ظلّ العرب يعتقدون أنّ فضيلة الشعر مقصورةٌ عليهم حتى جاءت الترجمة، فاكتشفوا أن الشعر مُمكنٌ أيضاً في لغات الآخرين. فكيف خرجت القصيدة العربية من دائرة الأغراض لتنشغل بسؤال الذات وخبايا الوجود؟ ماذا عن دور الترجمة في خلق هذا التحوّل؟ وهل كان التحديث الشعري ممكناً أصلاً لولا الترجمة؟ لكن أليست الترجمة، وفسادُها أحيانا، ما زجّ بالشعر العربي في متاهة المصطلحات؟ هكذا ما إن تحرّرت القصيدة الحديثة من رِبْقة الوزن حتى وجدت نفسها في دوامة التصنيف الأجناسي: فما بين الشعر المنثور والنثر الشعري، الشعر الحرّ والنّظم المُرسَل وقصيدة النثر، تعددت المصطلحات وتباينت الترجمات وساد الخلط والغموض. فكيف تجاوز الشعر العربي الحديث هذا المأزق؟ وكيف انتصرت حرية الكتابة لينخرط شعرنا الحديث في أفقٍ استكشافي يؤسس لكتابة جديدة تعصف بالحدود الجغرافية للأجناس الشعرية والأدبية؟ وكيف تعالت "تجربة الكتابة"، كما قعّد لها أدونيس، على هذه التصنيفات؟ وكيف فتحَت الشعر العربي على التفاعل مع التشكيل والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون؟ من جهة أخرى، كيف تفاعل الشعر العربي مع النصوص المقدسة؟ لماذا وصف عرب الجاهلية النثر القرآني بالشعر بعدما سحرهم بيانُه وأدهشهم إيقاعُه وتناغُم تفاعيله، مما جعل القرآن يُصِرّ وفي أكثر من آية على دفع تهمة الشعر عن النبي الكريم: (وما علّمناه الشعر، وما ينبغي له. إن هو إلّا ذكرٌ وقرآنٌ مبين)، (وما هو بقول شاعر، قليلا ما تؤمنون). لماذا حصل هذا الالتباس؟ ثم ماذا عن تأثير أسلوب الكتاب المقدس وكذا الترانيم والتراتيل البروتسانتية على عدد من رواد التحديث الشعري كجبران ومطران وميخائيل نعيمة حتى رائدي قصيدة النثر يوسف الخال وأنسي الحاج؟ هذه الأسئلة يطرحها ياسين عدنان في حلقة هذا الأسبوع من مشارف على ناقدة مغربية حاولت رصد تحوّلات القصيدة العربية من خلال كتابين أساسيين: (الشعر المنثور والتحديث الشعري)، ثم (الكتابة والأجناس: شعرية الانفتاح في الشعر العربي الحديث). إنها أستاذة الشعر الحديث والأدب المقارن بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط الدكتورة حورية الخمليشي. موعد المشاهدين مع هذه الحلقة من مشارف مساء يومه الأربعاء 11 فبراير على الساعة العاشرة ليلاً على شاشة قناة "الأولى».