إن من بدأ عظيما يبقى عظيما إن كل متأمل /قارئ للحقل السياسي في المغرب عبر صيرورته التاريخية، لابد أن يقف طويلا بكل هيبة وتقدير عند أسماء تكاد تكون أسطورية بما قدمته من تضحيات ٬وما عرفته من معاناة٬ وما مورس عليها من إرهاب مزدوج ( جسدي وفكري ) في سبيل مغرب حداثي مستقل وديمقراطي ٬ في سبيل مجتمع تحكمه العدالة الاجتماعية ٬ وفي سبيل وضع أسس دولة الحق والقانون…لا بد أن يستحضر رجالا وضعوا المصلحة العليا للبلاد فوق كل اعتبار…رجالا صنعوا تاريخ المغرب…رجالا وجهوا المغرب نحو الطريق الأنجع لتحقيق التنمية الشاملة ٬ وجهوه نحو الديمقراطية الحق ٬ الديمقراطية كمنهج وكهدف. و الكتابة عن الشهيد عمر، تكشف قصور اللغة عن الإحاطة بكل خصاله وطاقاته ونضالاته ٬ عن الإلمام بإسهاماته وإبداعاته وطموحاته ٬ عن الإمساك بديناميته وإشعاعه وممارسته…تكشف عجز اللغة عن استيعاب دلالات تضحياته ومعاناته وآلامه…عمر أوسع، وأغنى، وأعمقُ من اللغة . يتكلم اللغة ولاتتكلمه اللغة….هو لغة خاصة ٬ لغة الفعل لا لغة الكلمات ٬ مكتوبة بالدم لا بالحبر….. من هنا فإن كل من يحاول الإحاطة بالرجل في أبعاده الغنية، يتقزم أمام عظمة الشهيد ٬ وتبدو كتاباته وكأنها لعبة صبيان…ولكن يكفي أن أعلن أنك القائد ليسقط القناع عن المتهافتين، وأصحاب الزعامات الوهمية…أولئك الذين انتهزوا الفرص، فركبوا نضالك ونضال رفاقك ٬ الشهداء والأحياء… هنا الخلود فطوبى للداخلين ٬ هنا عمر…وهناك عمر…فتعال صل معه…والصلاة مع عمر تستوجب الطهارة الكبرى٬ الطهارة من الخيانة والانحراف ٬ من التهافت والانبطاح ٬ من الجبن والخوف ٬ من النفاق والارتزاق٬ من اليأس والاستسلام.. صنع التاريخ بسموه الأخلاقي ورفعته الانطولوجية ٬ أعطى للوجود دلالته ٬ وأضاف للزمن المغربي بعدا إنسانيا نضاليا…بل هو الوجود والزمن…بدون عمر الوجود عدم ٬ الزمان سكون٬ المكان فراغ ٬ الفضاء خواء٬ الفكر أجوف ٬ الواقع أعمى والتاريخ موضوع بدون ذات….بنضاله وتضحياته في سبيل الحرية والعدالة وكرامة وحقوق الإنسان ارتفع عن خسة الرعايا ليعانق شموخ العظماء. ناضل في سبيل إعادة الاعتبار للإنسان المغربي ٬ إرجاعه إنسانيته والسمو به إلى المواطنة. حارب الجري اللاهث وراء الثروة والانقياد لتيار المصالح الجارفة٬ تعالى عن الإغراءات، احتقر المناصب والمواقع … كان يروم خدمة الشعب لاخدمة مصالحه الشخصية. مستعد ليخسر كل شيء ٬ مستعد ليخسر وظيفته بل ليخسر حياته لكنه لايستطيع التنازل عن خدمة المشروع الديمقراطي. بعد عودته من باريس، والتحاقه بالمغرب، عين مديرا بالنيابة للبريد في الدارالبيضاء ٬ثم مديرا إقليميا في الرباط .وقد عرفه العمال وموظفو البريد مناضلا نقابيا بينهم ٬إذ قام بدور رئيسي في الإعداد لإضراب الموظفين في يوليوز سنة 1961 ثم في إضراب البريديين في ديسمبر من السنة نفسها.. إن اختيار عمر للنضال في صفوف القوات الشعبية اختيار مبدئي ٬ لاتقيده الوظيفة ولا يحجبه القمع ٬ اختيارا جعله يسبق سنه٬ يسبق زمانه ٬يسبق التاريخ…مناضل وهو تلميذ في ثانوية عمر بن عبد العزيز بمدينة وجدة ٬ مناضل وهو طالب ٬ بعد حصوله على القسم الثاني من البكالوريا في وجدة « التحق بباريس حيث تابع دراسته الجامعية فحصل على الليسانس في الحقوق ثم دبلوم الدراسات العليا في القانون العام ٬ وبعده دبلوم المدرسة العليا للبريد حيث نال الدرجة الأولى ضمن الفوج المتخرج سنة 