محمد سبيلا: الحديث عن ما بعد الحداثة نقص في الوعي التاريخي، وارتداد على مكتسبات الحداثة اعتبر الأستاذ محمد الشيخ، في لقاء حول «المدرسة الفلسفية المغربية ومسألة الحداثة» نظم بالفضاء الثقافي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل يوم الجمعة 30 مارس ، واستضاف المفكر والفيلسوف الأستاذ محمد سبيلا، أن المدرسة الفلسفية المغربية تعتبر رائدة على مستوى العالم العربي مقارنة بباقي المدارس الفلسفية التي أنتجت عشرين مذهبا ، وساق للتدليل على ذلك حداثة سبيلا وشخصانية محمد عزيز الحبابي وتاريخانية العروي وتداولية طه عبد الرحمان وعقلانية مع عابد الجابري…. وحدد الشيخ النقاط المشتركة لحداثية سبيلا مع الفلسفات الأخرى، حاصرا إياها في محاولة تشخيص الوضع العربي المأزوم واقتراح بدائل، مع اختلافها عنها في كونها لا تطلق على نفسها تسمية بعينها، مضيفا أن فلسفة سبيلا لا تتحدث بخلاف المدارس الفلسفية العربية عن كونها خادمة لمذهب معين، بل إنه يتحدث باسمه وليس باسم فلسفة معينة. واعتبر الشيخ أن أهم ما يميز فلسفة سبيلا هو كونها فلسفة اعتراف بالدرجة الأولى، فهو بعكس فلاسفة آخرين لا يبخس أو ينتقص أفكار غيره محاولا هدمها أو وصفها بأنها فلسفات أدبية شاعرية تجنح في الخيال، فسبيلا دائم الاعتراف والاحترام لكل الفلسفات الاخرى ، غير متحامل على أي مذهب فلسفي، مؤكدا أن هذا من أخلاقيات الفيلسوف الباحث. وشدد محمد الشيخ على أن حداثة سبيلا ليست دعوة الى حداثة عقدية لأنه يعترف بأن التقليد متمكن من المجتمع مهما بلغت جاذبية الحداثة، كما أنه يؤمن بجدلية التقليد والحداثة ما يمكن اعتباره نزعة وسطية تسم حداثية سبيلا، مضيفا أن من ضمن مظاهر ريادية المدرسة الفلسفية المغربية كون خمسة مذاهب فلسفية ضمن الفلسفات العربية هي لمفكرين مغاربة ما يعتبره سبيلا دليلا على النزعة الابتكارية للمدرسة الفلسفية المغربية. من جهته انطلق الأستاذ محمد سبيلا في مقاربته للسؤال الفلسفي بالمغربي ومسألة الحداثة من التساؤل عن مدى مشروعية الحديث عن مدرسة فلسفية مغربية، حيث أنه الى حدود الستينات كنا نعيش عالة على الشرق في مجال الثقافة ، بدءا من الكتب المدرسية الى استيراد الأساتذة، متسائلا عن كيفية الانتقال من وضعية التبعية الى الإنتاج وتأسيس مدرسة فلسفية متميزة . وحدد سبيلا بدايات التفكير الفلسفي المغربي مع نشوء الجامعة المغربية بعد الاستقلال، إذ بدأت تتبلور إنتاجات مغربية في الثقافة وفي العلوم الإنسانية وبدأ يتبلور فكر مغربي يتسم بنوع من العقلانية ، وبقدر من الحس النقدي لا مثيل له في الشرق، إذ أن نشوء الجامعة شكل ركيزة لتبلور ثقافة حداثية في جميع المجالات، مضيفا أن نشأة الفكر الحداثي التقدمي ارتبطت بتاريخ المغرب الحديث والصراعات التي ظهرت في السنوات الأولى للاستقلال وخاصة بعد انقسام الحركة الوطنية (تقليدية / تقدمية) وهو الانقسام الذي كان