منذ إنشائه سنة 1962 هو يراكم الخيبات تلو الخيبات، وإذا كانت مرحلة البدايات الأولى شفيعا ومبررا لطيفا لترصيد الانتكاسات، فإن توالي السنوات والعقود أكدت بالملموس خواء الرجل وضحالته وسطحيته ونتيجة لهذا الخواء الكبير، يتأثث فضاء التواصل الاجتماعي اليوم بعدد كبير من الفقاعات الناجمة عن تلك الخيبة الكبيرة. فالتلفزيون الذي جاء ليخبر ويرفه ويثقف عن نفوس مواطنين يعانون ويلات التدبيرالسيء لشؤونهم، وجد نفسه في نهاية المطاف وبعد 60 سنة من البث عاجزا عن تقديم الحد الأدنى من هذه الخدمة، وهو اليوم يرفل في أسمى درجات البؤس الثقافي والفني والمعرفي.. ورغم توفر البلد على أسماء وتجارب رائدة في جميع مجالات الإبداع البشري، إلا أن هذا الأخير بفعل جشعه وخواء مدبريه وضيق أفقه، لم يستطع التقاط سوى مغنيي الأعراس، وملاكي الحفلات والتريتورات، ومتعهدي الملاهي الليلية، وتتويجهم في ساعات الذروة، يحدث ذلك، رغم توفر التلفزيون على السيولة اللازمة التي يتم اقتطاعها دون وجه حق من جيوب المواطنين.. اليوم لا نمتلك سوىأن نضع أيدينا على قلوبنا، ونحن نرى المغرب ذي التاريخ والحضارة، يجني تمار خيبات تلفزته، وذلك بتفريخ جيل ضبع، يصفق حتى النهاية، ويفشل في حلحلة أبسط وضعية مشكلة امامه. جيل انعمس واعتكف وتخصص في تفريخ منصات وقنوات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، تعيد إنتاج نفس البؤس التلفزيوني، ونفس الألم، ونفس الضحالة، ونفس الخواء بنفس مريع ومريب.. قنوات كالفطر تنبتهنا وهناك، فيديوهات تافهة سخيفة لا مضمون لها، تسوقها كوادر ومستشارات وأطر، ومصلحون اجتماعيون وطباخو آخر زمن، وجوه بلا رصيد جاءت لتعلم الناس كيف يعجنون الخبز وكيف يصنعون الشا، وكيف يجعلون صحونهم تشرق بدل عقولهم. أشباح بلا رصيد وبلا خط تحريري، همهم الدرهم ولا شيء غير الدرهم أصوات وجدت للنباح وتخصصت فيه، ورسخته مسارا ومستقبلا مهنيا مذرا للدخل. ها هو فضاء التواصل الاجتماعي ينغل بالروتين اليومي الذيأشبعه التلفزيون المغربي لمشاهديه عبر برامجه ووصلاته الإشهارية الفارغة من كل إبداع على مدى ستة عقود.. ها هي السوشيال ميديا اليوم ينغل بتلاوين ومشاهد وفضائح وفانطازمات وكوابيس لا طعم لها ولا لون، فقط لها رائحة. اليوم يقطف المجتمع المغربي ثمار تربية نهلها بإخلاص وبلا قواعد، تربية رسخت الملل والعجز والفراغ العلمي والمعرفي، وأسست بنجاح ساحق نموذجا صارخا للبلاهة والسفالة وقلة الذوق جسده مشاهد جامد فاقد لكل إحساس نبيل وجميل. ورغم ما كتب حول هذا الصندوق البليد، إلا أنه ظل وفيا وبشكل كاثوليكي لمبدئه الراسخ في تأصيل التفاهة وترسيخ قيمها على مر العقود دون رادع ولا وازع. وحتى عندما أراد أن يطير ويحلق بعيدا، لم يجد بدا من ترديد لا زمته المشروخة على قناة تدعى Mbc5وصار كالببغاء كل ثانية يلوك (قوتنا وحدة) حد القرف والاشمئزاز، أبحث عن هذه القوة ال(وحدة )من المحيط إلى الخليج، فلا أجد لها أثرا سوى على أسرة وفيلات وملاهي روتانا. مع الميوعة الشديدة والتفاهة حد الإيلام التي انحدر إليها اليوتوب المغربي، كأثر بليغ لبلادة منتوج تلفزته، قريبا زفت إحداهن للجمهور بتهور مدروس انها بصدد أعداد سلسلة فيديوهات تشرح فيها للمغاربة بلغتهم الدارجة وبشعبوية ساقطة كيف تلبس الفتيات 12إلى18سنة حمالات الصدر في حلقات ! !! وقد تتجرأ مادامت الأبواب مترعة على الفراغ ودون أن تكشف عن هويتها وملامحها وتتحدث عن اللحظات الأولى التي تسبق اللقاء بين الجنسين. افترض جازما أن المغرب بسكانه ال40 مليون سيشاهد هذا العته، وستكون المادة الخبر الأول لكل المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي والمنتديات الشعبية المفتوحة!! وسيقيم البنك حفلا سنويا لها كأفضل زبونة!! أما لو أراد القدر أن يسخر من جنس العرب ويقلل من أهمية تاريخهم وحضارتهم، فإنك ستجد فيديوهات ثقافية ومعرفية تتناول في حلقات كيفية تعليم الأبناء من سن 4إلى6 مبادئ مادة الرياضيات أو حصصا مبسطة للنطق باللغة العربية في خمسة أيام دون معلم، وقبل التحاقه بالمدرسة! أو كيف تحضرين سيدتي فطورا متوازنا لطفلك أو كيف تهيئين محفظته متلازمة مع منهاجه الدراسي؟؟ فهذه لا يقترب منها أحد وحتى لو جدت، فسوف لن يلتفت اليها أحد…. إنه مغرب التفاهة إلى أين؟؟؟؟ ياساتر ؟؟ لقد تأكد بما لا يدعو مجالا للشك أن المجال الوحيد الذي يبدع فيه العرب بسخاء وانسيابية ملحوظة هو الغناء.انظر ماذا حققته دنيا باطمة وراجع مداخيل سعد لمجرد وقارنه بما يكسبه أديب أو مفكر أو أستاذ جامعي !!تصفح الركن الثقافي لأي عدد من مجلة أو جريدة عربية خليجية !! شاهد فضائيات العرب من المحيط إلى الخليج، حتما ستكتشف أن كواليس التحضير لألبوم غنائي لأحد الفنانين المغمورين أو خريجي مسابقات الكائنات الشبابية المملوكة للفضائيات غير النظيفة يشكلا حدثا !! كاتب المقال أو مذيعه سيعتبر ذلك فتحا مبينا، وحدثا يشبه الزلزال الذي سيغير مجرى التاريخ. وكنتيجة لهذه السياسة 90 بالمائة من البرامج التي تنتجها الفضائيات العربية وتروج لها على نطاق واسع منذورة للغناء.اليوم أنجح البرامج التجارية عربيا على الفضائيات متخصصة في الغناء. تكلفةً أغنية رومانسية واحدة على سرير أو داخل سيارة في استوديو دبي أو لبنان يعادل بناء وحدتين مدرسيتين في وسط قروي وتساوي مبيعات 24 إصدارا للدكتور القاص والناقد جمال بوطيب.. وعلى المستوى العربي، تخصص بعض رجالات الخليج النفط لكتابة الشعر الغنائي للجميلات فقط. وليس من الغريب اكتشاف دول عربية باتت معروفها بفنانيها وليس بعلمائها ومفكريها. دول عربية في حالة دمار شامل، تتوهم أن أغنية على قناة سافلة ستعيد للأمة مجدها وتسترد الاعتبار لشعبها.. وإذا كان أول ما يشاهده العربي على الانترنيت أغنية، وإذا كان جهاز»الكيت»الذي يؤثث آذن عموم تلاميذ المدرسة المغربية للاستماع للموسيقى فقط وليس المحاضرات او السجالات الأدبية او الأبحاث العلمية فمعنى ذلك أن الغناء والرقص بات أولوية مجتمعية، ومقتضى استراتيجي للتنمية المستدامة، إنه اقوى المؤشرات على كسل مرضي يقود أمة بكاملها نحو الانحدار الرجيم. وإذا ما تأكد رسميا قرب شن مكتب الصرف ومديرية الضرائب يناير الجاري حملة ميدانية ضد تجار اليوتوب الذين نمت مداخيلهم بشكل خرافي وبالعملة الصعبة دون أن تستفيد خزينة الدولة، ولا يؤدون ضرائب، فإن هذا الخيار يظل محدود النتائج، لأنه سيركز فقط على حجم المداخيل التي ستكسبها خزينة الدولة بعيدا عن الاضرار المحدقة بمستقبل المغاربة ثقافة وتربية، ولا حاجة إلى التأكيد اليوم أن سوق اليوتوب بات مجالا للاستثمار خارج مراقبة الدولة، حيث يفوق المبلغ الشهري لأحد اليوتوبرزيون أجرة وزير في الحكومة، وأن العديد ممن يمتلكون منصات على اليوتوب، لا يجدون أدنى حرج في التصريح بأرباحهم الشهرية من خلال ما يقدمونه من محتويات وبالعملة الصعبة، بل ويفتخرون بذلك. معلوم أن فتح قناة على مواقع التواصل الاجتماعي لا يتطلب كفاءة ولا دبلوم، بل يعتمد على المبادرة بالأساس لتأتي الجرأة والسنطيحة والشعبوية وقليل من اللياقة وكرامة النفس أحيانا بعد ذلك. يحدث هذا في ظل الارتفاع الصاروخي للاستفادة من خدمات تكنولوجيا التواصل عند المغاربة ، حيث تحصد المقاولات المتخصصة والفاعلين الملايير من الدراهم كأرباح صافية، فيما يحصد المجتمع التفاهة بالملايير من الأطنان. فحسب الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، بالمغرب فإن عدد المشتركين في خدمة الإنترنت (الثابت والمتنقل)، بلغ بنهاية شتنبر 2019، حوالي 26.2 مليون .كما عرف الإنترنت المتنقل ما يفوق 24.5 مليون مشترك وفيما يخص الجيل الرابع، 4G فقد بلغ عدد المشتركين 13.4 مليونا، وبلغت حظيرة مشتركي الإنترنت FIBRE OBTIQUE بالألياف البصرية 105 آلاف مشترك. و بلغت حظيرة الADSL ما مجموعه 1.46 مليون مشترك مع نهاية شتنبر 2019 ، و1.9 مليون مشترك بالنسبة لحظيرة الهاتف الثابت السلكي.أما فيما يخص حظيرة الهاتف المتنقل، فقد بلغت 47.5 مليون مشترك كما وصل الرواج الصادر لمكالمات الهاتف المتنقل إلى 14.7 مليار دقيقة، بارتفاع يقدر ب2.2 %، مقارنة مع الفترة نفسها من 2018. وسجلت مكالمات الهاتف الثابت انخفاضا ب14.8% مقارنة مع شتنبر 2018،