1959-1960 . عرفه المغرب في باريس مدة إقامته بها مناضلا لا يفتر عن العمل . وقد أصبح مسؤولا حزبيا هناك عن الاتحاد الوطني لطلبة المغرب ٬ وقد كان عضوا عاملا في لجنته الإدارية الوطنية ٬ كما انتخب رئيسا لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا ٬ بقي رئيسا شرفيا لها ٬ مناضل قضى حياته في أحضان الشباب ٬ طالبا ومثقفا ومناضلا سياسيا . مناضل خدم العمال والفلاحين وقضاياهم، محاميا، وصحافيا ومناضلا ديمقراطيا . لقد كان مناضلا حاملا لهموم الشعب ٬ متألما لوضعيته مستحليا أسباب تردي أحواله ٬ مناضلا لبس معاناة الشعب بأكمله. مناضل وطني ٬ دافع باستماتة عن مغربية الصحراء ٬ ولكن وطنية عمر موشومة بالبعد المغاربي ٬ والقومي والأممي . ساند بقوة حرب التحرير الجزائري٬واعتبر القضية الفلسطينية قضية وطنية بل أم القضايا . ولخدمة هذه القضية أصدر وأشرف على جريدة ، خصصت كلها لقضية فلسطين ، كانت هي الصحيفة الأولى من هذا النوع ، في العالم العربي تصدر عن الفلسطينيين ، أسبوعية في خدمة القضية الفلسطينية، تتابع نشاط الشعب الفلسطيني، وتنشر دراسات حول القضية، وتفضح مناورات ومؤامرات الصهيونية والجهات المتعاونة معها موضوعيا وذاتيا ، عربيا وعالميا . وكان الشهيد عمر يحرص على كتابة افتتاحياتها بنفسه…في الإطار نفسه، تحمل مسؤولية في الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني ، التي تم تأسيسها بهدف دعم ثورة الشعب الفلسطيني ماديا وسياسيا وأدبيا. ولعب عمر دورا بارزا في مساندة حركات التحرر في العالم الثالث من خلال النضال ضد الإمبريالية وعملائها ،وفضح الاستعمار الجديد وكشف أساليبه ومناوراته. كان الشهيد عمر «ثورة وحده ״. ولذلك كان لابد من تواطؤ قوى الشر والظلام ضده ، لم يعد سرا أن عمر ذهب ضحية تواطؤ الرجعية مع الظلاميين، ضحية أعداء تحرر المغرب ونهوضه…إنه شهيد بكل المقاييس،بل هو الشهادة. الصحافة شهيد الرأي الحر والقول الحق،التحليل العميق والتعليق الحي…….صورته ، اسمه، دمه…خلوده في جريدة الاتحاد الاشتراكي….كل هذا ينبه كل متطفل على الصحافة في هذا المنبر أو ذاك، في هذه اليومية أو تلك الأسبوعية ، التي تزعم الاستقلال والتي تدعي الحياد….ينبه جميع الأقلام ويذكرها بأن الكفاح في سبيل إعلاء الكلمة والرفع من شأن الفكرة والجهر بالرأي…تأسيس وتجذر في صحافة مناضلة ،من التحرير إلى الرأي العام ،ومن المحرر إلى الاتحاد الاشتراكي ….من اعتقال ومحاكمة عبد الرحمان اليوسفي في 1959 إلى اغتيال عمر في 1975….صحافة كانت ضد الارتزاق والوصاية،ضد الكذب والتضليل ، ضد المساومة والإغراء ، ضد الأقلام المأجورة التي تسخرها هذه الجهة أو تلك. المهدي وعمر…تركيب بنيوي وتفاعل جدلي إذا كان رجال السياسة رجال فعل لارجال فكر ، فإن الإنصاف للحقيقة والتاريخ، يقتضي إبراز أن كلا من المهدي بن بركة وعمر بن جلون يشكلان استثناء في هذا المجال . وإذا نحن أخذنا بعين الاعتبار مكانة هذين الرجلين في الحركة الديمقراطية وموقعها في سياق تطورها، وجب القول إن النضال كان يتحرك في إطار مشروع فكري متميز عبر عنه المهدي بن بركة من أجل مجتمع جديد وفي النقد الذ اتي / الاختيار الثوري بأجلى وأوضح ما يمكن ، وأعاد كتابته بجدلية تاريخية الشهيد عمر في التقرير الايديولوجي. ولقد كانت مساهمات عمر في مجال الفكرغنية وخصبة ، الهدف منها تثقيف مناضلي الديمقراطية ، ثقافة ديمقراطية اشتراكية، ثقافة علمية حداثية ….