإمكاننا التسلح بالجرأة الفكرية لتجاوز الخطابات التمجيدية للذات التي دأبت عليها السرديات الحزبية المغربية، ومذكرات شخصيات سياسية».
إن غياب النقد بالمعنى التحليلي، هو ما جعلنا يقول سبيلا « لم نفكر بعدُ في ما يجب التفكير فيه»، لأسباب تعود من منظوره الفكري، «إما لبنيتنا التنظيمية»، أو «لأسباب تتعلق بالخوف، من إثارة، وتأجيج الخلافات»، و»بالرغبة في عدم إثارة حراس الولاء، والوصايا الأيديولوجية الذين يخشون النقد الذاتي، ويعتبرونه درجة من درجات الانتحار السياسي».
وفي ما يخص محاولة تشخيص ظاهرة الضمور التاريخي، فإن الأستاذ سبيلا، يفترض بخصوصها ثلاثة عوامل يعتبرها متداخلة ومتفاعلة، أولها: عامل داخلي خارجي، يتمثل في القسوة والعنف الذي عاملت به السلطة الظاهرة الاتحادية. ثانيها، الصراعات والتباينات لوجهات النظر داخل حزب الاتحاد الوطني. ثالثها، يتمثل في سقوط جدار برلين، أو ما أسماه، «نهاية المعسكر الاشتراكي».
العروي، المدرسة الفلسفية المغربية، الأفق العضوي لليسار
أثنى الأستاذ سبيلا في عرضه الفكري، على الدور الريادي الذي لعبته المدرسة الفلسفية المغربية، في باب الحداثة الفكرية، لأن التيمة، أو الموضوع الأساسي لها ظل، يقول «إلى الآن، وسيظل ، وسيبقى هو مسألة الحداثة والتحديث، لا بمعناها المجرد، بل أكثر، في منظورها الفكري والفلسفي، بل أيضا في موضوعها السوسيولوجي والواقعي»، ويَعتبِر صاحب «أطروحة اليسار والحداثة»، انسجاما مع هذا الطرح، عبد الله العروي، الذي وصفه، بعميد الفكر العربي الحديث، ووليد الحركة الاتحادية، أعماله في الثقافة المغربية، والثقافة العربية عامة، «هي إسهام أساسي، وله الريادة والسبق الفكري في التأصيل للفكر الحداثي المغربي والعربي على قدر سواء».
وختم رجل الفلسفة وأحد علاماتها المضيئة في الفكر المغربي والعربي، درسه الافتتاحي لأكاديمية المهدي، بالقول: «أعتبر أن الدرس الكبير الذي يمكن أن يتمثله اليسار، عبر تراثه المحلي والكوني، إذا ما أراد أن يكون، أو يظل مرتبطا بالحداثة والتحديث كأفق عضوي وفكري لليسار. وإذا ما أراد أن يحقق حلمه التاريخي الذي ازدهر في فترة من الفترات، هذا الحلم، هو الانتشال التاريخي لمجتمع لا تود له نخبه التحديثية، أن يظل عالة على العالم الحديث، وألا تظل هذه المجتمعات، بمثابة مجموعات بشرية مستوردة مؤقتا، أو مستعارة من عصور سابقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.