قال محمد بشير الراشدي «كلما تواترت التقارير الوطنية والدولية عن تفشي جرائم الفساد وعن تداعيات تكاليفها الباهظة وأثرها على أسس التنمية، كلما اتجهت الأنظار إلى السياسات المتبعة والجهود الوطنية المبذولة، وتم وضعها تحت المجهر والمساءلة والاستفسار عن حدود قدرتها على مواكبة هذه الجرائم وفعالية مواجهتها، وانطباعات الرأي العام من أحكام بقصور آليات المكافحة ومحدودية أثرها الوقائي والردعي. وأضاف محمد بشير الراشدي، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، في افتتاح المنتدى العربي حول «الاستراتيجيات الوطنية لمحاربة الفساد، مقاربة تشاركية، شاملة ومندمجة ومحفزة على انخراط أوسع وضامنة لتأثير أكبر»، يوم أمس بالرباط، أن عملية التقييم والمراجعة والتطوير المنتظم للسياسات الوطنية لمكافحة الفساد أضحت ضرورة حتمية لمواجهة هذه الظاهرة التي أصبحت أكثر تفشيا وتعقيدا، نتيجة ما يتيحه النمو التكنولوجي وتطور آلياته والشبكات المالية العالمية وتداخل مصالح وطرق عمل المفسدين. وتابع الراشدي، في هذا المنتدى الذي حضره رئيس الحكومة وممثل جامعة الدول العربية ووفود ممثلة للدول العربية والسفراء وهيئات ومنظمات المجتمع المدني، متحدثا عن خطورة هذه الظاهرة، حيث حصل إجماع دولي لدى جميع الفاعلين المؤسساتيين والمجتمعيين على أن الفساد اليوم يساهم في المس بقواعد الديمقراطية وفي تقويض سيادة القانون، وفي الحد من الولوج للموارد والتوزيع العادل للثروات، وتكريس الهشاشة الاجتماعية والمجالية. كما يؤدي إلى تدني منسوب ثقة المواطنين في المؤسسات والمس بالأمن والاستقرار. وفي ذات السياق شدد الراشدي على أن محاربة الفساد أصبح من أبرز أولويات الدول، عبر تقديم أجوبة عملية للمواطنين من خلال العمل على تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد وضمان الحريات، لاسيما في ظل سياق إقليمي ودولي، يتميز بوضع مطالب القضاء على الفساد والحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والمجالية الناجمة عنه، على رأس مطالب المواطنين. ولتسليط الضوء على مدى تغول ظاهرة الفساد، استعرض الراشدي بعض المعطيات التي تضمنتها تقارير دولية بشأن انتشار الفساد وتأثيره السلبي على المسار التنموي للدول بمختلف تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية والبيئية، حيث، في تقرير للبنك الدولي، يعود إلى أكثر من عشر سنوات مضت، قدر هذا الأخير كلفة الفساد عالميا بما يناهز 1000 مليار دولار في السنة، فيما أوضح تقرير اللجنة الاقتصادية لأجل إفريقيا التابعة للأمم المتحدة، يعود إلى نفس الفترة، بأن القارة الإفريقية تفقد ما يفوق 146 مليار دولار في السنة، أي ما يعادل أزيد من 6 %من ناتجها الداخلي الخام. وأكد الراشدي أن مبادئ النزاهة والحكامة تشكل مرتكزات جوهرية لا محيد عنها لإرساء نماذج تنموية قادرة على تسريع معدلات النمو، وإدماج كل القدرات الوطنية، وإرساء مبادئ المساواة والتضامن، وتحسين المستوى النوعي للمعيشة وضمان التماسك الاجتماعي والأمن والاستقرار. ويتيح هذا المنتدى، حسب المنظمين، الفرصة أمام المشاركين والممثلين عن الدول العربية، والمسؤولين الحكوميين والمؤسساتيين، والخبراء من المنظمات الدولية والإقليمية، والفاعلين المجتمعيين، والممثلين عن القطاع الخاص، لتقديم وتحليل التجارب الوطنية في مجال إعداد وتنفيذ وتقييم استراتيجيات مكافحة الفساد، واستخلاص العبر ومناقشة التحديات والإكراهات التي تواجهها، واستثمار الممارسات الفضلى على الصعيد الدولي، واستشراف سبل تجويد الآليات المعتمدة لتحقيق ذلك.