فقد أنجز دراسة عن دور الطبقة العاملة وعن علاقتها بالحزب القائد لها ، كما أوضح من خلال دراسة نقدية شروط ومبادئ أسس تنظيم الحزب الاشتراكي ، والأسباب الموضوعية التي تفرض عليه التمسك القوي بكل تلك الشروط والمبادئ ، وظل يساير بالتحليل والتوضيح تطور المجتمع المغربي ومكوناته التاريخية والاقتصادية والثقافية، مهتديا بالمنهج العلمي ا لجدلي . كان له دور كبير في بلورة العلاقة الجدلية بين نمط تنظيم الحزب وبين اختياراته الايديولوجية والسياسية. المهدي وعمر فكر يمارس ، وممارسة تفكر، لا حركة ديمقراطية بدون فكر ديمقراطي ….بن بركة وبن جلون ذكاء خارق ونبوغ عظيم ، قدرة مدهشة على النفاذ إلى صلب أي موضوع أساسي ، واقتراح الحلول و الميكانيزمات المواتية لمعالجته. متفوقان في الرياضيات ، وهذا أهلهما ليفكرا تفكيرا عقلانيا ، تفكيرا يعتمد البرهنة المنطقية والاستدلال العقلي ، عدم التناقض الفكري بين المقدمات والنتائج ، التجريد النظري وإعادة بناء الواقع…يتكلمان قليلا ويفكران كثيرا ويمارسان أكثر….صاحبا عقل علمي ، والعلم عندما يقتحم السياسة يصبح أكثر فعالية ونجاعة. إن كل من تكون تكوينا علميا مؤهل أكثر من غيره لمقاربة الواقع بمنهجية علمية ومفاهيم دقيقة، معرفة موسوعية وثقافة شمولية ، متحا من مصادر كثيرة ومتنوعة ، المدرسة ، الجامعة ، التاريخ ، كتب قديمة وحديثة ، ثقافة عربية إسلامية ، ثقافة كونية إنسانية ، تعلما في ومن الواقع ، أنصتا جيدا للواقع ، قرآه جيدا وعملا على تغييره ، انخرطا وذابا في الجماهير الشعبية ، حولا آهاتها وصرخاتها إلى كفاحات ونضالات… غياب الجسد وحضور الفكر أعدم الإعدام ، أمات الموت، ألغى الغياب ، أعلن الميلاد وأبدع الوجود، قهر الظلام وأنار الطريق، حي في التاريخ بل التاريخ حي به ، فهو التاريخ والحياة والوجود…ولد ليحيا المغرب ويوجد الوطن ، ولد سنة 1934 ببركنت عين بني مطهر ناحية وجدة …هذه الولادة وحدها رفعت عن وجدة التهميش والنسيان وجعلتها تدخل العظمة من باب أنها ولدت عمر…فطوبى لوجدة وطوبى للمرأة التي حملت عمر وأرضعت عمر ، والمجد لكل امرأة أنجبت ولدا فأسمته عمر…رمز الحرية والتحرر ، رمز النضال والكفاح ، رمز الحق والعدالة ، رمز الصدق والقناعة….دمه سقى المغرب ، تدفق في الدارالبيضاء وساح في كل المدن والقرى المغربية ، فكره يسري في كل مناضل شريف وفي الكون كله ، أخلاقه نموذج يحتذى به ومثال ينشد. حاضر بقوة في كل زمان ومكان ، في القلوب والعقول ، في الفكر والوجدان ، في الرأي والممارسة في الأفراد والجماعات ، يسكن في كل مغربي ، ويزعج كل خائن ، يتحرك في كل مناضل ، يطمئن كل شريف ويرعب كل ظالم ، يعد كل ديمقراطي ويتوّعد كل إرهابي….ارتبط اسمه بمدرسة للديمقراطيين في التكوين والجدية والالتزام والنزاهة ، في المواقف والتضحيات في الإصرار والتحدي ، في التربية والتوجيه ، في الاجتهاد والإبداع….عبر انطولوجيا عن كينونة الإنسان المغربي المضطهد ، أجاب عن الأسئلة المحيرة للقوى الحية الديمقراطية ، علمنا كيف نرفض المألوف ونحطم المعتاد ، كيف نكسر الأغلال ونثور على الأوهام ، رسم لنا طريق التحرر والحرية ، علمنا قراءة الماضي وفهم الحاضر واستشراف المستقبل ، علمنا السمو والشموخ ، وحارب فينا الاستسلام وطأطأة الرأس ، حررنا من الخوف والجبن . *إرادة وتحدي إن موقع عمر في عقل ووجدان الشعب المغربي ، موقع متميز ، حب وتقدير للرجل ، احترام وإجلال ، اعتزاز وافتخار….