يعتبر حاليا سرطان الرئة هو السرطان الأول في العالم من حيث نسبة الانتشار ونسبة الوفيات، وهو يسبب نسبة 7.6 في المئة من الوفيات عند الرجال، و 1.6 في المئة عند النساء. وفي فرنسا على سبيل المثال، فإن هذا الداء يسبب 27 ألف حالة وفاة، كما أنه يتقدم على جميع السرطانات من حيث الوفيات في الولاياتالأمريكيةالمتحدة، إذ يتسبب في 88 ألفا و400 حالة وفاة في السنة في صفوف الرجال، مقابل 68 ألفا و 800 حالة وفاة في صفوف النساء. وفي كل الحالات يتفق الباحثون على العلاقة بين نسبة انتشار المرض ونسبة الوفيات و التدخين، إذ أن 90 في المئة من حالات سرطان الرئة هي ناجمة عن التدخين. أما في المغرب فيعتبر السرطان وخاصة سرطان الرئة من المشاكل الصحية المطروحة بشدة على الصحة العمومية، ووفقا للمنظمة العالمية للصحة، فإن العدد السنوي للحالات الجديدة من سرطان الرئة تصل إلى 2161 حالة، و تنجم عنه 2006 حالات وفاة سنويا، هذا في الوقت الذي تؤكد الأبحاث على أن نسبة الإصابة السنوية بسرطان الرئة في المغرب هي في ارتفاع . ولا تظهر أعراض سرطان الرئة في المراحل الأولى للمرض، بل غالبا ما تكشف عن نفسها بعد تطور المرض، وتتمثل في سعال مستجد، تغيرات في السعال المزمن القائم أو في سعال المدخنين، سعال مصحوب ببلغم دموي، ضيق في التنفس، أوجاع في الصدر، صفير عند التنفس، وبحة في الصوت. يبدأ تكون ونشوء سرطان الرئة، عادة، في الخلايا التي تتشكل منها البطانة الداخلية للرئتين، ويشكل التدخين المسبب الرئيسي لسرطان الرئة عند الناس المدخنين، وكذلك عند الناس الذين يتعرضون للتدخين غير الإرادي أو ما يوصف بالتدخين السلبي، لكن هذا المرض يمكن له أن يصيب أيضا، أشخاصا لم يتعرضوا لدخان السجائر إطلاقا، وفي هذه الحالات ليس هناك أحيانا سبب واضح لنشوء سرطان الرئة، لكن بالمقابل نجح الأطباء في وضع قائمة تشمل العوامل التي تزيد من خطر الإصابة بالداء. ويعتقد الأطباء بأن التدخين يسبب سرطان الرئة من خلال إصابة الخلايا التي تشكل البطانة الداخلية للرئتين وذلك عندما يستنشق الإنسان دخان السجائر، الذي يحتوي على العديد من المواد التي تعرف بأنها مواد مسرطنة فتحصل التغيرات في أنسجة الرئتين بشكل فوري تقريبا. ويكون الجسم قادرا على معالجة وإصلاح هذه الأضرار في البداية، لكن بعد التعرض المتكرر لهذه المواد، تتضرر الخلايا السليمة التي تشكل بطانة الرئتين، بصورة متواصلة ومتزايدة، ومع مرور الوقت تدفع هذه الأضرار بهذه الخلايا إلى التصرف بشكل غير طبيعي حتى يتكون في نهاية المطاف ورم سرطاني. إن الرئتين تحتويان على العديد من الأوعية الدموية والأوعية اللمفاوية، التي تتيح للخلايا السرطانية العبور والانتقال ثم الوصول بسهولة إلى الأعضاء الأخرى في الجسم. ولهذا فقد ينتشر سرطان الرئة ويتفشى في أعضاء أخرى في الجسم قبل أن تظهر أعراضه على مستوى هذا العضو، فمن الممكن أن ينتشر سرطان الرئة، في معظم الحالات، حتى قبل ملاحظة وجوده في الرئتين نفسهما. ويميل الأطباء إلى تقسيم سرطان الرئة إلى نوعين رئيسيين، طبقا لشكل الخلايا السرطانية وفقا لمنظرها تحت المجهر، وعلى أساس هذا التقسيم يتخذ الأطباء قراراتهم بشأن طريقة العلاج المناسبة في كل حالة عينية. وهناك نوعان رئيسيان من سرطان الرئة هما: سرطان الرئة ذو الخلايا الصغيرة الذي يسمى أيضا بالورم الخبيث الذي هو على شكل سنبلة الشوفان، ويظهر في معظم الحالات عند المدخنين بكثرة فقط، وهو أقل شيوعا من النوع الثاني المسمى "سرطان الرئة ذو الخلايا غير الصغيرة"، هذا النوع الثاني الذي يعد اسمه عاما وشاملا لأنواع عديدة من سرطانات الرئة التي تتصرف بشكل متماثل، ويشمل السرطانة الوسفية، والسرطانة كبيرة الخلايا. هناك العديد من عوامل الخطر التي تزيد من خطر الإصابة بسرطان الرئة، بعضها هو تحت سيطرة الإنسان ويستطيع التحكم بها، كما هو الشأن بالنسبة للإقلاع عن التدخين، على سبيل المثال، لكن بالمقابل هناك عدة عوامل أخرى لا يمكن السيطرة عليها والتحكم فيها. ومن بين هذه العوامل مجتمعة نجد: التدخين الذي لايزال عامل الخطر الرئيسي للإصابة بسرطان الرئة، وهو يزداد مع زيادة كمية السجائر المدخنة يوميا ومع عدد السنوات التي تم التدخين خلالها، والحال أن التوقف عن التدخين في أية مرحلة