بمثابة دفعة تاريخية مازالت نتائجها الى الآن. وذكر سبيلا وهو يقدم السياق التاريخي لنشأة المدرسة الفلسفية المغربية بأن الحركة التقدمية دخلت في صراع قوي مع الدولة والقوى ذات النزعة التقليدانية، كما أن الانفصال بين قوى الحداثة والتقليد شكل حدثا تأسيسيا حدث معه انفصال ثقافي أسس لفكر عقلاني حداثي تقدمي بالمغرب، مع ما صاحب تلك الفترة من سيادة الحركة التقدمية التحررية والمد الاشتراكي في العالم العربي منذ الأربعينات فتبلورت معه مجموعة من الأفكار الاشتراكية. وأضاف سبيلا أن هذا الصراع في المغرب بين القوى التقدمية والتقليدية ومع الدولة بلغ أشده عندما انتقل من الاحتجاج الشعبي العام الى المؤسسات العميقة للدولة فحصل الاتفاق على خطة جديدة بين طرفي الصراع أطلق عليها حينها «خطة المغرب الجديد»، وتقضي بإعادة إطلاق حركة التحرر الوطني وإطلاق المسلسل الديمقراطي إلا أن المشكل الثقافي بقي مطروحا، إذ ظلت الجامعة هي المؤسسة التي تفرخ اليسار فتم لحظتها الاتفاق على تكوين هيئة استشارية للسلطة تكونت من الأساتذة المشارقة الأصوليين للحد من امتداد اليسار بالجامعة المغربية وكان من نتائجها إيقاف تدريس مؤلفات الجابري بالثانوي ، تغيير مقرر الفلسفة، إنشاء شعبة الدراسات الإسلامية وكل ذلك لتقزيم الفكر النقدي وتجفيف منابع اليسار، ما يؤكد أن القرار كان قرارا سياسيا بالدرجة الأولى، وفي هذه الفترة وجدت الفلسفة، يضيف سبيلا، نفسها داخل الصراع بل طرفا أساسيا فيه. وتوقف سبيلا مطولا عند العلامات الفارقة التي تشكلت منها عناصر المدرسة الفلسفية المغربية كالعروي، الجابري، الخطيبي ثم الجيل الثاني الذي بلور فلسفة حداثية مغربية بدأت تتميز بنوع من العقلانية والارتباط الحي بالتاريخ والصراع ما جعلها مدرسة فلسفية متميزة في العالم العربي رغم ريادة المدرسة الفلسفية التونسية التي استفادت من مباركة الدولة خاصة في الفترة البورقيبية، إذ تبقى المدرسة الحداثية المغربية الوحيدة التي نشأت بتلقائية وعفوية وبجهود شخصية. واعتبر سبيلا أننا دخلنا أولى عتبات الحداثة منذ توقيع معاهدة الحماية، لكننا كمجتمع متخلف انتصبت أمامنا عدة مقاومات، معتبرا أن المناداة بالحداثة هي دعوة الى فهمها أولا، وهو أول مستويات انخراطنا في الحداثة بديناميتها وحتمياتها وإكراهاتها، مؤكدا أن المطلوب اليوم هو التدبير الأمثل للصراع بين التقليد والحداثة ومحاولة التكييف بين الأساس القديم للنظام والأسس الجديدة للدولة. واستغرب سبيلا الحديث عما بعد الحداثة من بعض المفكرين،معتبرا أن الحديث عنها وإن كان مشروعا في الغرب، فإننا في العالم العربي والمغرب خصوصا لم نعش الحداثة بعد فكيف ندعو الى ما بعدها والى اللاعقلانية، مضيفا أن ما بعد الحداثة لا يعني القطع مع الحداثة وتجاوزها لأن الانطلاق منها يعني أنها تجب ما قبلها وعندما تعمق ديناميتها وقدرتها النقدية، فلا يعني ذلك الخروج منها