رجل عظيم ، مناضل كبير…..إنه مناضل ، الاختيار الصعب ، اختيار النضال المؤسس على الإيمان بالمشروع الاشتراكي الديمقراطي ، والمؤسس على الالتزام الذي يقتضي التضحيات الجسام التي قد تصل إلى تقديم الوجود / الفرد فداء للوجود/ الوطن. لقد صنع عمر مساه السياسي اعتقال ، اختطافا بسجن….اعتقل يوم 16 يوليوز 1963 وحكم عليه بالإعدام يوم 14 مارس 1964 ، ثم أطلق سراحه يوم 14 أبريل 1965 ،ثم اعتقل يوم 16 مارس 1966 وبقي في السجن مدة عام ونصف إذ أفرج عنه يوم 21 سبتمبر 1967 . توصل بطرد ملغوم يوم 13 يناير 1973 جاءته قنبلة متسترة تسابق الزمن لتقنبله على فراشه ، فسبقها بيده ، فخجلت وضاقت وجمدت واستحيت فلم تقدر على الانفجار ، بعد أن انفجر عليها غضب عمر ، وألقتها يده بعنف على الأرض وهو يقول : اخسئي أيتها الحقيرة ، حقيرة وأنت وحقير من أرسلك ، واعتقل يوم 9 مارس 1973 ليطلق سراحه في 26 غشت 1974 . تعرض لجريمة اغتيال بشعة في 18 ديسمبر 1975 حيث سقط شهيدا. مسار مكتوب بالألم ولكنه موشوم بالعزيمة القوية ، والإرادة الأسطورية ، موشوم بالصمود والصلابة ، ذلك ما تشهد به تواريخ اعتقال عمر ، وأرقام زنزاناته وعدد وقفاته في الأقفاص وراء الشبابيك ، خصوصا إذا وضعت إزاء عدد السنين التي تكون عمره الراشد ، ولو أن عمر رشد قبل سن الرشد بل إنه الرشد الذي أرشد المغرب ورسم له الاختيار التاريخي . برباطة الجأش ، وقوة الإرادة والإصرار على التحدي قاوم جدران السجن ، وغالب القضبان والحديد وانتصر على التعذيب والموت…واجه زوار الليل وجفاء الحراس والجدران البليدة لسجون مغربنا الناهض ….أبهر الجلادين بصموده وقدرته على احتقار التعذيب الهمجي والإرهاب الوحشي …لبس كل البذلات الزرقاء، حمل كل الأرقام الباردة….صراخ الأبواب ، قرقعات المفاتيح ،ضجيج الأقدام ، استنطاقات بوليسية مؤلمة، جوع وعطش ، سب وشتم….كل هذا لم ينل من صموده شيئا…قوي لا ينكسر. إن مسار عمر هو مسار المحن والألم في لحظات رهيبة من تاريخ البلاد… هو مرجعية حية للمناضلين من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان ، من أجل الحرية وكرامة الإنسان. المناضل الإنسان كان عمر بن جلون يتصف بكل خصال المناضل الملتزم ، المناهض للقمع والاستغلال، وبكل خصال القائد السياسي التواق إلى الديمقراطية والحرية ، التواق إلى المستقبل والإصلاح، بخصال نظرية وسلوكية كاليقظة العالية والاحتراز ، والتقدم بخطوات محسوبة دون تسرع ودون مراوحة ، وتجنب السقوط في الاستفزاز ورد الفعل ، والانسياق وراء العواطف والأهواء مهما كانت نبيلة ، وتحرر الفكر من عقاله وتخلصه من عاداته ، وتأهب دائم لخوض غمار تحليل أصيل ومبدع لالتباسات الواقع ، واقتراح حلول ومخارج مطابقة ، وامتلاك الوعي التاريخي الذي ينظر إلى المدى البعيد والنظرة الشاملة التي تتجنب التجزيء…بخصال إنسانية ، بسيط ومتواضع ، كريم وصادق ، مخلص ووفي ، وفي للتاريخ ، للجماهير ، للشعب ، للوطن ، للأصدقاء…أمين وصريح ، نزيه فكريا وأخلاقيا ، رحيم وعطوف على المستضعفين…الابن العظيم للشعب المغربي ، ابن الطبقة العاملة – ابن عامل متقاعد في المكتب الوطني للكهرباء – ارتبط عضويا ومصيريا بالطبقة العاملة بالولادة والنضال ، منذ كان طفلا ، وظل حريصا على هذا الارتباط ينميه ويعمقه طيلة