من العمر يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بسرطان الرئة إلى حد كبير. الجنس، فالنساء اللواتي يدخنّ أو اللواتي دخنّ في الماضي، هن أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة من الرجال الذين يدخنون الكمية نفسها من السجائر، وعلى الرغم من أن سبب ذلك ليس واضحا تماما، إلا أن بعض الخبراء يقولون إن النساء هن أكثر عرضة للإصابة، وهن أكثر حساسية للمواد المحفزة للسرطان الموجودة في التبغ. وفي المقابل، يرى آخرون بأن هرمون الأستروجين يلعب دورا في ذلك، ومن المعروف أيضا أن النساء يملن غالبا إلى الاستنشاق بعمق اكبر من الرجال، كما أن فرص توقفهن عن التدخين أقل. التعرض لغاز الرادون الذي يتم إنتاجه بواسطة التحلل الطبيعي لليورانيوم الموجود في التربة، في الصخور أو في الماء، ويتحول في نهاية المطاف إلى أحد مركبات الهواء الذي نتنفسه. وعلى الرغم من أن مستويات استثنائية من غاز الرادون يمكن أن تتجمع في أية بناية، إلا أن التعرض الأخطر لغاز الرادون يكون بالأساس في البيئة البيتية. وهنالك فحوصات خاصة يمكن بواسطتها تحديد ما إذا كانت مستويات غاز الرادون الموجودة في منزل ما خطرة أم لا. التعرض للأسبست أو الأميانت، أو أية مواد كيميائية أخرى في مكان العمل أو غيرها من الفضاءات، إضافة إلى التعرض لمواد كيميائية أخرى معروف أنها مسرطنة مثل الزرنيخ، الكروم، النيكل، أو سناج القطران، التي يمكن أن ترفع من خطر الإصابة بسرطان الرئة، خصوصا إذا كان الشخص مدخنا أيضا. الأشخاص الذين أصيب أحد والديهم، أحد أشقائهم، شقيقاتهم، أو أي شخص آخر قريب من الدرجة الأولى، بسرطان الرئة هم أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة. ويرافق سرطان الرئة الكثير من المضاعفات، من بينها تجمع سوائل في الصدر، تفشي السرطان في أعضاء أخرى من الجسم، والموت. ويعتمد الأطباء في تشخيص سرطان الرئة على الأعراض السريرية للمرض وكذلك على الفحص بالأشعة، كما يتم التشخيص المرضي في بعض الدول بفحوصات المسح عند الأشخاص الذين ينتمون إلى مجموعات الخطر الأكثر عرضة للإصابة بمرض سرطان الرئة. وتشير الأبحاث إلى أن مثل هذه الفحوصات يمكن أن تؤدي، في بعض الحالات، إلى الكشف المبكر عن الداء في مرحلة مبكرة نسبيا يمكن خلالها معالجة السرطان بنجاح كبير. ومع ذلك، تظهر دراسات أخرى أن مثل هذه الفحوصات كثيرا ما تكشف أوراما غير خبيثة تتطلب إجراء مجموعة من الفحوصات الباضعة التي تعرض المرضى لمخاطر لا داعي لها. بعد تأكيد تشخيص الإصابة بسرطان الرئة، يقوم الطبيب بتحديد مستوى السرطان عند المريض، فتحديد درجة الإصابة بالمرض يساعد الطبيب في اتخاذ قراراته بشأن الطرق العلاجية الأنسب والأكثر فعالية بالنسبة للحالة العينية. وتمكّن الفحوصات من تحديد درجة السرطان وتعين الطبيب على البحث عن علامات انتشار الداء خارج الرئتين، والتي تشمل التصوير بالرنين المغناطيسي، التصوير المقطعي بإصدار البوزيترون، ومسح العظام. ومن الضروري التحدث مع الطبيب المعالج بشأن الإجراءات الطبية المناسبة والناجعة، إذ قد تكون ثمة فحوص غير ملائمة لبعض المرضى. وتتعدد التدخلات العلاجية الممكنة، إذ قد يقرر اختصاصي الأورام بالتشاور مع المريض، طريقة ونظام علاج سرطان الرئة اعتمادا على عدة عوامل، مثل الوضع الصحي العام للمريض، نوع السرطان ودرجته، أخذا بالحسبان خيارات المريض الشخصية. وتشمل خيارات العلاج، عموما، علاجا واحدا أو أكثر من بين العلاج الجراحي، العلاج الكيميائي، العلاج الإشعاعي أو العلاج الدوائي المركز. وفي الختام نشدد على المقولة الشهيرة «الوقاية خير من العلاج» ، وبأن ليس هناك طريقة مضمونة ومؤكدة للوقاية من سرطان الرئة، ولكن يمكن تقليل خطر الإصابة بسرطان الرئة باتخاذ جملة من التدابير من قبيل تجنب التدخين، الاقلاع عن التدخين، تجنب التدخين السلبي، إجراء فحوص للكشف عن وجود غاز الرادون في محيط المنزل، تجنب التعرض للمواد المسرطنة في العمل، الحفاظ على نظام غذائي غني بالخضار والفواكه. كما لا يمكن أن نتحدث عن سرطان الرئة بدون أن نتساءل عن الخطوات التي أقدمت عليها الجهات المسؤولة للحد من تفاقم التدخين في بلادنا مع العلم أن التدخين ينتشر بين الشباب و الأطفال بصفة غير مقبولة. (*) طبيب عام