نظمت جمعية الحوار الديموقراطي ندوة فكرية في موضوع «ثقافة الكراهية» مساء الأربعاء الماضي بالمكتبة الوطنية بالرباط، بمشاركة كل من طالع السعود الأطلسي، رئيس الجمعية، وأمينة بوعياش نائبة رئيسة الفيدرالية الديموقراطية لحقوق الإنسا، والمحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، وثريا ماجدولين، عضو الجمعية، المكلفة بتسيير أشغال الندوة. جاءت هذه الندوة ضمن سلسلة أربعاء الفكر والإبداع، وهي سلسلة من الندوات تنظمها الجمعية لتبادل الآراء والأفكار حول قضايا راهنة. وقد أكدت مسيرة الجلسة أن هذه الندوة جاءت كضرورة للتنبيه إلى ضرورة الإسراع لنبذ التعصب والإقصاء والتهميش والكراهية، هي المشاعر البغيضة التي تقف وراء العديد من الأزمات التي تعرقل مسار الإنسان اليوم أينما كان. ودعت ثريا في كلمتها إلى ضرورة المشاركة في تأمين الاستقرار الاجتماعي، وتكريس المعرفة المتبادلة باعتبارها الحل الوحيد الذي يحول دون تحويل الكراهية إلى حب. وتساءل طالع السعود الأطلسي: هل الكراهية ثقافة؟ ويجيب أن منظمة اليونسكو خصصت دراسات وأبحاث لهذا الموضوع، ولكن نرى إلى كيف تمارس الكراهية اليوم عبر التعصب والتطرف، نجد أنها ممارسات ماقبل ثقافية. لأن الثقافة تنوير يساعد على معرفة الذات والآخر. وبالتالي يُفترض في الثقافة أن تنبذ الكراهية والتعصب. وأضاف الأطلسي أننا نستعمل المصطلح على سبيل التواطؤ ونقد «خطاب الكراهية». وأعطى أمثلة بممارسات الإبادة التي تمارسها الصهيونية الممثلة في دولة إسرائي ضد الفلسطينيين في غزة وغير غزة، وتلك الممارسات هي أكبر دليل على أن الكراهية تمارسها الدول والأفراد على حد سواء. وذكر الاطلسي بالجريمة الوحشية التي ارتكبت ضد الطيار الأردني الذي حرقته داعش وهو حي. وأضاف إن داعش هي اسم للكراهية. واعتبر المتدخل أن أخطر ما في ثقافة الكراهية هي تلك غير الظاهرة. وهي دائما، ظاهرة او مستترة، تنبع من ازدراء الآخر. فالجندي الإسرائيلي يقتل 2200 مواطنا في غزة ولا يشعر بالندم. ونفس الشيء ينطبق على داعش، هذا التنظيم الوحشي الذي يذبح ويصور جرائمه. وأشار أيضا إلى مذبحة شارلي «إبدو» الإرهابية، واعتبرها مظهرا أقصى للكراهية. وأكدت أمينة بوعياش ان الفاعل الحقوقي يؤرقه موضوع الكراهية، فيما بعض السياسيين يستفيدون منه. وتساءلت هل الكراهية فعل ملموس؟ وأجابت أنها فعل ملموس له أشكال عدة تتجسد في التعبير والممارسة والفعل. لكن، تضيف، كيف تتطرق المنظومة الدولية لموضوع حقوق الإنسان والكراهية؟ فالمبدأ المؤسس للنقاش حول الكراهية هي المادة 20 للعهد الدولي الخاص بحقوق الإنسان المدنية والسياسية. لكن مع ذلك هناك وجود لعناصر تحدد الكراهية لكن في غياب تحديد دولي محدد لثقافة الكراهية. وأشارت إلى الاجتهاد القضائي لمناهضة هذه الثقافة ضد الانتماء العرقي أو الاجتماعي أو اللغوي أو الاحتياجات الخاصة، أو اللون أو الدين. وأضافت إن المجال الديني هو مجال خاص بحيث لا يمكن منع شخص من إبداء رأيه في الأديان، وهذا ما لم يتم إثارته في أحداث «شارلي إيبدو». وتساءلت بوعياش: كيف تتم اليوم مواجهة ثقافة الكراهية؟ لتجيب أن هناك خمسة مستويات لهذه المواجهة، أولها مقاومة الكراهية بقوانين تُنص لمعاقبة مرتكبيها، وثانيها تحمل السلطات العمومية مسؤوليتها في ضمان حقوق الأفراد والجماعات. ثالثها الاستباق في وضع برامج تحسيسية والنهوض بحقوق الإنسان. رابعها مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت منبعا لصناعة الكراهية، وخامسها ضمان حق التعدد اللغوي والثقافي. وحماية مجال الإبداع الفني. وتدخل المحجوب الهيبة، المندوب الوزاري لحقوق الإنسان، وأكد أن ثقافة الكراهية هي قيمة من قيم الحقد والتمييز. وأشار إلى انه لا تخلو منطقة في العالم من القيم السلبية، فالكراهية حاضرة في كل مكان مهما كان مستوى التقدم الاقتصادي والاجتماعي. وتساءل: ما هي العوامل الميسرة اليوم للحقد الذي يسري في العالم؟ إنها ترجع إلى ما يزيد على ثلاثة عقود. وأجمل العوامل الميسرة إلى ستة عوامل. فهناك العولمة الجامحة التي تؤدي إلى تنميط المجتمعات وتراجع الثقافات وهيمنة اللغات. فهيمنة لغات مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية لها آثار سلبية على اللغات الأخرى، مما يؤدي إلى تنامي ردود فعل لمواجهة هذا التنميط وهذه الأحادية. و هناك أيضا تنامي الانغلاقات الهوياتية، خاصة منذ العقد الأخير إما باسم الدين أو باسم الانتماء القومي والعرقي. وهناك أيضا قضايا الهجرة، التي اعتبرت دائما جسرا للتبادل الثقافي والتعارف، ولكن منذ عقدين تقريبا أصبحت هناك انطواءات خاصة من طرف دول الشمال، مما أنتج ثقافة الحقد والتمييز. وذكر المندوب السامي لحقوق الإنسان أن الشاشة أيضا تؤدي إلى الانغلاقات الأخرى، والمخرج الوحيد منها هو التشجيع على القراءة. وذكر أيضا التغييرات البيئية التي أدت إلى التراجع في التنوع البيولوجي. والتدهور في هذا التنوع يؤدي إلى تنامي العنف والحقد وتراجع القيم النبيلة. هذا إلى جانب الإرهاب والتطرفات. فالإرهاب هو العدو الأول لحقول الإنسان وللحق في الحياة. وأشار السيد الهيبة إلى ظاهرة «المحاربون الأجانب» الذين يتم استقطابهم عن طريق التكنولوجيات الجديدة. ووقف عند خطة عمل الرباط التي تدعو إلى حث المنظمات غير الحكومية وكل هياكل المجتمع الأخرى على إنشاء آليات ووسائل للحوار من أحجل تسيير ودعم التفاهم الثقافي وتدريس وفهم الديانات. كما على الأحزاب، حسب الخطة ذاتها، الاعتماد على تطبيق أطر استرشادية خصوصا فيما يتعلق بممثليها.