حياته النضالية . عصامي وشجاع ،يعطي ويتواصل ، طاقة جبارة على التعبئة والنضال في مختلف الواجهات الفكرية والحزبية والنقابية والإعلامية. عقلاني فكرا وسلوكا ، تنظيرا وممارسة ، العقل معيار الحقيقة ، العقل منهج لمحاربة التضليل والتضبيع …يمقت الانفعالات والتفكير بالعاطفة والانسياق وراء الشعارات والوقوع سجين الحماس المرضي ، يرفض ممارسة النضال السياسي في شكل البلاغات والتجمعات الإخبارية والاكتفاء بالشعارات الدعائية على المستوى الجماهيري ، يحتقر ثوار الصالونات ، يكره الثرثرة والخطب الرنانة التي تدغدغ العواطف وتسيطر على المشاعر، يعلم أن تأثيرها مؤقت…وهذا ما جعله يفضل الاشتغال تنظيميا…يتحرك كثيرا…يتواصل مع المناضلين…يصنع التاريخ إيمانا منه بأن التاريخ يصنع ، ولا ينتظر المنتظرين والمتفرجين ، فإما أن ننخرط فيه ، وندقق كيفية وطريقة الانخراط وإلا أصبحنا متجاوزين سلبيين وعدميين. أسس المنهجية العلمية كما اعتمدها عمر كان يناضل من أجل تحرير الإنسان من جميع أنواع الاستغلال والاستيلاب ، تحريره من الحرية الوهمية ، من الجبرية المطلقة ، من الحتمية العمياء ، من الكسل والاتكالية ، من الجمود والدوغماتية ، من الجهل والظلام ، كان يناضل من أجل تنوير العقول ، عقول المغاربة ، وتحريرها من جميع الأوهام والأصنام ، من الخرافات والمغالطات…كان يناضل من أجل إنسانية الإنسان، إنسان حر ومختار،فاعل وواع ، إنسان يصنع التاريخ ويساهم في البناء…من أجل هذا وأكثر من هذا، اعتمد عمر بن جلون المنهجية العلمية في الدراسة و التحليل والعمل والسلوك ، اعتمد المنهجية العلمية قناعة واقتناعا بأنها وحدها القادرة على النفاذ إلى أعماق المجتمع البالغ التعقيد والدائب التغيير. ومن أسس المنهجية العلمية التي اعتمدها عمر لمقاربة الواقع المغربي : التحليل التاريخي والجدلي الذي يدرس المجتمع في تاريخه ، يدرسه كواقع متغير ومتحرك ، يكشف عن تناقضاته الاجتماعية وصراعاته الطبقية، ويبرز القوى الفاعلة فيه ، اعتماد التحليل الملموس للواقع الملموس ورفض التحليل المجرد، التزام الدقة المنهجية والصرامة المنطقية، والبرهنة العقلانية،ورفض الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة والمعتقدات المسلم بها ، معانقة الوضوح والشفافية ومحاربة اللبس والغموض والالتواء، محاربة الخلط والتضليل . اعتماد الاجتهاد والإبداع ، إعمال العقل وتشغيل الفكر، ورفض الاتباعية الجامدة والمحاكاة العمياء ، رفض النماذج المسبقة، وتقليد التجارب التي لا صلة لها بظروفنا وواقعنا. ضرورة نظرة واضحة شاملة كمنطلق وإطار لجميع مخططاتنا الاستراتيجية وتصرفاتنا التكتيكية ورفض كل نظرة تجزيئية . عدم ادعاء امتلاك الحقيقة ، الحقيقة نطلبها ولا نستطيع الإمساك بها كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا لاجنسية ولا قومية لقواعد العلم وضوابط أحكامه ، فالحق لا وطن له….من هنا ضرورة الانفتاح على الفكر الإنساني والتعامل معه نقديا . قراءة الماضي قراءة مستقبلية ، عدم القطع معه وعدم تمجيده وتقديسه. الاشتراكية منهجية لتحليل المجتمع وتناقضاته وتغييراته لا فلسفة ومحاولة لتفسير الكون ، منهجية للتحليل والنضال لا عقيدة . الاعتراف بالأخطاء باعتراف أن الخطأ ليس شرا والحقيقة هي خطأ تم تصحيحه، الإيمان بدور الإنسان في تغيير المجتمع وبناء المستقبل ، إرادة الإنسان هي المحركة للتاريخ .