عرفت منظمة الصحة العالمية سنة 1983، التربية الصحية كمجموعة من الأنشطة الإعلامية والتربوية المتداخلة فيما بينها والتي من شانها أن تؤدي إلى حالة يرغب فيها الأشخاص العيش بصحة جيدة، معرفة كيفية بلوغ هذا الهدف، مع العمل كل ما في وسعهم بشكل فردي وجماعي من اجل الحفاظ عليها والبحث عن يد المعونة عند الحاجة إليها. لكن التعريف أكثر دقة ووضوحا لهذا المفهوم هو الذي أتى به الثنائي كوستاولوبيز: ” عملية مخطط لها وفق منهجية محددة في التواصل والتعليم والتعلم الهادف إلى تيسير اكتساب واختيار عن علم، للممارسات الصحية مع الحفاظ عليها بشكل طوعي والعمل على الابتعاد عن كل ما من شانه أن يشكل خطورة على الصحة”. ونظرا للأهمية البالغة التي تكتسيها التربية الصحية ولدورها الوقائي،فإنها قد حظيت بعناية خاصة من طرف المشرع الدستوري لبعض الدول كما هو الشأن بالنسبة للدستور الإسباني لسنة 1978الذي ينص في الفقرة الثالثة من المادة 43 على ما يلي: ” تشجع السلطات العمومية التربية الصحية والتربية البدنية والرياضة،”. وهكذا نجد أن الوقاية تبقى الوسيلة الأكثر فعالية في محاربة الأمراض، وبالتالي فإن أهداف التربية الصحية تتجه بالأساس نحوي الوقاية. فما هو الدور الذي يمكن أن يضطلع به الصيدلاني في مجال التربية الصحية؟ يمكن للصيدليات أن تلعب دورا أساسيا في هذا المجال، فالصيدلاني باعتباره أحد مهني الصحة تظل مسؤوليته قائمة كمربي صحي داخل الجماعة التي ينتمي إليها.إضافة إلى كونه أحد المهنيين الذين يتلقون عددا كبيرا من الاستشارات المتعلقة بمواضيع صحية وهذا يرجع بالأساس إلى سهولة الولوج إليه والحديث معه (دون طول انتظار ودون موعد مسبق) وكذلك إلى مكانته المتميزة داخل المجتمع بحكم مصداقيته والثقة التي يحظى بها من طرف هذا الأخير.وفي هذا السياق خصص المشرع المغربي المادة 29 من قانون 04/17بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة لتعريف مفهوم صرف الأدوية، مبرزا أهمية عمل الصيدلاني كمرشد ومربي في نطاق الصحة العامة. حيث نصت هذه المادة على ما يلي:”يراد بالصرف في مدلول هذا القانون العمل الصيدلي الذي يكمن في: – تسليم دواء أو منتوج صيدلي غير دوائي مع تحليل الوصفة الطبية أو الطلبية المتعلقة بهما ؛ – وضع المعلومات الضرورية رهن إشارة العموم حول حسن استعمال الأدوية والمواد الصيدلية وكذا الأعمال المرتبطة بالنصائح الوقائية والتربية الصحية ؛ – النصح باستعمال دواء لا يكون تسليمه مقيدا بحكم القانون بضرورة الإدلاء بوصفة طبية. ” كما تجدر الإشارة إلى أن دور الصيدلاني كمربي صحي لا يجب أن ينحصر فقط في مجال التداوي. فالصيدليات يمكن استعمالها ك «نوافذ صحية». وللقيام بهذه المهمة يمكن للصيدلي أن يضطلع بها بشكل منفرد،لكنه يبقى من الأفضل أن يعمل بتنسيق مع كل الأطراف المتدخلة في مجال الرعاية الصحية الأولية، وذلك لأن التربية الصحية وكما عرفها كوستاولوبيز هي عملية مخطط لها وفق منهجية محددة. وهكذا فان الصيدلاني بحكم تكوينه وقربه من المواطنين،يمكنه بل من واجبه أن يكون عنصرا فعالا وأساسيا في مجال التربية الصحية. خاصة إذا نظرنا إلى عدد الصيدليات بالمغرب الذي قد أصبح يقارب 12000 صيدلية موزعة عبر تراب المملكة والتي تستقبل يوميا ما يقرب من مليون ونصف زائر. ولهذا فان استغلال فضاء الصيدليات من اجل نشر وتعميم ثقافة صحية بين المواطنين من شانه ان يساهم في خدمة الصحة العامة ببلادنا. وحري بالذكر كذلك أن الصيدلية كمؤسسة صحية بالمغرب لا يتم استغلالها بالشكل المناسب أثناء الحملات التحسيسية وفي مجال التربية الصحية. من يتحمل المسؤولية في هذا التقصير؟ إن المسؤولية بالأساس تقع على عاتق الوزارة الوصية، لكن الهيئات والنقابات والجمعيات المهنية تتحمل أيضا جزءا من هذه المسؤولية بتفاوت طبعا، بل الصيادلة أنفسهم هم مسؤولون ولو جزئيا نظرا للفراغ الحاصل في تكوينهم على مستوى التواصل، حيث إنهم لم يتلقوا تكوينا يتماشى مع الواقع السوسيو اقتصادي والسوسيو اجتماعي المغربي. وانطلاقا من كل ما سبق ذكره، فإن تكوين المهنيين في هذا المجال يعد أمرا ضروريا، كما أن خلق قنوات للتواصل والتنسيق مع كافة الأطراف المتدخلة في مجال التربية الصحية للمواطنين قد أصبح يفرض نفسه بإلحاح. كل هذا من أجل وضع اللبنات الأولى لتشييد نموذج للممارسة المهنية ملائم للواقع المغربي يندرج ضمن المفهوم الجديد لممارسة الصيدلة الذي يطلق عليه اسم العناية الصيدلانية (Pharmaceutical Care) والذي يدمج العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية في مجال الممارسة المهنية لمهنة الصيدلة. * M.ª Elena Lavado Núñez, Joaquín Herrera carranza “Educación para la salud”, enAtención Farmacéutica en Geriatría, dir. Joaquín Herrera carranza y Juan Carlos Montero Torrejón, Elsevier, Madrid, 2005, pp.101-110. * ظهير شريف رقم 151-06-1 صادرفي 30 من شوال 1427 (22 نوفمبر 2006) بتنفيذ القانون رقم 04-17 بمثابة مدونة الأدوية والصيدلة.ج:ر رقم 5480 الصادرة يوم الخميس 7 دجنبر 2006.