بل مساءلتها لذاتها ليس في أفق ارتدادي بل تجديدي. وتوقف سبيلا عند المفكر عبد الله العروي، معتبرا أنه رائد الفلسفة الحداثية بالمغرب وأنه مدرسة حداثية، تحليلا ودعوة، من خلال دعوته الى إعادة النظر في علاقتنا بالتراث والماضي ودعوته الى المراجعة النقدية للماضي وللذات، مشيرا الى أنه لا يصح القول بانفصال الفلسفة عن الواقع لأن الاهتمام بالحداثة هو اهتمام بالواقع في معطياته وتحولاته. وأثار سبيلا علاقة العروي بالفلسفة المتوترة، مرجئا السبب الى تاريخانيته التي يعتبرها مذهبه الفكري باعتبارها منطق تاريخ يعي نفسه ، وأن التاريخ من صنع البشر وصراعاته وليس من صنع معطيات أو إملاءات خارجية، وأنه المحدد الأساسي لكل النشاطات البشرية، لذا ظلت تاريخانية العروي، يقول سبيلا، يكتنفها نوع من الضبابية والالتباس لأنها فيها جوانب منهجية منها: 1 – إيجابية الحدث التاريخي-2 – تسلسل الأحداث 3 – البشر صانع التاريخ، ثم جوانب مذهبية ومنها حتمية المراحل التاريخية والغائية واعتبر سبيلا أن العروي من بين كل المشتغلين بالحداثة، له نظرة شاملة حول الحداثة، بمعنى أنه قدم تعريفات للحداثة والتحديث وسماتها الفكرية وآلياتها وكيفية اشتغال ميكانيزماتها ومستوياتها والقوى الفاعلة فيها، بالإضافة إلى علاقة الحداثة بالتقليد والحداثة والدين ثم عوائق الحداثة، مضيفا ان العروي يعتبر أن الحداثة فكر الحرية والإعمال الأقصى للعقل في إطار الدولة الحديثة كنظام عقلاني مستند إلى المشروعية التمثيلية ، وتوقف سبيلا عند موقف العروي من الليبرالية التي يعتبرها عتبة الحداثة من حيث أنها تعبر عن منطق العصر، بالإضافة الى تعريفه للحداثة التي ليست حداثة جاهزة نهائية بل هي تحديث مستمر وهي سيرورة كونية لديها وسائلها لتنتشر في كل الفضاءات الجغرافية والثقافية، لذا لا ينبغي العوم ضد تيارها، إذ يعتبرها العروي قدرا تاريخيا وقوة لا فكاك منها، لكن رغم قوتها وعنفها فإنها تصادف الكثير من أشكال المقاومة الواعية والعفوية، وأول عائق هو وعي التقليد بذاته وتحايله على الحداثة، فهذا التقليد واع بذاته وأهدافه مقدما كنموذج على ذلك أحزاب الإسلام السياسي باعتبارها أقوى العوائق لأن له نفسا تاريخيا طويلا، بالإضافة الى العوائق المؤسسية التي تكبل الفرد كالبنية الأسرية التقليدية بماهي ركائز اجتماعية تعيد إنتاج بنياتها ثم العوائق الفكرية والمنهجية المتمثلة في رفض العلم والتشكيك في أحكامه. وهذه العوائق مجتمعة حسب العروي، تترصد الحداثة باعتبارها تفرز وعيا قويا يقاوم كل جديد. واعتبر سبيلا أننا مازلنا في بداية الانخراط في الحداثة ولم نصل بعد الى مرحلة بعد الحداثة، كما أن ما يحيط بنا من معطيات الواقع يشير الى أننا نعيش ما قبل الحداثة وأن المناداة بما بعد الحداثة هو نقص في الوعي التاريخي، وارتداد على مكتسبات الحداثة وهدم ما تحقق منها، فالحداثة تتطلب الخروج الى المواجهة الفكرية.